تم العثور على زوج من الخلايا العصبية في عقول ذكور الديدان الخيطية «nematode»، تقوم بالسماح لهم بتذكّر البحث عن الجنس، حتى إذا عنى ذلك أن تقلل الدودة غذاءها. هذه الخلايا العصبية الفريدة للذكر مهمة للاختلافات الجنسية في التعلم، مما يقترح أن الفروق الجنسية في القدرات الإدراكية قد تكون مُحددة مُسبقًا جينيًا. أهمية هذا تنبع من وجود القليل من المعلومات بشأن الفروق المخية بين الذكر والأنثى من حيت التفضيل، الاختيار، والحكم لكِلا الجنسين.
أجريت الدراسة في كلية ألبرت آينشتاين للطب وفي الجامعة البريطانية العالمية، وأوضحت صلة وثيقة بين السلوك المتباين لديدان الذكور والإناث وبين فروق في تطور وتركيب المخ في مناطق مرتبطة بالتفكير المتقدم.
مناطق المخ المرتبطة بالتعلم توضح فروق جنسية في العديد من الحيوانات من ضمنها البشر، ولكن طريقة تأثير هذه الفروق على السلوك لايزال غير واضحٍ. أوضحت هذه الدراسة كيفية قيام الفروق الجينية والتطورية بين الجنسين بالتأثير تركيبيًا على أمخاخ الذكور خلال النضج الجنسي، هذه التغيرات تجعل أمخاخ الذكور تعمل بطريقة مختلفة، مما يسمح للذكور بتذكر المواجهات الجنسية السابقة وجعل الأولوية للجنس في المستقبل.
تفاجأ الفريق بإيجاد خلايا، لم يتم التعرف عليها مُسبقًا، كانت مسئولة عن التغير السلوكي ذاك؛ حيث أن الديدان هي مواضيع اختبار مدروسة بعناية. كان العلماء قادرين على توضيح أن تلك الخلايا التي توجد في خلايا أمخاخ الذكور هي صفات مشتركة أيضًا مع الأمخاخ البشرية، فهي الخلايا الدبقية «glial»، الخلايا المرافقة والداعمة للخلايا العصبية.
كان هذا أول مثال موصوف بعناية لدور الخلايا الدبقية في القيام بوظيفة الخلايا العصبية في اللافقاريات، ومن المثير في هذا أننا وجدنا أن الخلايا الدبقية التي نتحدث عنها هي خلايا كاملة التباين، أي أنها كاملة النضج ولاتحتوي على خصائص مشتركة مع خلايا أخرى، وهي قضية صعبة التحديد في الكائنات العليا. نستطيع الآن استغلال هذا النظام لكي نفهم كيف تقوم الخلايا الدبقية المتميزة بإعادة الدخول في دورة الخلية وتوليد الخلايا العصبية.
قد يكون لهذا فوائد علاجية مثيرة في المستقبل، الزوج الجديد المعروف من الخلايا العصبية والتي تم تسميتهم «الخلايا المحيرة الذكورية-MCM»، تقوم بصنع فروق سلوكية بين الجنسين، بتغيير الدوائر المخية المشتركة في كليهما. سواء كانت تلك الخلايا العصبية مولودة منذ البدء أم لا، يعتمد ذلك على الفروق الجينية الجنسية في الخلايا الدبقية وليس على جنس الحيوان أو على هرموناته؛ فهذه الخلايا المحيرة الذكورية لايتم صناعتها سوى من الخلايا الدبقية التي تحتوي على كروموسومات ذكورية.
نوع الديدان الذي تم دراسته هو «Caenorhabditis elegans»، والذي له جنسين: ذكور وإناث، النوع الخنثى يكون عبارة عن إناث مُعدّلة تحمل حيواناتها المنوية الخاصة بها، ولا تحتاج لممارسة الجنس لكي تتكاثر. تم التعرف على الخلايا الذكورية المحيرة باستخدام علامات تحمل صبغة فلوروسين، وتم الكشف عنها عن طريق إزالتها جراحيًا باستخدام ليزر ميكرو شديد الضئالة.
تم اختبار تأثير تلك الخلايا على سلوك الديدان باستخدام أساليب تأقلم سلوكية كلاسيكية، حيث تعلمت الديدان أن تربط التجارب السيئة أو الجيدة، كالمجاعة أو التكاثر، بمؤثر محدد، كالملح، وقامت بتغيير استجاباتها السلوكية وِفقًا لذلك المؤثر، حيث قامت الديدان التي مرت بمجاعة حين تعرضت للملح بالابتعاد عنه حين وجدت تركيزات عالية منه بعد وضعها في بيئة جديدة، مما يعني أنها تعلمت أن تربط الملح بالمجاعة.
كلًا من الذكور والخناث تقوم بذلك التعلم، على النقيض من ذلك، حين مرت الذكور بمجاعة مع توافر المرافقين الجنسيين، ثم تم وضعهم في بيئة جديدة بتركيزات ملحية مختلفة، بحثت الذكور عن مناطق تركيز الملح العالية، مما يعني أن ربط الذكر للملح بالجنس كان أكبر من ربطه بين الملح وقلة الطعام. هذا التغير السلوكي لم يحدث في الخناث. ومن المهم الذِّكْرُ، أن الذكور الذين تم إزالة الخلايا العصبية المحيرة منهم لم يقوموا أيضًا بربط الملح بالجنس.
قام العلماء بدراسة صور إلكترونية ميكروسكوبية لعدة شرائح من الديدان، كي يقوموا بإعادة رسم وتحليل الروابط التي تصنعها الخلايا العصبية المحيرة مع الخلايا العصبية الأخرى في أمخاخ الذكور، وقد وجدوا أن تلك الخلايا ترتبط بنفس الخلايا في كلا الجنسين، ولكن وجودها في الذكور يجعلها تقوم بإعادة تصميم تلك الروابط؛ لتغيير الطريقة التي يتم بها معالجة المعلومات.
المترجم : عمرو خالد
مراجعة: Mohammad Marashdeh
المصدر:
الورقة البحثية
Sammut, Michele, Steven J. Cook, Ken C. Q. Nguyen, Terry Felton, David H. Hall, Scott W. Emmons, Richard J. Poole, and Arantza Barrios. “Glia-Derived Neurons Are Required for Sex-Specific Learning in C. Elegans.” Nature 526, no. 7573 (October 15, 2015): 385–90. doi:10.1038/nature15700.
