«روميو وجولييت: الحُبُّ بين المأساةِ والسُخرية»

34919480_1801083456673992_7538942930594037760_n

|||

     هذه القصّة لعاشقين تعيسي الحظ، هي واحدة من المسلسلاتِ الدراميّة لـ (Willian Shakespeare – ويليام شكسبير)(شكسبير) مُتعاطف مع (روميو) و(جولييت)، ويعزو مأساتهم إلى مصيرهم، بدلًا من عيب في شخصيّاتهم، يرفعهم إلى مرتفعاتٍ قريبة من الكمال، بالإضافة إلى المخاطرة بخلق الشفقة والتعاطف مع الأبطال بدلًا من المأساة الحيادية..
إنهم مخلصون، طيبون، شُجعان، فاضلون، وغارقون في الحب، ومآسيهم أكبر بسبب براءتهم. يُمثل العداء بين عائلاتِ العشّاقِ المصيرَ الذي لا يستطيع (روميو) و(جولييت) أن يتغلبا عليه، تمتثل العاطفة الشابّة والبسيطة التي تُميّز المسرحية في الأفكار الرئيسيّة للنص الشعري للمسرحية، فهي واحدة من أكثر المسرحيات شعبية في كل العصور.(3)

الأحداث:-

    تقع أحداث قصّة (روميو وجولييت) في مدينة (فيرونا) الإيطاليّة، حيثُ تكون العداوة القديمة بين عائلتيّ (مونتيجيو) و(كابوليت) توشك أن تتجدد، ويحذّر الأمير (إسكالوس) -والذي يكون أمير (فيرونا) وحاكمها- الطرفين من عواقب الإخلال بسلام المدينة، والتي قد تصل عقوبتهم إلى الموت، في هذا الوقت يكون (روميو) واقعًا في حُبَّ (روزالين)-محبوبته السابقة-، ويحاول صديقه أن يخفف عنه، فيذهب (روميو) وصديقه هذا إلى حفلة مُقامة من قِبَل عائلة (كابوليت) مرتدّين أقنعة كي لا يُعرفا، ولكن (تيبالت) -قريب جولييت- يعرف بوجود (روميو) ويهمّ بقتاله، إلّا أن السيّد (كابوليت) -كبير عائلة (كابوليت)- يمنعه من ذلك، فيرجع (روميو) بعد طرده من الحفل ليلتقي بـ(جولييت)، ويقعان في غرام بعضهما من النظرة الأولى، فيتبادلان الوعد بأن يُحبّا بعضهما للأبد، ثم يخبر (روميو) الراهب (لورانس) بما جرى، فيوافق الراهب أن يزوّجهما.

     يقوم (بنفوليو) -صديق (روميو)- بإخبار (مركيشيو) -قريب الأمير وصديق (روميو)- أن (تيبالت) قريب (جولييت) يريد منازلة (روميو) الذي سيأتي إليهما فيما بعد، ويُخبر المُمرضة بخطّة زواجِهما، ثم تقوم هي بإخبار (جولييت) التي تُسرع إلى الراهب ليقوم بتزويج (روميو) و(جولييت)، ويعود (روميو) رافضًا طلب (تيبالت) للمنازلة، ولكن صديقه (مركيشيو) ينازل (تيبالت) بدلًا من (روميو)، فيقتله (تيبالت)، ويرجع (روميو) ليأخذ بثأر صديقه فيقتل (تيبالت) ثم يهرب، ويخبر (بينفوليو) أمير (فيرونا) بما حدث، فيقرر الأمير نفي (روميو) من (فيرونا)، وتخبر المُمرضة (جولييت) عن نفي (روميو)، وتعطيهما وعدًا بأن ترتّب لهما لقاءً قريب، ويخبر الراهب (روميو) أن الأمير أمر بنفيه، وينصحه أن يزور (جولييت) للمرّة الأخيرة قبل سفره، ثم الخروج من (فيرونا) إلى (مانتوا).

    يُخبر (كابوليت) الشابّ (باريس) بموافقة زواجه من (جولييت)، واتفقا على أن يتم عُرسهما خلال ثلاثة أيام، وتسمع (جولييت) الخبر بعد أن كانت لتوّها قد ودّعت (روميو) سريعًا، فترفض (جولييت) الزواج من (باريس) رفضًا قاطعًا، وتصرّ على رفضها رغم موجة الغضب التي كانت تعتري والدها، وذهبت إلى (لورانس) الراهب تطلب منه المساعدة، لتجد (باريس) عنده ليجهّز أمر زواجه من (جولييت)، وبعد رحيل (باريس) يبدأ الراهب في إعداد خطّة لمساعدة (روميو) و(جولييت)، تتلخّص في إعطائها مشروبًا يجعلها تبدو وكأنّها ميّتة؛ لتتجنّب الزوّاج من (باريس)، ويقوم هو بإرسال رسولًا إلى (روميو) ليخبره بالخطّة التي تنتهي بهروب (روميو) و(جولييت) إلى (مانتوا)، والعيش هناك بعيدًا عن نزاع العائلتين.

    تخبر (جولييت) والدها أنها تقبل الزواج من (باريس) فورًا -تنفيذًا للخطّة-، فيقوم والدها بتقديم موعد الزواج إلى اليوم التالي طبقًا لموافقة (جولييت)، وحينها تشرب (جولييت) السائل الذي أعطاها إيّاه الراهب، ويظنّ الجميع أنها قد ماتت، ثم أعلنوا الحداد، ونقلوا جسدها لتحضيره للدفن، وأسرع (بالثازارا) الخادم ليخبر (روميو) أن (جولييت) قد ماتت، ولم يكن (روميو) يعلم بالخطّة بعد، فأقسم أن يلقى جسده ميتًا إلى جانبها في نفس الليلة، وأحضر سُمًّا قويًّا ليتناوله.في هذه الأثناء يخبر الرسول (جون) -الذي أرسله (لورانس) لإخبار (روميو) بالخطّة- الراهب (لورانس) أنّه لم يستطع إيصال رسالته إلى (روميو)، فيدرك الراهب (لورانس) الخطر، ويذهب لإخبار (جولييت) سريعًا بما حدث، يذهب (باريس) إلى ضريح (جولييت) ليودّعها ويرثي جثتها المُستلقية، فيجد (روميو) هناك، فيواجهه ويتعاركان، ويقتل (روميو) (باريس)، ثم يشرب السمّ ليقع صريعًا بين أحضان (جولييت).

    بعدها تستفيق (جولييت) من غيبوبتها بعد إنتهاء مفعول السائل، فتجد (روميو) ميتًا إلى جوارها، فتبدأ بالصُراخ من هول الفاجعة، ثم يصل الراهب ويطلب منها المغادرة فورًا، فترفض أن تغادر، وتنزع خنجر (روميو) وتقوم بغرسه في قلبِها، وبعدها يصل مأمور الشرطة، ويروي الراهب (لورانس) له الحكاية، وينتهي الأمر باتّفاق عائلتيّ (كابوليت) و(مونتيجيو) على أن ينتهي الصراع، وإعلان سلام دائم بينهما، بعد أن مات العاشقين. (1)
المشهد الأخير

(William Shakespeare- ويليام شكبير) صاحب ملحمة «روميو وجولييت»:

    يُعدّ (ويليام شكسبير) رائد الأدب الإنجليزي المسرحي، ومن أعظم الكتّاب الإنجليز، إن لم يكن الأعظم على الإطلاق، فلم يغِب أثر كتاباته عن الأعمال الأدبيّة التي ألّفها الكتّاب الإنجليز منذ بداية الأدب وحتى الآن، وقد أبدع (شكسبير) أعماله الأدبيّة في فترة زمنيّة تُعد مرحلة انتقاليّة مرّ بها الأدب الإنجليزيّ، نتاج ابتداعه الكلمات والأوصاف، وتلاعبه بالبُنى: لغويًّا وقواعدًا، مما لعب دورًا محوريًّا في تطوّر اللغة الإنجليزيّة من بعده. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ أعمال (شكسبير) لم تُلقِ الظل على الأدباء في (إنجلترا) فقط، بل ظهر أثرها في الكثير من عمالقة الأدب الغربيّ، أمثال: «بادريج فولكنر»، و«تشارلز ديكنز»، و«جون كيتس»، و«وفولتير»، و«يوهان جوته»، وغيرهم. (3)

     وقد طبعت المدرسة الكلاسيكيّة  طابعها على أعمال (ويليام شيكسبير)، وبالأخصّ الطابع التراجيدي (المأساويّ) الذي كان حجر الزاوية في كتاباته، وتُعدّ مسرحيّة (روميو وجولييت) خير مثال على تلك التراجيديا التي تميّزت بها نصوص (ويليام شكسبير). نجح (شكسبير) في جعل البنية الموضوعية متوازية بشكل وثيق مع الشكل الدرامي للمسرحية. تتمحور الفكرة الرئيسية للمسرحية حول الصراع بين العائلتين، وتم اشتقاق جميع الصراعات الأخرى في المسرحية من هذا الصراع المحوري وهكذا، تماثلت الرومانسية ضد الانتقام، والحب في مقابل الكراهية، الشمس ضد الليل، والجنس مع الحرب، والشباب في مقابل الهَرَم، والدموع في مواجهة الغضب، جاعلًا الفتنة بين عائلة (جولييت) و(روميو) هي التي أودت بـ حب (روميو) إلى الموت. إذا كان (شكسبير) يبدو في بعض الأحيان وكأنه ينسى موضوع العائلة في افتتانه الغنائيّ بالعشاق، فإن هذه الحقيقة تنطلق فقط من معاناتهم بشكل أكثر حدة ضد خلفية الصراع غير المنطقي والتعسفي بين العائلتين، وبعد كل شيء، القصة لها نهاية كلاسيكية ساخرة، فقد تم دفن عداءهم مع العشّاق، والذي يتمثل في اصرار القدر لـ فرض نفسه على الواقع. (4)

    لا ينسى العشاق عائلاتهم، يؤدي وعيهم للصراع إلى موضوع مركزيّ آخر في المسرحية، وهو الهويّة، يتساءل (روميو) عن هويته في وقت مبكر من المسرحية، وتسأله (جولييت): “لماذا أنت (روميو)؟” بناء على طلبها، يعرض عليها أن يغير اسمه ويُعرّف فقط على إنه عاشق تعيس الحظ. (2)

    إن عدم ملائمة نفس النظام التعسُّفي الزائف لمراعاة قوة الحُبِّ بينهما، تدفع إلى الانغماس في الرؤى الغامضة لأفلاطونيّة الحُبِّ. لقد وصف شكسبير بشكل مُثير للإعجاب لحظات انطباعاتنا الأولى في الشباب والطفولة، وكيف تتلاشى بالتدريج في ضوء الحياة. إن الانطباعات الأولى للأشياء تستمد لمعانها وروعتها من جهلنا بالمستقبل، ذلك الجهل الذي يملأ الفراغ ليأتي مع دفء رغباتنا، وبريق الأحاسيس، مع الأمل.. إنه من الغموض الذي ساد قبل أن تلون آفاق الحياة مع الأمل، كما هي السحابة التي تعكس قوس قزح. (5)

    فـ مع روميو وجولييت لا يوجد اي فرصة للتشبُّث بالأمل الفطري المندفع في مواجهة واقع الحياة الأكثر نضجًا وتعقيدًا؛ فلا مجال لـ زرع جذور الأمل في القبر، أو اشتقاقه من السماء، فـ إنه من الشاق الاستحواذ على مقاليد الأمل كلها وإحالتها إلى واقعًا يُعاش.. تمامًا كالحب في قلب الإنسان، فهو يرفع رأسه فوق النجوم محلقًا بين غيوم الرغبة والخيال.

    إن الجنّة التي تكمُن فينا وفي أرواحنا، ليست سوى عالم جديد، لا نعرف عنه سوى ما نتمناه، ولأننا نؤمن بكل ما نتمناه في الطفولةِ والشباب؛ فإن العالم الذي نعيش فيه هو عالم الرغبة والخيال، إنها التجربة التي تقودنا إلى عالم الواقع.
ماذا يكمُن في الشباب يلقي الضوء النديّ حول نجم المساء؟ ماذا يجعل النظرة تبدو زاهية جدًا؟ أهو ذلك العطر؟
أهي نشوة أول قبلة الحب؟ إنها فرحة الحداثة ربما! ألا نرى نهاية للمتعة التي نؤمن بها باعتزاز بالنسبة لنا؟
من الغريب أن القلب ينسج من أحلامه خيالًا يتوق لمعايشته إلا أنه لا يقوى على تحمل ما تلقي  الحياة به على عاتقه
حتى يحيل أحلامه واقعًا؛ فلا يقوى على تحمُّل ثقل الأملِ والحُبِّ.

    إن قوة شغف الحُبِّ وحده قد تبدد أصفاد نبذ العائلتين لحُبِّ البطلين، إذا كان ذلك الحُبُّ يحوي بداخله ما يدعمه ويشد وثاقه أكثر من مجرد مجازيّة بارعة وشاعريّة، وفي هذه الحالة حتى الموت لا يقوى على الامتثال كنهاية الحكاية، ولا يمكن أن يخذل أحد أطرافها. قد لا نفهم كُنه الحُبِّ حتى عند بلوغنا منتصف رحلتنا الحياتيّة، لكن قد يُشرِق ساطعًا ولو بعد حين..
في هذا الصدد، تأتي الرُوح إلى العالم في عُريٍّ تام، مُنتظرة مع الحُبِّ نُضج دماء الشباب، ولأن الإحساس بالأمان يسبق حُبَّ المتعة دائمًا؛ ولكن مع الشعور بالأمان، بمُجرد الشعور به، يمكن حينها أن ينفرد المُحِب بمُتعٍ لا نهائية.. ولأن الحُبَّ ناضجٌ بمجرَّد اكتماله؛ لذا يذبُل ويموت في أقربِ وقتٍ مُمكن.

إعداد: هبة خميس.

مُراجعة: آلاء مرزوق.

المصادر:

[1]: Criticism of William Shakespeare’s Romeo and Juliet Essay | Bartleby [Internet]. [cited 2018 Apr 20]. Available from:

https://bit.ly/2qRUaVV

[2]: Snyder S. Romeo and Juliet: Comedy into Tragedy. Essays in Criticism [Internet]. 1970 Oct 1 [cited 2018 Apr 20];XX(4):391–402. Available from:

https://bit.ly/2HgpdAF

[3]: Mysticism: Part One: The Mystic Fact: VI. Mysticism and Symbolism [Internet]. [cited 2018 May 2]. Available from:

https://bit.ly/2rffq7f

[4]: Romeo and Juliet Critical Evaluation – Essay – eNotes.com [Internet]. [cited 2018 Jun 2]. Available from:

https://bit.ly/2JpFKXe

[5]: Romeo and Juliet Character Analysis at Absolute Shakespeare [Internet]. [cited 2018 May 2]. Available from:

https://bit.ly/2wcbQ3g

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي