رحلة القائد بربروس ” قائد الأسطول العثماني “

46-1313886555

||||

     وُلِدَ في عام 1470 م على أرضِ جزيرة «ليسبوس» واحدٌ من أعظمِ أبطالِ الإمبراطورية العثمانية: قبطانُ البحر الأبيض المتوسط «بربروسا أو بربروس» (ذو اللحية الحمراء بالإيطالية) وقائد الأسطول العثماني. اسمه: خضر الدين، وأُطلِقَ عليه اسم خير الدين باشا ولُقِّبَ أيضًا بملك البحار.

   وُلِدَ خضر الدين لأبٍ من فرسان السباهية (مصطلحٌ يُطلق على الفرسان الذين كانت تُجنِّدهم الدولة العثمانية مقابل استفادتهم من أراضي الإقطاع التي كانت تُمنَح لهم مقابل دفع ضريبةِ الخراج لخزينةِ الدولة)، اسمه يعقوب، تزوَّج إحدى بنات جزيرة ميديلي وأنجبت له أربعة أبناء: أكبرهم إسحاق ثم عَرُّوج ثم خضر وأصغرهم إلياس. كان يعقوب يعمل بالتجارة عن طريق البحر، وورث عَرُّوج وإلياس منه ذلك، وكان عَرُّوج وخضر مولعين بركوب البحر، لكن خضر الدين اتخذ مركبًا وحده للإبحار به. كان يحكي خضر الدين عن أخيه عَرُّوج أنه رجلٌ خفيفُ المزاج ويتكلم العديد من اللغات، خاصةً اللغة الرومية، فقد كان يتحدثها بشكلٍ لا مثيل له، حتى أنَّ أعدائه كانوا يصفونه بأنه رجلٌ حلو الحديث. لم يتحدَّث خضر الدين عن حياته الشخصية والعائلية كثيرًا في مذكراته، وإنما كان يتحدث عن الأحداث والملابسات التي دفعته وأخوه عَرُّوج إلى خوض المعارك البحرية.

     كان لقب بربروسا يُطلَق على خضر الدين وأخيه عَرُّوج ولُقبِّوا بـ(الأخوَان بربروسا)، كان الأخوَان بربروسا بَحّارين مُحنَّكين في البحر الأبيض المتوسط، وكانت البداية عندما أحكمت إسبانيا قبضتها على غرناطة في 1492 م، وقضت على آخر بقايا للحكم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية. وبحلول عام 1505 م، كان الإسبان والبرتغاليون يطمحوا إلى تحقيقِ مكاسبَ إقليمية في شمال إفريقيا، وبدأوا في شنِّ الهجمات على المدن الساحلية، فبدأ عروج استخدامَ سفينته لمساعدة المسلمين المستضعفين في إسبانيا ونقلهم إلى شمال أفريقيا. ثار الأخوان بربروسا لإخوانهم المسلمين بسبب تلك الهجمات، فقاموا بقرصنة وتعطيل طرق الملاحة التابعة للإسبان والبرتغاليين في البحر المتوسط تحت قيادة الأمير كوركود (أحد أبناء السلطان با يزيد الثاني)، ثم تُوفِّيَ السلطان با يزيد الثاني عام 1512 م، وأدَّى ذلك إلى نشوبِ الخلاف بين أبنائه أحمد وسليم. اِنتصر سليم على أحمد، وبدأ بالتخلص من أتباعِ أخيه أحمد وحاشيته. لم يثق سليم أيضًا في أخيه كوركود فقام بإعدامه، وقرَّر الأخوان بربروسا بعد تلك الأحداث الذهابَ إلى شمال أفريقيا ليبتعدوا بأنفسهم عن قيادةٍ من المُحتمل أن تكون معاديةً لهم، وتحالفوا مع ممالكَ متعددة في منطقة شمال أفريقيا في صراعهم ضد إسبانيا.

     بمرور ثلاثِ سنوات، برزت مكانة الأخوين بربروسا وحازا على اهتمام المجتمعات المحلية في شمال أفريقيا كلها، حيث كانا يقوما بملاحقةِ السفن التابعة للإسبان والبرتغاليين والاستيلاء عليها. وقام جيشٌ عثماني بقيادة الأخين بمهاجمة الجزائر والظفر بها، وأصبحت تحت حكم عَرُّوج. انتهز العثمانيون هذا التعاون مع الأخوة بربروسا فرصةً لتوسيع نفوذهم في منطقة شمال أفريقيا، وعرضوا على الأخوين تمويلهم ودعمهم السياسي حيث يتيح هذا أيضًا لعَرُّوج وخير الدين تعزيز إمكانيتهم ومكاسبهم، وعرضوا عليهم أيضًا لقب حاكم الجزائر لعروج وقائد البحرية لمنطقة غرب البحر الأبيض لخير الدين. تُوفِّيَ عروج وهو يحارب في معركة مع الإسبان عام 1518 م، وفي السنة التالية استحوذ الإسبان على الجزائر، التي تغيرت قياداتها بمرور الوقت وأصبحت تعتمد على حماية الجيش العثماني، واستخدم العثمانيون الجزائر فيما بعد كقاعدةٍ عسكرية لهم في غرب البحر المتوسط.

    توطَّدَت العلاقة بين العثمانيين وبربروسا في تلك الفترة بعد وفاة السلطان سليم وتولِّي سليمان القانوني (الذي كان يُطلق عليه الأوربيون سليمان الأعظم) الحُكم. قام خير الدين بالاستيلاء على جزيرة رودوس عام 1522م، ونصَّبَه السلطان سليمان حاكمًا لبكلربكي (beylerbeti)، وفي عام 1531 م تم غزو تونس بفضل خير الدين بربروسا وقواته، فقام السلطان سليمان بإعطائه منصبَ (القبطان باشا) الأدميرال الأعظم للإمبراطورية العثمانية قائدًا للأسطول البحري العثماني.

    إن أعظم معارك بربروسا وأكثرها شهرةً هي معركة بروزة أو بريفيزا (في اليونان) وانتصاره فيها عام 1538 م ضد الأسطول المتحالف (كان يُسمّى بالعصبة المقدسة) المُكوَّن من الدولة الباباوية، ومالطا، والبرتغال، وإسبانيا، والنمسا والبندقية بقيادة أندريا دوريا، وكان السر في انتصار بربروسا في تلك المعركة هو استخدامه السفنَ التي تُبحر بالمجاديف بدلًا من السفن الشراعية، لأنها تعتمد على المجاديف لا حركة الرياح، ولأنها كانت أكثرَ خِفةً وأكثرَ قُدرةً على المناورة، وعلى الرغم من قلة عدد سفن الأسطول العثماني مقارنةً بأسطول التحالف، كانت نقطة قوة الأسطول العثماني هي سيطرة بربروسا تمامًا على جميع سفنه وقدرته على التحكم بها بعكس أسطول التحالف. استطاع بربروسا الالتفاف بسفنه حول سفن العدو، ودَكَّ سفنهم بالقذائف، بينما كانت قذائف العدو تهوي في البحر بعيدةً عن سفن بربروسا، دامت المعركة خمسَ ساعاتٍ حتى أدرك أندريا دوريا أنهم مهزومون لا محالة، حتى إذا ما أرخى الليل ستائره قام دوريا بانتهاز الفرصة وأمر سفنه بإطفاء مصابيحها للفرار تحت ظلام الليل، إلا أنَّ أسطول بربروسا كان له بالمرصاد، ودَمَّر مُعظم السفن الهاربة بقذائف مدافعه ولم ينجُ منهم إلا القليل. استطاع بربروسا هزيمة أسطول العدو بـ122 سفينة فقط مقابل 300 سفينة لأسطول التحالف، ولم تكن هناك خسارةٌ تُذكر في أسطوله.

    اِستطاع بربروسا بهذا الانتصار الظفر بطرابلس وضمَّها هي ومنطقة شرق البحر المتوسط للحكم العثماني، وفرض سيطرة الدولة العثمانية على حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي دام لأكثر من ثلاثين عامًا. خاض بربروسا بعد ذلك العديدَ من المعارك بما فيهم حملة ساعد فيها الفرنسيين ضد هابسبرغ والدفاع عن فرنسا من هجمات الإسبان في الفترة ما بين 1540 و 1544 م.

    تُوفِّيَ خير الدين بربروسا في عام 1546م وهو في الثمانين من العمر، وترك مذكراته التي كتبها بأمرٍ من السلطان سليمان القانوني في خمس مجلدات كُتبت بخط اليد، ودُفِنَ في إسطنبول بمحاذاة مضيق البوسفور ببشكتاش، في نفس المكان الذي اشتراه بنفسه وأوقفه لكي يُدفن فيه.

المصادر:

1 https://www.britannica.com/story/from-pirate-to-admiral-the-tale-of-barbarossa

2- مذكرات خير الدين بربروس ترجمة د.محمد دراج

https://www.thoughtco.com/admiral-hayreddin-barbarossa-195756

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي