داء العصبون الحركي.. ما هو؟

Amyotrophic-Lateral-Sclerosis
العصبون الحركي|||

“بالرَّغم من أنني لا أقوى على الحَركة وأتحدَّثُ عن طريق الكمبيوتر، فأنا دَاخل عَقلي حُرٌّ طليق”

هذا ما قاله عالم الفيزياء البريطاني (ستيفين هوكينج-Stephen hawking) متحديًا المرض الذي ألمَّ به.

داء العصبون الحركي

داء العصبون الحركي أو (Motor neurone disease ) هو مرض تنكسي عصبي يصيب (الخلايا العصبية الحركية-motor neurons) دونًا عن غيرها، ويتسبب في ضُمور عضلي متقدم، فيؤثر على الوظائف الحركيَّة كالمشي والكلام والتنفس والبلع وقد يمتد التأثير ليصل إلى الوظائف الإدراكية والحسية ولكن بدرجات متفاوتة من مريض إلى آخر.[1]

في الطبيعي يُرسل الدماغ إشارات عصبيَّة إلى العضلات لتنقَبض، تُنقل هذه الإشارات عن طريق الحَبل الشوكي ومن ثم إلى الأعصَاب الحركيَّة لتصل إلى العضلات، أما في داء العصبون الحركي تتلف الأعصاب الحركية فلا تعود قادرة على إتمام وظيفتها ونقل الرسائل العصبية إلى العضلات فتؤدي إلى ضعف وضمور العضلات يصل بها إلى حالة من الشلَل التام.

صورة توضح آلية عمل الخلية العصبية الحركية

أسباب داء العصبون الحركي

تحدث مُعظم حالات العُصبون الحركي بدون سبب، وبدون تاريخ عائلي أيضا، وهذا ما يعرف بـ (النوع العشوائيSporadic MND) وهو الأكثر انتشارًا. يُؤمن العلماء بأن حُدوث النوع العشوائي من داء العصبون الحركي نتيجةُ تكاتف عدة عوامل بيئية وجينية تساهم في تطور المرض.
أما النوع الآخر فيسمى (النوع العائليFamilial MND) وذلك لأنه عُثِر في 10% من الحالات على جين مورُوث متغير والذي تحفِّز ظهوره العوامل البيئية.

النظريَّات التي تفسر حُدوث داء العصبون الحركي

هناك العديد من النظريَّات التي تفسر حُدوث داء العصبون الحركي:

  • التعرض لعوامل بيئية مثل: السموم والكيماويات العضوية، المبيدات الحشرية، المعادن الثقيلة.
  • الصدمة الكهربائية أو الميكانيكية.
  • عدوى فيروسية.
  • ضرر يسببه الجهاز المناعي.
  • تقدم مبكر في عُمر الخلايا العصبية الحركية، نتيجة فقد عوامل النمو-growth factors التي تحافظ على بقائها حية.
  • عوامل جينية.

بالرغم من الجهود المبذولة في العديد من الدراسات لمعرفة السبب في حدوث المرض إلا أنه لا يزال مُبهمٌا ولم يتم التوصل إلى سبب مُؤكَّد حتى الآن.[2]

أنواع داء العصبون الحركي

  • التصلب الجانبي الضموري (Amyotrophic lateral sclerosis -ALS):

يُعد أشهر أنواع مرض العصبون الحركي، ويتميز بضعف وضمور في الأطراف وتيبس في العضلات مع تقلصات، قد يلاحظ على بعضهم تعثر في المشي أو إسقاط الأشياء دون قصد.

  • الشلل البصلي المترقي (Progressive bulbar palsy -PBP):

يصيب عددًا أقل من الأشخاص بالمقارنة مع التصلب الجانبي الضموري، ويؤثر بشكل رئيسي على عضلات الوجه والحلق واللسان، تشمل الأعراض المبكرة عدم وضوح الكلام، وصعوبة في البلع.

  • ضمور العضلات التدريجي (Progressive muscular atrophy -PMA):

ويصيب نسبة ضئيلة من البشر، تظهر الأعراض المبكرة على هيئة ضعف في عضلات اليدين.

  • التصلب الجانبي الأولي (Primary lateral sclerosis -PLS):

نوعٌ نادر من داء العصبون الحركي، يسبب ضعف في عضلات الطرفين السفليين بشكل رئيسي، بعض المرضى قد يعانون من ضعف في اليدين ومشاكل في الكلام.لا تتأثر الوظائف الحسية لدى مريض العصبون الحركي، لذا يستطيع أن يَرى ويَسمع ويَتذوق ويَشم ويَشعر، فيكون المريض على دراية كاملة بكل ما يَمرُّ به، كما لا تتأثر وظيفة الأمعاء والمثانة البولية أو حتى الوظيفة الجنسية لديه.[3]

التصلب الجانبي الضموري (Amyotrophic lateral sclerosis (ALS

في عام 1869م وصف عالم الأعصاب الفرنسي (شاركوت-Jean Martin Charcot) التصلب الجانبي الضموري كمرض تنكُّسي عصبي يصيب الأعصاب الحركية.[4]
يُشار إلى التصلب الجانبي الضموري بـ (مرض لو جيريج-Lou Gehrig’s Disease) نسبةً إلى لاعب البيسبول الأمريكي الشهير الذي أصيب به عام 1939م.[5]

لاعب البيسبول الأمريكي لوجيريج

انتشار المرض

طبقا للإحصائيات عام 2013 يصيب التصلب الجانبي الضموري 5 اشخاص من أصل 100000 كل عام، وهو أكثر شيوعًا عند الرجال منه في النساء بعامل 1.5، ويكون معدل تطور المرض أسرع في المرضى الأكبر سنا، ومن لديهم ضرر بالأعصاب القحفية، أو مشاكل في الإدراك، وفي بعض الأنماط الجينية.[4]

معدل البقاء على قيد الحياة

متوسط عمر الشخص الذي يعاني من التصلب الجانبي الضموري (ALS) من 2 إلى 3 سنوات منذ بداية ظهور الأعراض. فشل الجهاز التنفسي هو ما يسبب الوفاة.[4]

أعراض داء العصبون الحركي (MND)

تبدأ الأعراض في الظهور في منطقة معينة من الجسم، وتنتهي بالانتشار على نطاق واسع، وتنقسم إلى 3 مراحل:

  • المرحلة الأولية – the initial stage
  • المرحلة المتقدمة – the advanced stage
  • المرحلة المتأخرة – the end stage

المرحلة الأولية – the initial stage

تتطور أعراض هذه المرحلة ببطء مع مرور الوقت، ومن السهل أن يختلط الأمر بينها وبين أمراض أخرى مشابهة، وتشمل:

إصابة الأطراف: حوالي ثلثي الأشخاص المصابون بداء العصبون الحركي تظهر أولى أعراضهم في الذراعين والساقين على هيئة:

  • صعوبة في حمل الأشياء أو الإمساك بها.
  • ضعف في الكتف مما يسبب صعوبة في رفع الذراع فوق مستوى الرأس.
  • تعثر القدمين أثناء المشي بسبب ضعف في الكاحل أو الورك.

هذه الأعراض في العادة غير مؤلمة، وقد تتصاحب بارتعاشات أو تقلصات في العضلات، مع ضمور واضح وفقدان للوزن.

إصابة الأعصاب القحفية: في ربع الحالات تبدأ المشكلة في العضلات المستخدمة للكلام والبلع، فيزداد التلعثم -والذي يكون أول علامة لهذا النوع-، وقد يختلط الأمر بينه وبين السكتة الدماغية.

إصابة الجهاز التنفسي: في حالات نادرة جدا يبدأ مرض العصبون الحركي بالتأثير على الرئتين بدل التأثير عليهما في نهاية المرض.

في بعض الحالات تكون الأعراض واضحة رأي العين، كصعوبة وقصر في النفس، وفي بعض الحالات الأخرى تكون الأعراض غير واضحة، مثل الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل بسبب نقص الأوكسجين المُغذي للدماغ في حالة الاستلقاء، وقد يصاحبه صداع.

المرحلة المتقدمة – the advanced stage

داء العصبون الحركي مرض متقدم لذلك فإن الفروق بين الأنواع المختلفة منه غير ملاحظة فمعظم أجزاء ووظائف الجسم تتأثر في النهاية.

أعراض تظهر على العضلات: تضعف الأطراف وتضمر العضلات بالتدريج، وبالتالي يجد المريض صعوبة في تحريك الطرف المصاب. تصبح العضلات متيبسة أيضًا، وهو ما يعرف بـ (فرط التوتر التشنجي-spasticity)، ضمور العضلات وتيبسها يسببان ألم في المفاصل.
ضعف العضلات يؤثر في عمليتي الكلام والبلع، مما يسبب سيلان اللعاب، كما أن ضعف العضلات التي تستخدم للسعال يؤدي إلى صعوبة طرد اللعاب الذي يدخل الحلق أو الجهاز التنفسي.


تغير في المشاعر: يعاني المريض من عدم القدرة على التحكم في مشاعره، من أشهر العلامات التي تدل على فقدان المريض القدرة على التحكم بمشاعره هي نوبات البكاء الفجائية أو الضحك -نادرًا- ويسمي الأطباء هذه الحالة بـ (التقلقل الانفعالي-emotional lability).

تغيرات في القدرات العقلية: في بعض الأحيان، المصابون بداء العصبون الحركي يواجهون صعوبات في التركيز والتخطيط واستخدام اللغة، وهو ما يعرف بـ (تغير ف الإدراك-cognitive change)، مما يتشابه مع حالات الخرف نتيجة لإصابة الفص الأمامي الصدغي، من الصعب التمييز بينها وبين عملية التقدم في السن، ولكنها في MND لا تؤثر في قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات، 15% من المرضى تظهر عليهم أعراض الخرف بالفعل.

صعوبات في التنفس: تتحكم الأعصاب و العضلات في الرئتين، فعندما تتلف تصبح عملية التنفس أقل كفاءة، وتظهر في صورة قصر في النفس عند القيام بأقل مجهود، أو عند صعود السلم، ومع تقدم المرض يصبح قصر النفس مرافقا للمريض حتى في أوقات راحته أو عند الاستلقاء، وفي بعض الأحيان يستيقظ من النوم لالتقاط أنفاسه.

المرحلة المتأخرة – the end stage

عندما يصل المرض إلى مراحِله النهائية يعاني المريض من:

  • زيادة مستوى الشلل في الجسم، مما يعني أنه سيحتاج للمساعدة للقيام بمعظم الأنشطة اليومية.
  • قصر ملحوظ في النفس.

في النهاية، الطرق العادية التي تساعد على التنفس تصبح غير كافية لتعويض ما فقد من وظيفة الرئتين، في هذه المرحلة، يدخل مرضى العصبون الحركي في غيبوبة حيث يموتون بسلام.

أعراض ثانوية – Secondary symptoms

يتطور لدى مريض العصبون الحركي أعراض ثانوية، ليست بسبب التلف الحادث للأعصاب مباشرة، وإنما نتيجة للضغوط التي يعيش فيها المريض مثل: الاكتئاب، الأرق، والقلق المستمر. يفكر الكثيرون منهم في إنهاء معاناتهم لحظة ما، ولكن هذا قد لا يحدث مع وجود دعم عائلي ومجتمعي كافٍ.[6]

علاج داء العصبون الحركي

لسوء الحظ لا يوجد عِلاج يشفي المرض تمامًا حتى الآن، وإنما يحتاج المريض إلى فريق رعاية تكاملي للعناية به كلما تقدم به المرض. هناك عقارات تجري عليها الأبحاث في الوقت الحالي.
عقار (رايلوزول-Riluzole) الحاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA)، يعمل على إبطاء تقدم المرض من شهرين إلى ثلاثة أشهر، كما أنه يحسن معدل البقاء على قيد الحياة من 58 الى 74% خلال 12 شهر لدى النوع الذي تتأثر فيه الأعصاب القحفية.[7]

علاجات مستقبلية

عدم وجود علامات حيوية مميزة للمرض (biomarkers) يعد العائق الأهم أمام تطوير العلاج المناسب، تُجرى العديد من التجارب في الوقت الراهن لتفتح أمامنا أبوابًا جديدة لعلاج المرض.

الخلايا الجذعية – Stem Cells

خلال السنوات القليلة الماضية، كان هناك الكثير من الاهتمام المنصب حول العلاجات القائمة على الخلايا الجذعية لمرض (ALS) ​​والأمراض التنكسية العصبية الأخرى.
تم تصميم الخلايا الجذعية الحالية في المقام الأول للمساعدة في حِماية الخلايا العصبية الحركية المتبقية (الحماية العصبية- neuroprotection)، حيث أنها ليست مُصممة لتحل محل الخلايا العصبية الحركية التالفة، مما يبطىء تقدُّم المرض.

العلاج الجيني – Gene therapy

يعتقد أن مرض التصلب الجانبي الضموري سببه طفرة وراثية في تعبير جين معين عن نفسه، وهذا يمكننا من استهداف الجين المتغير للعلاج.[4]

إعداد: نهى محمود
مراجعة علمية: فيروز سعيد
تدقيق لغوي: هاجر زكريا
تحرير: هاجر عبد العزيز

المصادر:

  1. Motor Neurone Disease: Symptoms, Causes & Sate of Research NeuRA Neuroscience [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://www.neura.edu.au/health/motor-neurone-disease/
  2. What Causes MND? – Motor Neurone Disease New Zealand [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://mnd.org.nz/research/what-causes-mnd/
  3. Basic facts about MND | MND Association [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://www.mndassociation.org/about-mnd/what-is-mnd/basic-facts-about-mnd
  4. Amyotrophic Lateral Sclerosis: An Update for 2018 – Mayo Clinic Proceedings [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://www.mayoclinicproceedings.org/article/S0025-6196(18)30266-0/fulltext
  5. Amyotrophic Lateral Sclerosis (ALS) – Brain & Nervous System – Sharecare [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://www.sharecare.com/health/amyotrophic-lateral-sclerosis
  6. Motor neurone disease (MND) – Illnesses & conditions | NHS inform [Internet]. [cited 2019 Jul 25]. Available from: https://www.nhsinform.scot/illnesses-and-conditions/brain-nerves-and-spinal-cord/motor-neurone-disease-mnd#symptoms-of-motor-neurone-disease
  7. G. Bensimon LL, V. Meininger the ALS/Riluzole Study Group. A Controlled Trial of Riluzole in Amyotrophic Lateral Sclerosis. Available from: https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJM199403033300901
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي