قد تدور في بالك أحيانًا بعض التساؤلات عن ماهية شمسنا: ممَ تكونت وكيف تضيء لنا السماء، وقد يبدو إليك أنها ألمع ما في السماء بلا منازع وكيف لا وهي ما يضيء لنا العالم كل يوم! ولكن تظل الحقيقة دائمًا هي ما لا يخطر لنا على بال. تعال معي في هذه الرحلة الكونية كي نعرف إجابة بعض الأسئلة مثل «ما هو ألمع ما في الكون؟»
عندما يُسأل شخص ما عن ما هو ألمع ما في الكون بالتأكيد سيكون أول ما يخطر له على بال هي النجوم، فكيف لا وهي عبارة عن مفاعلات نووية ضخمة؟ ولنأخذ مثالًا شمسنا العزيزة ومصدر طاقتنا. هي نجمُ متوسط الحجم، تنتظره نهاية درامية من التهام كواكبه وانفجارات، ولمعانه لا يرقى بأي حال من الأحوال لأن يكون ألمع ما في الكون، فبغض النظر عن أنّ الشمس قد تبدو إليك شديدة اللمعان إلى حد افقاد البصر، لكنّ ذلك فقط لشدة قربك منها ولكن إذا كنت بعيدًا فما كانت لتظهر إلا كنقطة مثل نقاطِ باهتة عديدة في سماء ليلنا. إنّ إجابة سؤالنا اليوم ستكون في آخر الأماكن التي يمكن أن تتوقعها.
هل تخيلت يومًا مِن أن يكون أحد ألمع الأشياء في كوننا هذا ثقبًا أسودًا؟! نعم هو كذلك. (الكوازر) لنكون أكثر تحديدًا، ولكن ما هو الكوازر؟ الكوازرات هي عبارة عن ثقوب سوداء ضخمة محاطة بببقايا نجوم التهمتها أو التهمت جزءًا منها، وتدور بقايا النجوم من غازات وخلافه في مدارات حول الثقب الأسود متأثرةً بجاذبيته الشديدة ولذلك تكون سرعة دوارنها شديدة جدًا وهذا يزيد من درجة حراراتها وبالتالي يزيد من لمعانها، ويكون في مركز الكوازرات عادةً ثقب أسود هائل الحجم. وهنا نرى فيديو توضيحي لشكل الكوازر
وتبث الكوازرات موجات راديو قوية وتمت تسميتها حين اكتشفاها ب«Quasi-Stellar Radio Sources» أي مصادر راديو شبه نجمية. وتم اختصارها فيما بعد إلى «Quasars» تُعدّ الكوازرات من عائلة الأجسام المجرية ذات الأنوية النشطة « Active Galactic Nuclei» وجميع من في هذه العائلة يعتبر أجسامًا تطلق طاقات رهيبة في الكون، مثل النجوم النيوترونية والسوبرنوفا.
فلنتحدث قليلًا عن السوبرنوفا والتي هي المنافس الأشد للكوازر على لقب ألمع ما في السماء، ولكن كي نتحدث عن السوبرنوفا علينا أن نتحدث عن حياة النجوم. تبدأ حياة النجم من غيمة من الغازات المجرية شديدة البرودة والتي تبدأ بالانهيارعلى نفسها بسبب الجاذبية المتولدة بسبب تجمعات الغازات في مركز معين، وعند الانهيار تبدأ النواة شديدة الحرارة بالتكوّن ويولد النجم تدريجيًا.
نجم كشمسنا العزيزة قد يحتاج حتى 50 مليون عام حتى ينضج من بداية انهيار الغازات حتى اكتمال البلوغ، وما يزال أمام شمسنا حوالي 5 مليارات من الأعوام في حالة النضوج هذه طبقًا لرسم هيرتزبرنج وراسل البياني الذي يستخدمه علماء الفلك في تحديد أنواع النجوم وخصائصها.
بعد أن ناقشنا ولادة النجم ونضوجه- كما هي الحياة- يجب أن نتكلم الآن عن مماته. كلما كان حجم النجم أكبر كلما أصبحت حياته أقصر، وبالرغم من ذلك فإن معظم النجوم- ما عدا الضخم منها- يظل حيًا لمليارات السنين بسهولة، ولكن كيف يموت؟
يبدأ النجم بصهر الهيدروجين داخله إلى هيليوم ومع الوقت إلى كربون ثم نيون ثم اكسيجين، بل إن بعض النجوم تكمل المسير إلى السيليكون وحتى الحديد! وتعتمد النجوم على الطاقة كي توازن الضغط الرهيب من الكتلة الموجودة على سطح النجم حتى لا ينهار النجم على نفسه. عندما يتوقف النجم عن التفاعلات النووية ويصبح بلا هيدروجين في نواته يصبح ضعيفًا وبلا طاقة كي يدعم نفسه ويحمي نفسه من الانهيار، وبالتالي تبدأ النواة بالانهيارعلى نفسها وتنكمش وتزداد حرارتها ولكن مازال هنالك بعض الهيدروجين على السطح! يبدأ الهيدروجين بالتفاعل مرة أخرى دافعًا السطح لأعلى دون قوة جاذبية من النواة التي أصبحت ضعيفةَ الجاذبية وغير قادرة على احتواء التفاعلات، ويتحول النجم إلى نجم أحمر ضخم وغاضب. وهذا هو المصير الذي ينتظر شمسنا الحبيبة، سوف تزأر وتثور وتخرج عن السيطرة مدمرة كواكب مثل عطارد الذي سيقع في طريقها الغضِب.
سوف تتحول الشمس إلى قزم أبيض بعد أن تفقد سطحها بالكامل ويصبح سُديم كوكبي وتصبح لا تملك إلا النواة والقليل من الكتلة، ومن الغريب في الأقزام البيضاء هو أنها تمتلك كتلة نجوم صغيرة ولكنها تكون بحجم الأرض تقريبًا، وتتكون بحد أقصي 1.4 أضعاف كتلة الشمس.
ولكن لمَ توقفت الأقزام البيضاء عند هذا الحد ولم تنهر على نفسها مرة أخرى؟ ما الذي حافظ على تماسكها؟ هنا تأتي ميكانيكا الكم للإنقاذ حيث تتجلى معادلات ضغط الإنحلال «Degeneracy pressure» ومبدأ استبعاد باولي «Pauli’s exclusion principle» وثابت بلانك وأخيرًا وليس آخرًا مبدأ عدم التأكد لهايزنبرج. حيث يتم حساب الضغط المتكون من اصطدام الإلكترونات من النواة بالسطح مما يعادل الضغط من كتلة السطح متأثرةً بالجاذبية، نعم كما قرأت، يتم حساب الضغط المتكون من اصطدام الإلكترونات بالسطح! العلم ياسادة لا يعرف المستحيل ولا يقبل بكلمة لا اعرف كإجابة علمية، ولكنه يقبل بالسعي وراء المعرفة حتى التأكد.
نكمل من هنا رحلتنا مع النجوم وموتها حيث أنّ النجوم التي يتخطى حجمها 8 أضعاف شمسنا سوف تشهد ألعابًا ناريًة من نوع كارثي: حيث أنها تنفجر في مشهد يجمع بين التدمير المطلق والجمال في آنٍ واحد. إنها السوبرنوفا في أجمل طياتها
وقد تتكون السوبرنوفا من الأقزام البيضاء أيضًا إذا كانت كتلتها أكبر من 1.44 كتلة شمسية، ويرجع هذا الحد- سواء كان 8 أضعاف أو 1.44 ضعف بالنسبة للأقزام البيضاء- إلى عبقرية شاب هندي في العشرين من عمره على متن باخرة من بلده إلى العلم، إلى انجلترا وبالتحديد إلى جامعة كيمبريدج كي يكمل دراسته الجامعية في قسم الفيزياء بها. هذا الشاب هو «سابوراهمانيان شاندراسخار» أحد عباقرة الفيزياء، وقد أكمل دراسته عن ما يحدث للنجوم حينما تنهار ووجد أنّ المعادلات والدراسات السابقة مثل تلك الخاصة ب «ادنجتون» و«رالف فولر»
لم تأخذ النسبية في الحسبان، قرر«شاندراسخار» أنْ يصحح هذا الخطأ وثم اكتشف هذا الحد الذي يقف بين النجم وبين فناءه.
وهنا توضيح لإنفجار السوبرنوفا
لم يعرف «شاندراسخار» ما الذي يحدث للنجم بعد هذا الحد غير أنّه ينكمش على نفسه مرة أخرى لأنه لن يكون هنالك ذلك التوازن الذي تحدثنا عنه بين الضغط الناتج عن كتلة السطح مجذوبة بجاذبية النواة وما فوقها، وبين الضغط الانحلالي الناتج عن اصطدام الإلكترونات بأسفل سطح النجم، وفي هذه الحالة يكون الضغط الناتج عن الكتلة أكبر من الضغط الانحلالي مما يتسبب في انهيار سطح النجم على النواة ثم يحدث الانفجار ذو اللمعان الذي يعد من الأسطع في الكون« السوبرنوفا»
وعندما يكون النجم قزمًا أبيض أكبر من 1.44 كتلة شمسية سيظل ينكمش وينهار على نفسه حتى يتساوى الضغط الانحلالي والضغط النتاج عن الكتلة عن طريق النيوترونات ويصبح نجم نيوتروني ولكن هذه ليست النهاية، فإنه حتى النجوم النيوترونية من الممكن أن تنهار على نفسها إذا كانت كتلتها أكبر من ثلاثة أضعاف الكتلة الشمسية، وفي هذه الحالة نصل إلى الثقب الأسود.
إعداد وتصميم: Mohamed S. El-Barbary
مُراجعة لغوية: إسراء حسن
المصادر:
1.
Chevalier RA. The aftermath of Core-Collapse Supernovae. Europhysics News. 2005 Mar;36(2):59–62. http://sc.egyres.com/M6992
2.
Kervella P, Thévenin F, Foresto VCD, Mignard F. Deep imaging survey of the environment of Alpha Centauri – I. Adaptive optics imaging of Alpha Cen B with VLT-NACO. Astronomy and Astrophysics. 2006 Nov;459(2):669–78.
http://sc.egyres.com/pAT8V
3.
Justham S, Wolf C, Podsiadlowski P, Han Z. Type Ia supernovae and the formation of single low-mass white dwarfs. Astronomy and Astrophysics. 2009 Jan;493(3):1081–91.
http://sc.egyres.com/Mnvtx
4.
McKernan B, Ford KES, Lyra W, Perets HB, Winter LM, Yaqoob T. On rapid migration and accretion within disks around supermassive black holes. Monthly Notices of the Royal Astronomical Society: Letters. 2011 Oct 1;417(1):L103–7.
http://sc.egyres.com/sUvpZ
5.
Ekşi KY. Neutron stars: compact objects with relativistic gravity. arXiv:151104305 [astro-ph, physics:gr-qc] [Internet]. 2015 Nov 13 [cited 2016 Apr 12]; Available from: http://sc.egyres.com/6JEI1
6.
Sato Y, Nakasato N, Tanikawa A, Nomoto K ’ichi, Maeda K, Hachisu I. The critical mass ratio of double white dwarf binaries for violent merger-induced Type Ia supernova explosions. arXiv:160301088 [astro-ph] [Internet]. 2016 Mar 3 [cited 2016 Apr 12]; Available from: http://sc.egyres.com/JaBN0
7.
Hillman Y, Prialnik D, Kovetz A, Shara MM. Growing White Dwarfs to the Chandrasekhar Limit: The Parameter Space of the Single Degenerate SNIa Channel. The Astrophysical Journal. 2016 Mar 9;819(2):168.
http://sc.egyres.com/xiq6n
8.
Chandra :: Field Guide to X-ray Sources :: Supernovas & Supernova Remnants [Internet]. [cited 2016 Apr 12]. Available from: http://sc.egyres.com/tjTpA