نسمع كثيرًا عن داء الأمعاء الالتهابي (Inflammatory Bowel Disease | IBD) ومتلازمة القولون المتهيج أو القولون العصبي كما هو شائع ودارج بين الناس (Irritable Bowel Syndrome | IBS) ويخيل إلينا أنهما وجهان لعملة واحدة، لكن هذا ليس صحيحًا، فهما عِلّتان مختلفتان تمامًا، عدا أن كليهما يصيبان بعض أجزاء الجهاز الهضمي. لذلك يجب أن ندرك الفرق بينهما جيدًا، وسوف نبدأ بأكثرهما حدة وخطورة؛ وهو داء الأمعاء الالتهابي.
داء الأمعاء الالتهابي (1,2)
مرض التهاب الأمعاء أو داء الأمعاء الالتهابي هو مصطلح شامل يُستخدم لوصف الاضطرابات التي تتضمن الالتهاب المزمن الذي يصيب القناة الهضمية والأمعاء. يتضمن داء الأمعاء الالتهابي مجموعة من الأمراض أهمها:
• التهاب القولون التقرحي (Ulcerative Colitis): تتسبب الحالة المذكورة في الإصابة بالتهابات وخراجات (قرح) طويلة الأمد في البطانة العميقة للأمعاء الغليظة (القولون) والمستقيم.
• داء كرون (Crohn’s Disease): يتسبب هذا النوع من أنواع مرض التهاب الأمعاء في التهاب بطانة القناة الهضمية، والذي ينتشر بعمق في الأنسجة المصابة.
أعراض التهاب الأمعاء
غالبًا ما يتشارك داء كرون والتهاب القولون التقرحي في بعض الأعراض مثل:
• الإسهال الشديد
• آلام البطن
• نزيف المستقيم أو دم في البراز
• التعب
• فقدان الوزن
ما السبب وراء داء الأمعاء الالتهابي؟
لايزال سبب المرض مجهولًا، فقد رجح الأطباء قديمًا أن هذا المرض يرتبط بشكل رئيسي ببعض الأنماط الحياتية للمريض مثل النظام الغذائي و الإجهاد، لكن الأبحاث أوضحت أنه لا يوجد علاقة قوية بينهما. والآن أثبتت بعض الدراسات أن أحد الأسباب المحتملة لحدوث المرض هو رد فعل الجهاز المناعي غير الطبيعي، فعندما يهاجم الجسم أي جسيم غريب مثل البكتريا أو الفيروسات، فإن الجهاز المناعي يصدر عنه تصرف شاذ، إذ يقوم مهاجمة خلايا الجهاز الهضمي أيضًا مما يتسبب في التهاب القناة الهضمية. يبدو أن الوراثة تلعب هي الأخرى دورًا هامًا في الإصابة بالمرض؛ فخطر الإصابة بداء الأمعاء الالتهابي يزداد مع وجود أفراد لديهم تاريخ مرضي بين صفوف عائلتك. ومع ذلك، فإن معظم الأشخاص المصابين بأمراض الأمعاء الالتهابية (IBD) ليس لديهم هذا التاريخ العائلي.
ما هو الفرق بين التهاب القولون التقرحي وداء كرون؟ (2,3)
التهاب القولون التقرحي
- يحدث بشكل رئيسي في القولون والمستقيم.
- المناطق المتضررة مستمرة (غير متقطعة)، وتبدأ عادة في المستقيم وتنتشر أكثر في القولون.
- الالتهاب يوجد فقط في بطانة القولون الأكثر عمقًا.
داء كرون
- يمكن أن يؤثر على أي جزء من الجهاز الهضمي، من الفم إلى فتحة الشرج. وغالبًا ما يؤثر على جزء من الأمعاء الدقيقة قبل الأمعاء الغليظة (القولون).
- تظهر المناطق التالفة في بقع بجوار مناطق الأنسجة السليمة.
- قد يصل الالتهاب عبر طبقات متعددة من جدران الجهاز الهضمي.
ما هي مضاعفات الإصابة بداء الأمعاء الالتهابي؟
هناك مضاعفات عدة قد تحدث في كلًا من داء كرون و الالتهاب التقرحي تميز كل منهما عن الآخر ولكن هناك بعض المضاعفات المشتركة بينهما وأبرزها:
- سرطان القولون
- ارتفاع خطر الإصابة بالتهاب البشرة، والعين، والمفاصل خاصة مع زيادة نشاط المرض
- وجود العديد من الآثار الجانبية المرتبطة باستخدام بعض العقاقير التي يصفها الطبيب لمريض داء الأمعاء الالتهابي
- التهاب القنوات الصفراوية، مما قد يؤثر على صحة الكبد
- ارتفاع خطر الإصابة بالجلطات الدموية بالأوردة والشرايين
كيف يتم تشخيص داء الأمعاء الالتهابي؟ (4)
يقوم الطبيب على الأغلب بتشخيص ذلك المرض عن طريق الاستبعاد، حيث يقوم الطبيب بفحص شامل، ومن ثم يقوم باستبعاد المسببات الممكنة للأعراض واحدة تلو الأخرى حتى يستقر على التشخيص المناسب. يلجأ الطبيب كذلك إلى بعض الأختبارات والإجراءات الأخرى التي يمكن أن تيسر عليه عمله، وتؤكد التشخيص الأولي مثل:
• فحوصات فقر الدم والعدوى: قد يقترح الطبيب إجراء هذا الأختبارات للتحقق من الإصابة بفقر الدم (الأنيميا)، أو للتحقق من وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية.
• فحص وجود دم خفي في البراز
المناظير الطبية
- تنظير القولون: يستطيع الطبيب من خلال هذا الفحص رؤية القولون بشكل كامل، وذلك من خلال الكاميرا المثبتة على أنبوب التنظير، كما يمكن للطبيب أن يأخذ عينة من النسيج باستخدام هذا الَالية.
- التنظير السيني المرن: يلجأ الطبيب لهذا الفحص عادة عندما يكون القولون ملتهبًا بشدة.
- التنظير العلوي
- تنظير باطني كبسولي
- تنظير الأمعاء الدقيقة بمساعدة البالون
إجراءات التصوير
• الأشعة السينية.
• فحص التصوير المقطعي المحوسب (CT)
• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
علاج داء الأمعاء الالتهابي (4)
يشمل علاج داء الأمعاء الالتهابي العديد من الوسائل المتاحة، منها الدوائي ومنها الجراحي، لكن الهدف الرئيسي من العلاج هو تقليل حدة الالتهاب، ومن ثمّ الارتياح وزوال اللأعراض، بالإضافة إلى التقليل من مخاطر حدوث المضاعفات.
- أدوية مضادة للالتهابات
تعد هذه الفئة هي الخطوة الأولى في علاج داء الأمعاء الالتهابي. تتضمن مضادات الالتهاب الكورتيكوستيرويد والأمينوساليسيلات.
- مُثبطات الجهاز المناعي
تعمل هذه الأدوية بِعدّة طرق لكبح الاستجابة المناعية التي تطلق المواد الكيميائية المسببة للالتهاب في بطانة الأمعاء، مثل مثبطات عامل نخر الورم من النوع ألفا (Tumor Necrosis Factor Alpha).
- المضادات الحيوية
قد تستخدم المضادات الحيوية مع غيرها من الأدوية أو في الحالات التي تكون بها مخاوف من حدوث عدوى، على سبيل المثال، في حالات مرض كرون الذي يصيب المنطقة المحيطة بالشرج.
- الجراحة
قد يلجأ الطببب إلى الجراحة إذا لم يعمل تغيير النظام الغذائي ونمط الحياة، أو العلاج الدوائي على تخفيف علامات أمراض الأمعاء الالتهابية (IBD) وأعراضها.
داء الأمعاء الالتهابي (Inflammatory Bowel Disease) ليس مرض الاضطرابات الهضمية (Celiac Disease)!
مرض الاضطرابات الهضمية هو مرض آخر له أعراض مشابهة لـداء الأمعاء الالتهابي. ومع ذلك، فإن سبب مرض الاضطرابات الهضمية هو معروف جدا؛ فهو نتيجة استجابة التهابية للغلوتين ، وهي مجموعة من البروتينات الموجودة في القمح والحبوب المماثلة. سوف تختفي أعراض مرض الاضطرابات الهضمية بعد بدء نظام غذائي خال من الغلوتين، عادة بعد بضعة أشهر.
متلازمة القولون المتهيج! ماهو تهيج القولون؟ (5,6,7,8)
يُعد تهيج القولون أو المعروف بمتلازمة القولون العصبي اضطرابًا شائعًا يؤثر على الأمعاء الغليظة على وجه الخصوص. وتتضمن الأعراض الخاصة به التقلصات وآلام البطن والانتفاخ والغازات والإسهال أو الإمساك، أو كلاهما. يُعتبر تهيج القولون حالة مزمنة، يتأقلم معها المريض بشكل طبيعي مع مرور الوقت، فيُمكن لبعض الأشخاص السيطرة على الأعراض من خلال تدبير نظامهم الغذائي ونمط الحياة والإجهاد النفسي، لكن بعض المرضى قد يُعانون من شدة الأعراض؛ مما يتطلب استشارة الطبيب و أخذ بعض الأدوية.
أعراض متلازمة القولون المتهيج (5,6)
- وجود تقلصات واَلام بالبطن
- زيادة الغازات
- الإسهال أو الإمساك، وأحيانًا تعاقب نوبات من الإسهال والإمساك
- خروج المخاط مع البراز
وغالباً ما تختفي هذه الأعراض تدريجيًا بعد التبرز.
