دُمِّرَت الحضارة العربية في الأندلس بسبب حركة الاسترداد المسيحية .. هل توافق على هذا الرأي ؟! «الجزء الأول»

حركة-الاسترداد

|||

     بين عامي  91-97هـ / 711- 718م استطاع المسلمون غزو معظم شبه الجزيرة الأيبيرية بعد انتصارهم على مملكة القوط في بداية تلك الفترة، وفي عام 1492م سقطت إمارة غرناطة آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة بعد تسليم المدينة إلى مَلِكيِّ الكاثوليك: إيزابيلا وفرناندو، ويعتقد الكثيرون أن حركة الاسترداد التي يُعبَّر عنها بلفظ «الريكونكويستا» كانت واحدةً من الأسباب الرئيسية لتراجع الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس وتدميرها، حيث تجسدت تلك الحركة الاستردادية في مجموعةٍ من الحملات العسكرية للمسيحيين ضد مسلمي الأندلس والعرب القاطنين فيها منذ الغزو، ويرى البعض أن هذه الحملات بدأت منذ إتمام المسلمين غزو أيبيريا عندما قام القوط المنهزمون بالفرار نحو الشمال ومحاولة مهاجمة العرب المسلمين مرةً أخرى لاستعادة حكمهم المسلوب، ولكن منطقيًا لم تبدأ حركة الاسترداد هذه إلا بعد القرن الحادي عشر الميلادي.

       تسعى هذه الدراسة إلى تفسير وتحليل المقولة القائلة بأن سقوط ودمار الحضارة العربية في الأندلس كان بسبب هذه الحركات العسكرية، ومن أجل تفسير ودراسة هذه المقولة بشكلٍ أوسع سيتم دراسة الأسباب المحتملة الأخرى التي أدَّت -بجانب حركة الاسترداد- إلى سقوط وتدمير حضارة العرب في شبه الجزيرة الأيبيرية، التي تجسدت في عدة عوامل منها العسكرية والاجتماعية والدينية والاقتصادية وأسباب أخرى.

حركة الاسترداد:

      في عام 1095 دعى البابا أوربان الثاني المسيحيين للحملة الصليبية الأولى على الأراضي المقدسة في خطابه بمدينة كليرمونت، وكانت بعدها الحملات العسكرية الصليبية أو ما عُرِفَ بـ «الحج المُسلَّح» كما سمَّاها الغرب المسيحي ضد مسلمي المشرق، في الوقت الذي سقطت فيه خلافة الأمويين في الأندلس عام 1031م عندما وصلت الخطابات الصليبية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية. في الواقع لم يكن هناك قبل القرن الـ12 الميلادي موقفٌ مباشر من قبل المسيحيين ضد مسلمي الأندلس حكام شبه الجزيرة الأيبيرية في ذلك الوقت، وكانت أي محاولة ضدهم تتلخص في بعض التحديات الاقتصادية والسياسية فقط دون تدخل العامل الديني فيها، هذا ما انعكس بعد أن أعلن البابا باسكال الثاني نيته في شن حملة صليبية ضد مسلمي الأندلس وكان يرى أن هذه الحملة أكثر أهمية من الحروب الموجهة ضد بيت المقدس وفلسطين، ولأجل ذلك قام المسيحيون بهجومهم على مدينة بربشتر في الأندلس عام 1064م على يد المسيحيين النورمان -الفرنسيين والإيطاليين في العصر الحديث- وكان ما كان من فظائع ارتكبها المسيحيون في المدينة بقتل وذبح حوالي 6000 من النساء والأطفال والبالغين باسم الحملة الصليبية، لذا يجب أن نتساءل لماذا كان هذا القتال ضد مسلمي الأندلس في تلك الفترة؟

    كانت البابوية ترغب في توحيد الكنيسة الأسبانية في تلك الفترة ضد التواجد العربي الإسلامي في الأندلس، تلك الفكرة التي كان يُشار إليها دومًا باسم القومية الدينية، ومن أجل تحقيق هذه الفكرة ضغط البابا جورج السابع على جميع الكنائس الأسبانية لتوحيد نظم الشعائر والقداس فيها.

     بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية، كان هناك فئةٌ تُعرف بالمستعربين، وهم المسيحيون الذين يستخدمون اللغة العربية بجانب لغتهم الأصلية، حيث ظهر أثناء الحكم العربي لأسبانيا الكثير من غير العرب المسلمين المتكلمين بالعربية من المسيحيين واليهود عندما كانت اللغة العربية هي لغة شؤون الدولة والدين والثقافة والتجارة في الأندلس، وكان الموريسكيون المواطنون المسلمون في أسبانيا الذين تحولوا إلى المسيحية (على الأقل في العلن) بعضهم لا يزال يمارس الشعائر الإسلامية وطقوس الإسلام في الخفاء، وبعضهم الآخر كان يعتنق المسيحية ويُظهر ذلك جيدًا. وبغض النظر عن تللك الممارسات، كان يُنظَر دومًا للموريسكيون بأنهم عنصر مشكوك في ولائه، ومشبوه في أفعاله، لاستخدامهم اللغة القشتالية وكتابتها باللغة العربية، وهكذا كانت هذه المجموعات الثلاث (المستعربون من المسيحيين واليهود وبجانبهم الموريسكيون) هم آخر حاملي لواء الحضارة العربية في الأراضي الأندلسية، التي كان معظم أهلها في تلك الفترة إما أن طُرِدوا أو ذُبِحوا في وقتٍ لاحق بسبب تطبيق فكرة توحيد العنصر الأسباني الخالص، تلك الفترة التي كانت تتبناها الملكة الأسبانية إيزابيلا ووافقها فيها الكثير من رجال الدين في أن يروا أسبانيا مُوحدة دينيًا.

                                              تسليم غرناطة

      في عام 1085م قام ألفونسو السادس بغزو مدينة طليطلة، وقام بعدها بتعيين الأساقفة في المدينة من رجال الدين المحليين ليوكل لهم مهمة القضاء على المستعربين، تلك المهمة التي نجح فيها رجال الدين وخفت أمر الاستعراب وحركته الأدبية منذ ذلك الحين، حيث كان يُنظر إليهم بأنهم يتسببون في جلب الانقسامات السياسية والدينية. وعلى كلِّ حال وبناءً على أمر البابا أوربان الثاني، قام الملك الأسباني بتعيين برنارد دي سيدريك رئيسًا لأساقفة طليطلة، وكان أوربان الثاني يكتب إليه خطاباتٍ عديدة يقدم له فيها المشورة بشأن الإصلاحات الكنسية المنوط بها أن تجعل الانتشار المسيحي الديني والفكري في الأندلس حركة أكثر انتشارًا عن حركة الاسترداد، وقد أدت هذه الإصلاحات في النهاية إلى إحداث بعض التوازن لصالح الميل المجتمعي نحو الفكر المسيحي ضد الاستعراب في القرن 11 الميلادي، ولأجل بقاء وزيادة هذا الميل الأسباني للفكر المسيحي وازى ذلك خطوة القضاء على بقايا المعالم العربية في الأندلس سواء على الجانب الديني أو الحضاري.

مستعربين طليطلة

    لم تكن هذه الخطابات الدينية التي كان يرسلها أوربان الثاني هي وحدها من خلق الميل للفكر والأدب المسيحي، بل كان للحملات الصليبية على الأراضي المقدسة دورٌ كبير في تأييد حركة الاسترداد، فعلى سبيل المثال عندما سيطر البابا كليمنت الثالث على بيت المقدس عام 1187م قام بالتوجيه لزيادة الأنشطة المسيحية في شبه الجزيرة الأيبيرية ضد المسلمين فيها من خلال رسالته إلى جونزالو بيريز رئيس أساقفة طليطلة يدعوه فيها إلى الوحدة المسيحية ضد المسلمين الأندلسيين، وقال أن هذا الكفاح المسيحي له من المكانة ما يساوي حملات المسيحيين على بيت المقدس، بل وقام البابا بجمع المساعدات الاقتصادية اللازمة لهذا التحرك المسيحي في الأندلس.

    كانت هناك أسباب أخرى اجتماعية واقتصادية ودينية وعسكرية وإدارية ساهمت في تدمير الحضارة العربية في شبه الجزيرة الأيبيرية نذكرها في الجزء الثاني من الدراسة..

يُتبع …

#الباحثون_المصريون

مصدر الدراسة الأصلي :

https://www.academia.edu/32104997/_Arab_Civilisation_on_the_Iberian_Peninsula_was_destroyed_by_Reconquista_._Do_you_agree_with_this_statement

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي