انطلق القمر الصناعي (TESS – Transiting Exoplanet Survey Satellite) منذ ساعات قليلة للإقلاع على متن صاروخ فالكون 9 (Space X Falcon 9) بقاعدة كاب كانا فيرال للقوات الجوية في فلوريدا، بعد تخطيط علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لإرسال هذه المُهمة الذي مضى عليها أكثر من عقد، وعند وصوله إلى المدار سيستغرق في دراسة واستكشاف أكثر من مائتي ألف “200,000” من النجوم اللامعة القريبة من شمسنا؛ لِكَيْ يبحث عن كواكب جديدة تابعة لهذه النجوم خارج نظامنا الشمسي.
طُوِّر القمر الصناعي في معهد MIT «ماساتشوستس للتكنولوجيا»، بهدفِ استكشاف آلاف الكواكب الخارجية التي تتضمن على الأقل 50 كوكبًا يُشبه كوكب الأرض في الحجم -فمن المحتمل وجود آلاف الكواكب الخارجية ربما تكون عوالم صخرية، أو مجموعة من الغاز والغبار قليلة الكثافة- وهُنا نَتَساءل: أين تقع تلك الكواكب الخارجية؟ وأيُّ منها نستطيع أن نتحقق من صلاحيته للحياة والسكن؟ لذا سيتولى TESS الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، حيث يعتبر القمر الصناعي الأول للبحث عن هذه الكواكب ومدى صلاحيتها.
تحمل المركبة الفضائية المُمَوَّلة من وكالة ناسا التي لا يزيد حجمها عن حجم ثلاجة الطعام على مَتنِها أربع كاميرات صُمِمَت خِصيًصا في MIT، تتمتع إحداها بزاوية رؤية واسعة لرصد أقرب النجوم وأكثرها سطوعًا في السماء؛ لِترشِدُنا إلى الكواكب المارة، وتُقَدر المدة التي سيقضيها “TESS” في مسح وفحص أكثر من 20 مليون نجمًا في السماء بعامين، ويتنبأ العلماء أنَّ الآلاف من هذه النجوم ربما تستضيف الكواكب التي يأملوا فحصها من خلال الصور الملتقطة بكاميرات TESS.
خلال هذه المهمة، يريد الفريق القائم بها في MIT قياس كتل 50 كوكبًا صغيرًا، نصف قطر كل كوكب أقل بأربع أضعاف كوكب الأرض، ومن المُفتَرض أن تكون معظم الكواكب التي ستُكتشف قريبةً لنا بما يكفي، لكي يَتمَكن العلماء من إمعان النظر فيهم بواسطة تلسكوبات أخرى، لمعرفة الغلاف الجوي وظروفه والبحث عن أية دلالات على قابليته للسكن.
وتقول (Natalia Guerrero) نائبة مدير البعثة:
«يُعَد TESS نوع المُستكشف الذي نسعى إليه في MIT لتصنيف الأجسام في البيانات المرصودة، والتي من الممكن أن تكون كواكب خارجية، ففي هذه الرحلة الشيِّقة بالسماء ليس لدينا أية فكرة عما سنشاهده، يبدو الأمر كما لو كُنَّا نصنع خريطة كنز بتأني؛ ثُمَّ نسير على دربها إلى هدفنا المنشود.»
بذرة زُرِعَت في الفضاءِ
يعود أساس “TESS” إلى قمر صناعي صغير صُمِّمَ بواسطة علماء MIT، وقامت بإطلاقه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) في 9 أكتوبر عام 2000، كان يُدعى مُستكشِف الطاقة العالية 2 (HETE-2) الذي دار حول الأرض لسبعة أعوام في مَهمة للكشف عن أشعة جاما وأشعة اكس المُنبعثة من انفجارات عالية الطاقة في وقت قصير، ولكي يتمكن العلماء من الكشف عن هذه الظواهر وضع العلماء في معهد MIT بقيادة الباحث (جورج ريكر- George Ricker) في القمر الصناعي مجموعة من الكاميرات البصرية والأشعة السينية (أشعة إكس) مُزودة بأجهزة (CCDs)، أو أجهزة مُقترِنة بالشحن مُصمَمة لتسجيل شدة ومواضع الضوء في شكل إلكتروني.
