“متحف الحب الحديث” رواية تبدع في سبر أغوار الألم

merlin_36029974_a4ff007e-80da-436a-aec4-f6959e5e3560-jumbo

فنانة تستكشف الألم النفسي، تلهم رواية تفعل الشيء ذاته

في مدينة سيدني بأستراليا، اتجهت هيذر روز للإقامة في فندق تشيلسي بعد رحلة طويلة من مدينة هوبارت، لتلقي بحقيبتها في الغرفة، وتهرع إلى متحف الفن الحديث. كان ذلك في ربيع عام 2010، وكانت لدى روز مهمة واحدة وهي التحديق في عيون مارينا إبراموفيتش، فنانة العروض صربية المولد، في ردهة المعرض.

فنانة تستكشف الألم النفسي، تلهم رواية تفعل الشيء ذاته
Heather Rose

وقالت روز، الروائية التي تبلغ 54 عامًا، وستُنشر روايتها الجديدة «متحف الحب الحديث» في الولايات المتحدة في 27 نوفمبر:

«ظننت أن بإمكاني الإستيقاظ لأكون الشخص التالي»

وأردفت:

«لم أرَ أبدًا أشخاصًا يركضون من أجل الفن»

وهي تتذكر الناس يتسابقون للوصول لمقاعد المقدمة في المتحف.

كانت روز واحدة من ضمن 850 ألف شخص حضروا عرض مارينا إبراموفيتش الذي استمر لمدة 75 يومًا، «الفنانة حاضرة»، حيث كان الزوار ينتظرون لساعات طويلة ليحجزوا كرسيًا في مواجهة الفنانة التي كانت تبلغ آنذاك 63 عامًا، ويشتركون في نظرة تأملية معها تستمر لـ فترة. بكى الكثير منهم أثناء لقاءاتهم الصامتة مع الفنانة.
وقالت روز:

«كان الأمر كما لو أنها رأتهم بطريقة لم يرهم بها أحدًا في العادة».

وكانت تعود كل يوم لمدة ثلاثة أسابيع لتشاهد الحشود، وترى آخرين سواها قد عادوا أيضًا.

هذه الردهة وهذا المعرض، مع مارينا إبراموفيتش الصامتة في القلب منه، هو المكان الذي تصل إليه الشخصيات الوحيدة في روايتها «متحف الحب الحديث». وتمامًا كما كان الحال مع روز، تنجذب شخصيات روايتها لسبب غير مفهوم لذلك الملجأ حيث التواصل الحميمي غير المعلن والهادئ، وسط مدينة مانهاتن.

هذه الرواية ذات الجزء الواقعي والخيالي للفن والحب والحزن والتلاقي هي رواية روز الرابعة للكبار، فقد اشتركت في تأليف سلسلة لقصص الأطفال بعنوان (Tuesday McGillicuddy) تحت اسم مستعار (أنجليكا بانكس)، وفازت بجائزة «ستيلا» الأسترالية في عام 2017.

تتحرك الشخصيات -التي تتضمن آركي ليفين، مؤلف الأفلام الذي لم يزر زوجته المريضة منذ شهور، والأرملة التي تقضي العطلة التي كانت من المفترض أن تقضيها مع زوجها، والناقدة الفنية الحزينة التي تجد العزاء في علاقة مع رجل متزوج- في مدينة نيويورك وتتوق للالتفات إليها.
في إحدى لحظات اليأس، يعتقد آركي أن زوجته تركت فرشاة أسنانها على الحوض، فيبحث عن فرشاته في كل مكان، ليدرك بعدها بأيام أن تلك الفرشاة التي رآها كانت فرشاته هو، وأنه «تعرف عليها لارتباطها بـ ليديا فحسب».

تظهر أسئلة الفقد في كل ركن من الرواية، لكن لا تشعر روز بالحاجة إلى الإجابة عليها. وقالت الأستاذة بريندا ووكر رئيسة لجنة التحكيم لجائزة «ستيلا»:

«لا تحاول الرواية أن تكون حاسمةً، بل تحاول أن تكون منفتحةً وعميقة».

فنانة تستكشف الألم النفسي، تلهم رواية تفعل الشيء ذاته
The Museum of Modern Love

يقصّ الرواية فنان مجهول، كائن روحي شبيه بالملائكة يُعنى برعاية الفنانين. وكما ذكرت روز، فقد يمر بخاطرها مصادر إلهام متعددة لكل رواية من رواياتها. ولحسن الحظ كان هذا الكائن صبورًا، لأنها استغرقت 11 عامًا لكتابة هذه الرواية. وقالت في بعض الأحيان أن هناك امرأة عجوز كانت تضربها بعصا من الخيزران على ظهرها، قائلة:

«اكتبي بجدية! اكتبي أكثر!».

كانت قد اعتادت على الكتابة رغم ضيق الوقت، إذ ترعى أسرتها، وتدير وكالة إعلانية كانت شاركت في تأسيسها عام 1999. وبفضل جوائز الكتاب المختلفة ومنحة من المجلس الأسترالي في عام 2017، فإن روز تكتب الآن بدوام كامل. وكأحد مواطني جزيرة تاسمانيا الفخورين بموطنهم، تقول روز عن المناظر الطبيعية:

«لدينا أفضل السحب في العالم».

هذه الرواية هي أولى روايتها التي تدور أحداثها خارج تسمانيا، ولكنها تلقي النظر على علاقات بعيدة الاحتمال بين مانهاتن -وهي جزيرة أخرى- وبين موطنها. وكما قالت:

«تمنحنا ثقافة الجزر إحساسًا بالهوية، وربما يجعلنا هذا أكثر قوة في إنتاجنا الإبداعي».

وهي تصف مانهاتن بالتفاحة الكبيرة، وهوبارت -عاصمة تسمانيا- بالتفاحة الصغيرة.

وجاءت شرارة الرواية قبل خمس سنوات من حضورها لعروض الفنانة مارينا إبراموفيتش. لم تكن روز قد سمعت عنها مسبقًا، حتى صادفت صورًا لأعمالها السابقة في معرض فيكتوريا الوطني في ملبورن بأستراليا، في عام 2005. شاهدت صورًا من عمل فني لها عام 1988 بعنوان «العشاق»، حيث سارت كل من إبراموفيتش وحبيبها أولاي لمسافة أكثر من ألف ميل من نهايات مختلفة من سور الصين العظيم، ليلتقوا في المنتصف وينهوا علاقتهما.
فقالت روز:

«أدركت على الفور أن هذه شخصية لرواية».

وتساءلت كيف يمكن لشخص ما أن يكون شجاعًا لهذا الحد، على الرغم من كونه ضعيفًا ورومانسيًا؟

راودتها تلك الفكرة لسنوات، ونشرت روايتها الثالثة «زوجة النهر» في تلك الأثناء. ولكنها لم تدرك حتى جلست أمام إبراموفيتش أنها لا تستطيع تجسيدها فنيًا. حيث قالت: «إنها قوية للغاية، جذابة للغاية. لا شيء يمكن أن أتخيله سيكون أكثر إثارة مما هي عليه في واقعها».

راسلت روز معرض شون كيلي، الذي يمثل إبراموفيتش، وحصلت على موافقتها. ولكن بدلًا من أن تشعر بالارتياح، شعرت بموجة جديدة من القلق. وتقول:

«لم أكن أريد أن أخذلها بأي حال من الأحوال».

لم تشعر إبراموفيتش بالاحباط بل على العكس أحبت الرواية جدًا، وكتبت لها دعاية رائعة طُبعت على ظهر الرواية.

لم تجري روز مقابلة مع إبراموفيتش من أجل الرواية، لكنها قامت ببحث دقيق عن حياتها، ويرجع الفضل في ذلك إلى المصادر التي يمكلها ديفيد والش، مالك المعرض في هوبارت. وبينما كانت منغمسة في حياة إبراموفيتش المهنية التي استمرت لأربعة عقود، فطنت روز لسببٍ آخر لانجذابها إلى المرأة التي أبدعت فنًا من رحم الألم الشديد المستمر الذي اختبرته.

لقد عانت روز من مرض وراثي بالتهاب المفاصل منذ الطفولة، مما جعلها غير قادرة على المشي لعدة أسابيع، ولكنها لم تتحدث عنه مطلقًا في العلن.
إذ قالت: «في الواقع، تعد الكتابة أمر مؤلم للغاية بالنسبة لي. لكن الألم هو أحد تلك الأشياء التي اضطررت إلى التعايش معها. فأنا أعتبره كضيف يقيم معي في المنزل لفترة طويلة من الزمن».

وهي تفكر في مقدار ما وضعته في تلك الرواية من ذاتها دون حتى أن تدرك ذلك. انتهى زواج روز قبل ستة أشهر من إطلاق الرواية في أستراليا، ومع ذلك فقد ملأت روايتها بشخصيات نسائية مرنة تسمو فوق الحزن والمعاناة والمرض المتكرر.
فتقول:

«أشعر في الماضي بأن ما كنت أكتبه كان نوعًا من النماذج لشكل الحياة الذي أتوق أن أحياه بعد الزواج، على الرغم من عدم معرفتي بفشل الزواج في ذلك الوقت».

تنطلق الرواية بحدث مهم حيث يبدأ كل شيء: في ردهة متحف الفن الحديث، مع حضور إبراموفيتش نفسها. وقالت روز:

بكل أمانة، لم أستطع أن أصدق هذا. فكل ما فكرت فيه أن لها حياتها الخاصة المزدحمة، وهذه مجرد رواية صغيرة كتبتها مواطنة من جزيرة تسمانيا. ما زلت أشعر بالتوتر حيال مقابلتها، فأنا أحد أكبر معجبيها. لكن المضحك في الأمر أنني لم أكن من معجبيها عندما بدأت الكتابة، كنت أشعر بالفضول فحسب.

المصدر

ترجمة: محمد يوسف

شارك المقال:

فريق الإعداد

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي