هل الخير هو الأصل في الطّبيعة الإنسانيّة أم الشّر؟
يرى الفيلسوف (جان جاك روسو) أنّ الإنسان يولد وفطرته الخير، ولكن يلوّث المجتمع الّذي ينشأ فيه تلك الفطرة. أما (ويليام جولدينج) كاتب رواية «ملك الذباب» والحائز على جائزة نوبل فله رأيٌ آخر.[1]
حاول ويليام في روايته إثبات فلسفته الّتي ترى أنّ الأصل في الإنسان هو الشّر والوحشيّة. تبدأ الرواية بمجموعة من الأطفال يتمّ إجلاؤهم في طائرة من بريطانيا بسبب الحرب، ولكن يتمّ تحطيم الطّائرة وإسقاطها في جزيرة غير مأهولة ليجد الأطفال أنفسهم وحدهم دون أيّ بالغين. يقوم (رالف) و(بيجي) بتجميع الأطفال، ويقرّروا إجراء انتخابات لتعيين قائدٍ لهم ووضع خطّة ليتمكّنوا من النجاة. تمّ اختيار رالف كقائد للأطفال والّذي بدوره اختار (جاك) قائدًا للمجموعة المسؤولة عن صيد الطّعام. أخبر رالف المجموعة أنّ عليهم إشعال النّار لتكون إشارةً لجذب انتباه السّفن المارّة بالقرب من الجزيرة. بالفعل تمكّن الأطفال من ذلك باستخدام بعض الأخشاب وتسليط ضوء الشّمس على عدسة النّظارة الخاصّة ببيجي. ولكن سرعان ما انشغل الأطفال باللّعب ونسوا متابعة النّار لتخرج عن السّيطرة وتلتهم الغابة، وفي خلال ذلك فقدوا أحد أصغر أطفال المجموعة فظنّوا أنّه قد احترق.[1]،[2]
كيف تحوّل الأطفال من البراءة إلى الوحشيّة؟
تدور أحداث الرواية ونلاحظ خلالها تطوّر شخصيّات الأطفال من البراءة نحو الوحشيّة. في أوّل الأمر استمتع الأطفال بالحياة دون وصاية وتوجيه البالغين وأخذوا يلعبون على الشّاطئ إلى أن تحوّلوا إلى قتلة. فعلى سبيل المثال، في المرّة الأولى الّتي حاول فيها جاك صيد خنزير بريّ لم يستطع وتردّد حتّى هرب منه، ولكن بعد ذلك أصبح مهووسًا بالصّيد في حد ذاته، وليس من أجل الطعام فقط. وقد لوحظ ذلك التّغيير من المرّة الأولى التي نجح فيها الأطفال في اصطياد فريسة حيثُ تملّكتهم حالة هياج غريبة وأخذوا يعيدوا تمثيل المطاردة الّتي أجروها في شكل رقصة بريّة.
بدا جليًّا الخوف الّذي سيطر على صغار الأطفال من وجود وحش على الجزيرة، حاول كبار الأطفال تهدئتهم ولكن دون جدوى. وفي وقت ليس ببعيد حدثت معركة عسكريّة لطائرات فوق الجزيرة أدّت إلى سقوط أحد الجنود مُتوَفيًا في مظلّة، وحين استقيظ التّوأم المسؤول عن مراقبة النّار (سام وإيريك) ورأيا ظلال جثّة الجنديّ بمظلّته معلّقة على شجرة فظنّا أنّه الوحش فهرولا مرعوبَيْن ليُخبرا المجموعة أنّ الوحش قد هاجمهما ممّا زاد من الرّعب في قلوب الأطفال.
اختلف رالف وجاك ورفض الأطفال انتخاب جاك للمرّة الثّانية فغضب وانفصل عن المجموعة وتبعه لاحقًا العديد من الأطفال الّذين فضّلوا طريقته الوحشيّة الهمجيّة عن طريقة رالف المتحضّرة. قتل جاك ومجموعتُه خنزيرة وقاموا بقطع رأسها بصورة وحشيّة وتعليقها على عصا لتقديمها كقربان للوحش.
حينما كان (سيمون) يتجوّل في الغابة خُيِّلَ إليه أنّ تلك الرّأس المغطاة بالذّباب تتحدّث إليه بصوت ظنّ أنّه لشيء يُدعى «ملك الذّباب»، ومن هنا أتت تسمية الرّواية، ليخبرَه بأنّه لن يتسطيع الهروب منه لأنّه يكمن بداخه وبداخل الجميع. وعندما رأى جثّة جنديّ المظلّة عن قرب فهم حقيقة عدم وجود وحش على الجزيرة فأسرع إلى المجموعة ليخبرَهم بذلك. في تلك الأثناء كانت المجموعة بأسرها بما فيهم رالف وبيجي اللّذان كانا قد انضمّا إلى جاك ومجموعته يحتفلون بشكل فوضويّ، وعندما رأوا ظهر لهم ظلّ سيمون يخرج من الأدغال انقضّوا عليه وقتلوه بأيديهم وأسنانهم.
صباح اليوم التّالي بينما كان رالف وبيجي يتناقشان حول ما قد تمّ، هجم عليهما صائدوا جاك وسرقوا نظّارة بيجي. ذهبت مجموعة رالف لتتحدّث مع جاك حول ما صدر من مجموعته فما كان منه إلّا أن أَمَرَ مجموعته بالشّجار معهم، فقام أحد الأولاد بإلقاء صخرة على بيجي وقتله وبالكاد تمكّن رالف من الهرب.
ما الحال الّذي كان عليه الأطفال بعد تلك التّجربة؟
انتهت الرّواية بوصول سفينة لاحظت النّار ونزل أحد ضُبّاط البحريّة البريطانيّة للجزيرة فكان رالف أوّل من رآه. لاحظ الضّابط النار الّتي أشعلها أطفال مجموعة جاك في الأدغال ليجبروا رالف على الخروج من مخبأه. وعندما وصل باقي أطفال المجموعة اندهش الضّابط من مشهدهم، فقد بدا عليهم الوحشيّة والتّعطش للدّماء. طلب الضّابط من رالف تفسيرًا لذلك المشهد. حين تذكّر رالف ما حدث على الجزيرة أخذ يبكي وكذلك باقي الأطفال.[2]
فقدان البراءة الّذي كان يبكيه رالف في نهاية الرّواية لم يكن ذلك التّحوّل إلى فسوق المراهقة أو إلى الفساد، ولكن هو إدراك الظّلام والشّر الموجود في قلب كلّ إنسان والّذي كان ملازمًا للأطفال خلال تواجدهم في الجزيرة، والّذي لم يكن يدركه قبل ذلك. كان رالف يعتقد أنّ الأصل في طبيعة الإنسان هو الخير ولكنه في النّهاية اكتشف حقيقة أنّ الشّر موجود داخل كلّ إنسان حتى بداخله هو نفسه، وهو ما حاول ويهليام جولدينج إثباته في تلك الرّواية.[3]