عادةً ما ترى هؤلاء المشاة يجيئون ويذهبون من حولك مرتدين هذا النوع من سماعات الرأس أو الأذن، أو يعبرون الطريق وقد ألصقوا وجوههم بهواتفهم النقالة غير عابئين بما حولهم.

لا يخلو سلوك الكتابة على الهاتف أثناء السير -والذي يطلق عليه بالإنجليزية لفظ (twalking) اختصارًا لعبارة (Texting while walking)- من أخطار قد تهدّد حياة المشاة، فعادةً ما يعجز مستخدمو سماعات الرأس أثناء السير عن سماع الإشارات الصوتيّة، وآلات تنبيه السيّارات، والصرخات، وأصوات السيارات المقتربة التي تنذر بضررٍ موشك على الحدوث. ونتيجة لهذا السلوك فقد تزايد عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن الانشغال باستعمال الهواتف والأجهزة المحمولة أثناء السير في الولايات المتّحدة إلى ثلاثة أضعاف خلال السبعة أعوام الأخيرة، وبلغت حالات الوفاة الناجمة عن حوادث السير من المشاة في العام الماضي أعلى معدّل لها بالولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ عام 1990.

وفي سبيل مواجهة تلك المخاوف المتزايدة بشأن السلامة العامة، يقوم الباحثون بمعهد علوم البيانات في ولاية كولومبيا بتصميم نظام سمّاعات ذكيّة يمكنها تحذير المشاة من أيّ أخطار وشيكة. تحتوي سمّاعات الرأس على ميكروفونات مصغّرة ومعالجات إشارات ذكيّة يمكنها اكتشاف أصوات المركبات المقتربة، وفي حالة ظهور خطر على مسافة قريبة، يرسل النظام تنبيهًا صوتيًّا إلى سمّاعات رأس المشاة.
يعمل فريق البحث على تطوير نماذج أوّليّة واختبارها في الشوارع القريبة من كولومبيا، وبمجرّد الانتهاء من تطويرها، يمكن للنظام الذكيّ القابل للارتداء أن يساعد في تقليل معدّل الوفيات والإصابات من المشاة نتيجة حوادث السير.

يقول (فريد جيانج) أحد أعضاء معهد علوم البيانات، والأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكهربائيّة بجامعة كولومبيا الهندسيّة:

«إنّنا نستكشف أفقًا جديدًا في تطوير تقنية غير مكلّفة، بالإضافة إلى كونها منخفضة الطاقة لخلق آليّة تنبيهٍ صوتيٍّ للمشاة».

وقد حصل مشروع السمّاعات الذكيّة على منحة ماليّة قدّرت بحواليّ 1.2 مليون دولار أمريكيّ من المؤسّسة الوطنيّة للعلوم في عام 2017، وقد نشر الفريق منذ ذلك الحين اثنتين من الأوراق البحثيّة التي تمّت مناقشتها خلال مؤتمرات علميّة، بالإضافة إلى ورقة بحثيّة نُشرت في النسخة الإلكترونيّة من مجلّة المعهد الأمريكيّ لمهندسي الكهرباء والإلكترونيّات (IEEE Internet of Things Journal)، كما نالوا أيضًا العديد من الجوائز بما في ذلك جائزة أفضل عرض تجريبيّ من مؤتمر رابطة مصنّعي الآلات الحاسوبيّة (ACM)، وجائزة أفضل عرض تقديميّ من مؤتمر المعهد الأمريكيّ لمهندسي الكهرباء والإلكترونيّات (IEEE).
يضمّ الفريق البحثيّ كلًّا من (بيتر كينجيت) رئيس قسم الهندسة الكهربائيّة بجامعة كولومبيا والمنتمي لفرع معهد علوم البيانات، و(شهريار نيرجون) أستاذ علوم الحاسوب بجامعة (نورث كارولينا) في (تشابل هيل)، و(جوشوا نيو) أستاذ علم النفس من كلّيّة برنارد، بالإضافة إلى طلّاب الدراسات العليا من كلّ من جامعة كولومبيا، وجامعة كاليفورنيا الذين يعملون أيضًا ضمن المشروع.

يعدّ البحث في مجال سمّاعات الرأس الذكيّة والعمل على تطويرها أمرًا معقّدًا؛ حيث ينطوي على تضمين عدّة ميكروفونات مصغّرة في سمّاعات الرأس، بالإضافة إلى تطوير خطّ أنابيب بيانات منخفض الطاقة لمعالجة جميع الأصوات القريبة من المشاة، ويجب أيضًا استخراج الإشارات الصحيحة التي تشير إلى خطر وشيك.
سيحتوي خطّ الأنابيب على دائرة متكاملة منخفضة الطاقة بحسب الطلب تستخرج السمات وثيقة الصلة من الأصوات في حال استخدام بطارية تحتوي على القليل من الطاقة.

كما يستخدم الباحثون أيضًا أكثر التقنيات تقدّمًا في علوم البيانات من أجل تصميم نظم سمّاعات الرأس الذكيّة. سوف يقوم نموذج التعلّم الآليّ الموجود على الهاتف الذكيّ للمستخدم بالتقاط وتصنيف المئات من الإشارات الصوتيّة من شوارع المدينة ومن المركبات المارّة بالمحيط القريب، وسوف ينذر المستخدم في حال وجود أيّ خطرٍ بالقرب منه. سوف تصمّم تلك الآليّة بحيث يتمكّن الأشخاص من التعرّف على التنبيهات والاستجابة لها بشكل سريع.

يختبر الفريق الآن تصميمه في المختبر، كما يختبرونه في شوارع نيويورك، وهي المدينة التي تشتهر بالصخب وبكونها حافلة بالمثيرات الصوتيّة.

يقول (نيو) أستاذ علم النفس بكلّيّة بارنارد إنّه سيجري تجاربًا إدراكيّة وسلوكيّة مع الناس لمعرفة كيف يمكن تزويد أولئك المشاة الذين يسيرون في المدن مرتدين سمّاعات الرأس بمثل هذه التنبيهات بشكل فعّال.

وقال (جيانج) أنّ هدفه هو تطوير نموذج أوليّ لنظام السمّاعات الذكيّة في جامعة كولومبيا، ثمّ نقل هذه التكنولوجيا إلى شركة تجاريّة.

ويضيف:

«نأمل أن يتمّ التسويق لهذه التقنية ذات مرّة، بحيث يتمّ إنتاجها على نطاق واسع بطريقة تساعد المدن على تقليل وفيات حوادث الطرق من المشاة».