ما هي أسباب الإصابة بمتلازمة القولون المتهيج؟ (7)
لم يتم فهم سبب متلازمة تهيج القولون بشكل كامل، فهناك عوامل محتملة مثل الوراثة بالإضافة إلى وجود أسباب أخرى. يبدو أن الأعراض يمكن أن تنتج عن وجود بعض الاضطرابات في حركة القولون (تقلصات العضلات) وزيادة الحساسية لبعض للأغذية أو حتى للبراز في الأمعاء. أخيراً، هناك ميل لأن تكون الأمعاء أكثر تفاعلاً مع بعض العوامل الخارجية والداخلية المختلفة، والتي يمكن أن تُزيد أو تكون سبب في إشعال الشرارة من أجل حدوث الأعراض. تشمل تلك العوامل الأكل، والتوتر، والإثارة العاطفية، وعدوى الجهاز الهضمي، وفترة الحيض، والانتفاخ الغازي.
تواصل الدماغ والأمعاء ومتلازمة القولون المتهيج!
النظرية الأولى ترجح أن التغير في حركة القولون وإحساسه يرجع إلى اضطرابات في التواصل بين الدماغ والأمعاء. ويُعرف هذا التفاعل باسم المحور الدماغي المعوي. هذه التفاعلات ثنائية الاتجاه بين الدماغ والأمعاء مهمة في الحفاظ على وظيفة الأمعاء الطبيعية. كما أنها تستجيب لأي اضطراب أو ضغوط محتملة. في متلازمة تهيج القولون، يتغير التنظيم الطبيعي لتفاعلات القناة الهضمية الدماغية؛ مما يؤدي إلى تغيرات في الحركة والإحساس داخل الأمعاء. هناك عدد من العوامل التي قد تلعب دوراً في تغيير المحور الدماغي مثل:
- الإستعداد الوراثي
- عدوى معوية قبل ظهور المرض
- الإجهاد المزمن أو العوامل الإجتماعية و النفسية الأُخرى
هل تتسبب البكتيريا في تهيج القولون؟
هناك عادة تريليونات من البكتيريا في الأمعاء، هذه البكتيريا تساعد في تكسير الطعام الذي نأكله كما أنها تساعد في تنظيم وظيفة الأمعاء بما في ذلك الحركة، والهضم، بالإضافة إلى بعض الأعمال الخاصة بالمناعة. قد يكون لأنماط البكتريا المختلفة هذه تأثير على الصحة والمرض، وقد يكون لتغير عدد أو نوع هذه البكتريا دورًا في ظهور أعراض تهيج القولون عند البعض.
المثيرات:
يُمكن أن تُثار أعراض متلازمة تهيج القولون بالعوامل التالية:
- الطعام: يعاني العديد من الأشخاص من أسوء أعراض المرض عند تناول أطعمة أو أشربة مُحددة مثل القمح ومنتجات الألبان والفواكه الحمضية والفاصوليا والكرنب والحليب والمشروبات الغازية.
- الإجهاد النفسي: يُعاني أغلب المصابين بمتلازمة الأمعاء المتهيجة من أسوء علامات وأعراض هذه المتلازمة أو كثرة تكرارها خلال فترات زيادة الإجهاد النفسي.
- الهرمونات: تتعرض المرأة لاحتمال الإصابة بمتلازمة تهيج القولون بمعدل الضعف مقارنة بالرجل، وتجد العلامات والأعراض على العديد من النساء عند اقتراب الدورة الشهرية.
المضاعفات:
- يُمكن أن يُسبب الإمساك المزمن الإصابة بالبواسير
- انخفاض مستوى جودة الحياة
- اضطرابات المزاج
تشخيص متلازمة القولون المتهيج
لا يوجد اختبار حقيقي يستطيع الطبيب من خلاله التعرف على المرض بشكل قاطع، لكن في الأغلب يبدأ الطبيب بالسؤال عن تاريخ العائلة المرضي، ومن ثم إجراء الفحص البدني من أجل استبعاد الحالات المرضية الأُخرى. فإذا كُنتَ تُعاني من متلازمة الأمعاء المتُهيجة والإسهال فمن المرجح إِجراء الاختبارات التي تكشف عن عدم تحمل الغلوتين (الداء البطني أو مرض الاضطرابات الهضمية) وقد تم ذكر نبذة عن هذا المرض سابقًا في المقال.
وبعد استبعاد الحالات المرضية الأُخرى، يلجأ الطبيب إِلى مجموعة من مجموعات المعايير التشخيصية مثل:
- معايير روم: تتضمن ألم البطن والتوعك بمعدل يوم واحد في الأسبوع على الأقل في الأشهر الثلاثة الماضية.
- معايير مانينغ: تُركز على زوال الاَلم والشعور بعدم الارتياح بعد التبرز وبالتبرز غير الكامل، بالإضافة إلى التحقق من المواد المخاطية في البراز ووجود تغيّر في قوام البراز.
- نمط متلازمة الأمعاء المتهيجة: وفقًا لهذه النقطة فلدينا ثلاثة أنماط مختلفة مرتبطة بالمرض ويتم تحديدها بحسب الأعراض، وهي: الإمساك السائد، أو الإسهال السائد، أو الجمع بين النوعين.
إعداد وترجمة: Fyrooz Saeed
مراجعة علمية: Mahmoud Ahmed
مراجعة لغوية: محمد غنيم
المصادر
#الباحثون_المصريون