يقول أحد أعضاء فريق HETE-2 والذي يعمل حاليًا بـ (TESS (Joel Villasenor:
«في عام 1970 ومع ظُهور “CCDs” ذلك الجهاز المُدهِش الذي سَهَّل الكثير على علماءِ الفلك، حيث يجمع بكلِ بساطة القياسات على CCD، ومِنْ ثَمَّ يُعطيك النتائج: كمقدار أو شدة الضوء؛ لذا فإن “”CCDs قد فتح الكثير من الأبواب المُوصَدة في علم الفلك.»
وفي عام 2004 تساءل ريكر وفريق :(HETE-2) هل يمكن للكاميرات البصرية التابعة للقمر الصناعي أن تلتقط صورًا لأجسام أخرى بالسماء؟ كان ذلك محل نقاش طويل عن الكواكب الخارجية في مجتمع الفلك، حينئذٍ كانوا قد اكتشفوا عدد قليل من الكواكب خارج المجموعة الشمسية بواسطة تقنية تُعرف باسم «العبور- transit method»، والتي تقوم على قياس تغير شدة لمعان النجم الذي يدور الكوكب حوله، والذي ربما يدل على وجود كوكب يَمر أمام النجم.
وأضاف (Villasenor): «كُنَّا نُفكَّر في القياس الضوئي على كاميرات HETE-2 هل سيكون كافٍ لنستطيع الإشارة إلى جزء من السماء ونكشف عن أحد هذه التغيرات؟ ولكن لم ينجح تمامًا؛ ربما كان ينبغي علينا أن نحاول إرفاق كاميرا مع (CCDs) لاكتشاف ذلك.»
مسار واضح
في عام 2006 قَدَّم ريكر وفريقه في MIT قمرًا صناعيًا صغيرًا مُنخَفِض التكلفة (HETE-S) إلى وكالة ناسا الفضائية باعتباره مَهمة استكشافية، ثُمَّ كمَهمة مُموَّلة لاحقًا من القطاع الخاص بـ 20 مليون دولار؛ ولكن مع زيادة التكلفة والاهتمام باستكشاف الكواكب الخارجية فقد قرروا السعي إلى الحصول على تمويل من ناسا يصل إلى 120 مليون دولار، وفي عام 2008 قدموا اقتراحًا إلى بعثة ناسا (SMEX) بالاسم الجديد (TESS).
تَضَمنَ تصميم القمر الصناعي حينها على 6 كاميرات CCD، واقترح الفريق أن تكون المركبة الفضائية في مدار أرضي منخفض مثل مدار HETE-2 السابق، وحسب ما يعتقدون فإنَّ مدار كهذا من المفترض أن يحافظ على كفاءة رصد مرتفعة نسبيًا، لأنه قد أتمَّ إنشاء محطات أرضية بالفعل لاستقبال البيانات لأجل HETE-2 والتي يمكن استخدامها أيضًا في “TESS”، ولكن سرعان ما أدركوا أنَّ المدار الأرضي المنخفض سوف يكون له تأثير سلبي على الكاميرات الحسَّاسة في (TESS)، فعلى سبيل المثال قد يؤدي رد فعل المجال المغناطيسي للأرض على المركبة الفضائية إلى اهتزازها مُحدثًا ضوضاء كبيرة والتي بدورها تُخفي مؤشر التغير في ضوء النجم التابع للكوكب الخارجي.
تجاوزت ناسا هذا الاقتراح ثمَّ عاد الفريق مرة أخرى إلى تصميم خطة جديدة تعتمد هذه المرة على مدار جديد تمامًا، وبمساعدة المهندسين من مركز رحلات الفضاء التابع لمركز الطيران والفضاء بوكالة ناسا، حدد الفريق مدارًا جديدًا من نوع (Lunar-resonant) والذي يساهم في الحفاظ على ثبات المركبة الفضائية ويمنحها رؤية للسماء كاملةً، وبمجرد وصول TESS إلى هذا المدار، سوف يكون بين الأرض والقمر في مسار بيضاوي يمكنه الحفاظ على مداره لعقود ومُدعم بسحب الجاذبية للقمر.
يصف (Villasenor) القمر الصناعي والقمر Moon كأنهما في رقصة معًا، يسحب القمر (MOON) القمر الصناعي على جانبٍ واحد، وبمرور الوقت يُكمِل Tess مدارًا واحدًا، والقمر على الجانب الأخر في الاتجاه المقابل، ويعتبر التأثير الكلي هو سحب القمر بشكلٍ مستقر والذي يدوم لسنواتٍ عدة.
«لم يفعل أحد ذلك من قبل، وأعتقد أن البرامج الأخرى سوف تحاول استخدام هذه المدارات لاحقًا.»
سوف يتجه TESS في مساره المُخطط له نحو القمر لأقل من أسبوعين يقوم خلالهما بجمع البيانات، ثم يعود مرة أخرى نحو الأرض، حيث تُرسَل البيانات إلى المحطات الأرضية القريبة على ارتفاع 67,000 ميل، قبل أن يذهب مرة أخرى، وفي نهاية المطاف سيوفر هذا المدار لـ TESS كمية هائلة من الوقود، لأنه لن يحتاج إلى استهلاك وحدات الدفع بشكلٍ منتظم للحفاظ على مساره.
وقدم الفريق اقتراحًا ثانيًا في عام 2010، هذه المرة كانت كمهمة في فئة المستكشفين، والتي وافقت عليها ناسا في عام 2013، حينئذ كان تليسكوب كيبلر الفضائي قد أنهى رصده للكواكب الخارجية، ذلك التلسكوب الذي أُطلِقَ عام 2009 مُركِزًا على بقعة واحدة مُحددة في السماء لمدة أربعة أعوام، لكي يرصد تغير الضوء القادم من النجوم البعيدة لدلالات الكواكب المارة أمامها، ولكن بحلول عام 2013 تهالكت اثنتان من عجلات رد الفعل الأربعة له؛ مِمَّا أعاقه على مواصلة الرصد، إذ تمكنت قياسات تلسكوب كبلر من اكتشاف قُرابة 1000 كوكب خارجي مُؤكد، وقد أرسلت بعثة كبلر لدراسة النجوم البعيدة، وعلى النقيض اليوم تعد بعثة (TESS) أشمل لرصد أقرب النجوم إلى الأرض، فقد انتهت مسيرة كبلر بتحقيق نجاح ضخم.
تقول (Jennifer Burt) العضو في (TESS):
«أعتقد أن هذا هو بالفعل صندوق الفحص العلمي الذي كنا نحتاجه في وكالة ناسا كي نقول، حسنًا، أصبحت (TESS) منطقية جدا الآن، فهو لن يقتصر فقط على اكتشاف الكواكب، بل يمكنه إيجاد كواكب يمكننا وصفها بدقة.»
خطوط أو شرائط في السماء
أنشأ الفريق تسهيلات بالحرم الجامعي ومختبر لينكولن بمعهد MIT لبناء واختبار كاميرات مركبة الفضاء، وقد صمم المهندسون (CCDs (deep depletion وهذا يعني أنَّ الكاميرات تستطيع اكتشاف الضوء على مدى واسع من الأطوال الموجية مثل الأشعة تحت الحمراء القريبة، وهذا مُهِمٌ للغاية لأنَّ “TESS” سيرصد نجم مثل «الأقزام الحمراء» وهي النجوم الصغيرة الباردة التي تتوهج بشكل أقل سطوعًا من الشمس، وتوجد في جزء الأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي.
إذا تَمكَّن العلماء من اكتشاف التغيرات الدورية في ضوء النجوم، فقد يدل ذلك على أنه هناك كواكب ذات مدارات أكثر ضيقًا من مدارات الأرض، وعلى الرغم من ذلك هناك احتمال أن تكون بعض هذه الكواكب «مناطق صالحة للحياة» لأنها تدور حول نجوم أكثر برودة مقارنةً بالشمس، وبما أنَّ النجوم قريبة نسبيًا، فإنه يمكن للعلماء أن تُجري أرصاد متتابعة بواسطة تلسكوبات أرضية للمساعدة في معرفة ما إذا كانت الظروف تناسب الحياة أم لا.
وُضعت الكاميرات على (TESS) مثبتة على قمة القمر الصناعي ويحيط بها مخروط واقي لحمايتها من الإشعاع الكهرومغناطيسي، كل كاميرا تمتلك رؤية 24:24 درجة كبيرة بما فيه الكفاية لتشمل كوكبة الجبار، وسيبدأ ظهور القمر الصناعي وملاحظته في نصف الكرة الجنوبي، وسيقسم السماء إلى خطوط وعددها 13، وبمراقبة كل جزء لمدة 27 يومًا قبل التحول إلى التالي، يجب أن يكون TESS قادرًا على رصد السماء بأكملها في نصف الكرة الجنوبي في العام الأول، قبل أن ينتقل إلى نصف الكرة الشمالي في العام الثاني، وعندما يصنع TESS خطًا واحدًا في السماء، فإن الكاميرات ستلتقط صورًا للنجوم في هذ الجزء، وقد أعدَّ (Ricker) وزملاؤه قائمة بها 200 ألف من النجوم الساطعة القريبة التي يريدون رصدها بشكلٍ خاص، وسوف تنشئ كاميرات القمر الصناعي صور «طابع بريدي» تحتوي على بيكسلات “Pixels” حول كل نجم، وسيتم التقاط هذه الصور كل دقيقتين، لانتهاز فرصة رصد اللحظة التي يمر بها الكوكب أمام نجمه، كما أنَّ الكاميرات ستأخذ صورًا كاملة الإطار لكل النجوم في شريط/خط مُخصص من السماء كل 30 دقيقة.
تقول (Guerrero):
«تستطيع أن تحصل على صورة شبيهة بالفيلم عما يفعله ضوء النجوم عند عبور الكوكب أمام النجم المُضِيف عن طريق جمع الصور لمدة دقيقتين، أمَّا بالنسبة إلى الصور التي تستغرق 30 دقيقة ربما يُثار الناس برؤية المستعر الأعظم أو الكويكبات أو موجات الجاذبية، نحن لا نعرف حقًا ما سنراه في هذا الإطار الزمني.»
هل نحن وحدنا؟
بعد عملية الإقلاع يتوقع الفريق بأنَّ القمر الصناعي سيقوم بإعادة الاتصال خلال الأسبوع الأول، إذ سيقوم بتشغيل كل الأجهزة والكاميرات المُزوَّد بها، ثُمَّ تبدأ مرحلة التكليف لمدة 60 يومًا، ويقوم المهندسون في ناسا وMIT بفحص الأجهزة ومراقبة مسار القمر الصناعي، بعد ذلك ستبدأ خدمة TESS في جمع صور السماء، وبالتالي يأخذ العلماء في ناسا و”MIT” البيانات ويحولونها إلى منحنياتٍ ضوئية تدل على تغيُّر سطوع نجم بمرور الزمن.
ومن هناك، فإنَّ فريق TESS وأستاذ علوم الأرض والكواكب سارا سيجر (Sara Seager)، ونائب مدير العلوم في الفريق، سيبحثون من خلال آلاف المنحنيات على لحظتي تغير متشابهتين على الأقل في ضوء النجوم، تَدُل على أنَّ هناك كوكبًا قد مَرَّ مرتين أمام نجمه؛ بعد ذلك تقوم سارة وزملاؤها بعدة طرق لتحديد كتلة الكوكب المُحتمَل.
تقول سارة:
«الكتلة هي السِمة الأساسية التي تُميّز الكواكب، فلو كان معلومٌ لديكَ أنَّ الكوكب ضعف حجم كوكب الأرض، فإنه يمكن أن يكون الكثير من الأشياء مثل: عالم صخري ذو غلاف جوي ضئيل، أو ما نُسميه “mini-Neptune” وهو عالم صخري له غلاف غازي عملاق حيث سيكون عبارة عن غطاء ضخم كأحد أغطية البيوت الزجاجية، ولن تكون هناك أية حياة على السطح، لذا فإنَّ الحجم والكتلة معًا يعطيان لنا متوسط كثافة الكوكب؛ مِمَّا يُخبرُنا بكمية هائلة من المعلومات حول مَاهيّة الكوكب.»
خلال عامين من المهمة، تعزم سارا وزملاؤها على قياس كتل 50 كوكبًا أنصاف أقطارهم أقل من أربعة أضعاف كوكب الأرض، وهي أبعاد تدل على قابلية السكن، وفي نفس الوقت، فإنَّ المُجتمع العلمي بالكاملِ والجمهور سيحصلون على فرصة البحث من خلال بيانات TESS عن الكواكب الخارجية، وبعد فحص البيانات من قِبل الفريق، سيجعلونها مُتاحة كلها للجميع، حيث يتمَكن أي شخص من تنزيلها ورسم التفسيرات الخاصة به، وطلاب المدارس الثانوية أيضًا وعلماء الفلك ومعاهد البحوث.
تقول سارا:
«بالتركيز على بيانات القمر TESS، فإنه توجد الفرصة أن يكون هناك كوكبًا قريبًا اكتشفه TESS سيكون صالحًا للحياة، لا يوجد علم يخبرنا بوجود حياة هناك؛ عدا الكواكب الصخرية الصغيرة التي تبدو شائعة بشكلٍ لا يُصدَق، يبدو أنهم موجودون في كلِ مكان ننظر إليه، لذلك إنهم في مكانِ ما بالفعل.»
ترجمة: Ahmed Saad
مراجعة: آية غانم
تصميم: Ahmed Saad
المصدر: