العديد من أنواع البكتيريا هي كائنات اجتماعية إلى حد كبير، وتقوم بتشكيل بيئتها المحلية بطريقة تكيفية؛ عن طريق إنتاج وإفراز جزيئات من شأنها تطوير قوة التفاعل بين الأنواع العديدة منها وتعديل بنية مجتمعها (1).
اكتشف علماء من كلية ترينتي في دبلن بإيرلندا «Trinity College Dublin» أن تحور جيني واحد فقط «one gene mutation» في أحد الأنواع الحية يمكن أن يؤدي إلى تغيرات جذرية في المجتمعات البيولوجية كاملة تضاهي التغيرات الكبرى الناتجة عن انقراض حيوان مفترس من أعلى السلسلة الغذائية.
باستخدام البكتيريا في توالد أنظمة بيئية في المعمل، وجد العلماء أن التحويرات التي تجري لجين واحد في تلك البكتيريا، والتي تغير من الطريقة التي يتفاعل بها نوع معين من البكتيريا مع الأنواع الأخرى، لها آثار كبيرة على بُنية المجتمعات الميكروبية متعددة الأنواع «multi species microbial communities».
تبين الصورة مستعمرات بكتيرية على طبق من الأجار لبكتيريا «السراتية الذابلة-Serratia marcescens»، هي أحد أنواع البكتيريا المستخدمة في الدراسة، هذا النوع الشائع من البكتيريا أحيانًا ما يكون مسئولًا عن عدوى المستشفيات لدى البشر؛ حيث أن هذه «الكائنات الاجتماعية المتحورة جينيًا-social mutants»، تتفاوت في قدرتها على إنتاج «الأغشية الحيوية-biofilms»، وهي تجمعات مجهرية معقدة تتكون غالبًا من أنواع عدة من البكتيريا، تتفاوت قدرتها على انتاج مادة خاصة لها القدرة على جعلها تلتصق ببعضها البعض، وأيضًا تلتصق مع الأسطح مكونة غشاء حيوي ( 2 )، هذا التفاوت له أثر تبعيّ على الأنواع الأخرى، مما يؤدي بدوره إلى تغيير كامل في تركيب المجتمع الحيوي.
يقول «د. إيان دونوهيو-Ian Donohue»، الأستاذ المساعد في علم الحيوان بكلية ترينتي: «نحن على علم بأن الحيوانات المفترسة -بصفتها الأعلى في الشبكة الغذائية- لها تأثير بالغ في طريقة تكون الأنظمة البيئية «ecosystems»؛ حيث أنها تتحكم في أعداد وتنوعات أنواع أخرى في «الشبكة الغذائية-food web»».
تشير نتائج الدراسة إلى وجود نطاق تدرجي دقيق ملحوظ للاختلافات الجينية بين سكان المجتمع البيولوجي تتغير به الأنظمة البيئية بأكملها، ليس فقط الأنظمة الميكروبية، بل يشمل التغير نطاقًا أوسع كالبحيرات والغابات والأنظمة البحرية.
العديد من البحوث البيئية كانت قد ركزت على احتمالات انقراض الأنواع التي تتبع تغير بيئي ما -مثل إزالة الغابات أو ارتفاع درجات الحرارة-، وأثرها التبعيّ على المجتمعات البيولوجية؛ غير أن هناك تغيرات بيئية قد تسبب أيضًا الطفرات الجينية وتساهم في حدوث «التطورات الصغيرة-microevolution»، وهي عبارة عن تغيرات تطورية لمجموعة صغيرة من الكائنات الحية، غالبًا ما تحدث خلال فترات قصيرة.
تقترح نتائج الدراسة أن هذه التطورات الصغيرة قد تكون عاملًا هامًا -على الرغم من أن مدى أهميته لم يحدد بعد- والذي يشكل استجابة المجتمعات البيولوجية -وحتى المعقدة منها- للتغيرات البيئية، ومن المتوقع أن تتأتي ثمار هذه النتائج لدى باحثي الأمراض ومطوري الأدوية، كذلك علماء البيئة والوراثة.
يقول «ديردري ماكلين-Deirdre McClean» الباحث الرئيس للدراسة: «من الرائع معرفة أن حدوث تغير واحد في جين واحد لديه القدرة على إحداث هذا التأثير الكبير الذي قد يشمل جميع المجتمعات الحيوية».
يضيف د. دونوهيو: «كجانب صغير من الصورة الكبيرة لآثار هذه الدراسة، فإن معرفتنا لآثار سلوك البكتيريا في تشكيل مجتمعاتها قد يثبت أهميته في تطوير علاجات تهدف إلى التلاعب بجينات جراثيم الأمعاء».
إعداد/ ترجمة: Hanan Gamal
مراجعة علمية: Hosny Ayman
مراجعة: Mohammad Marashdeh
تصميم: Bothaina Mahmoud
المصدر: هنا
المراجع:
(1) McClean, Deirdre, Luke McNally, Letal I. Salzberg, Kevin M. Devine, Sam P. Brown, and Ian Donohue. “Single Gene Locus Changes Perturb Complex Microbial Communities as Much as Apex Predator Loss.” Nat Commun 6 (September 10, 2015). http://dx.doi.org/10.1038/ncomms9235.
(2) Michel Vert, Yoshiharu Doi, Karl-Heinz Hellwich, Michael Hess, Philip Hodge, Przemyslaw Kubisa, Marguerite Rinaudo, and François Schué. “Terminology for biorelated polymers and applications (IUPAC Recommendations 2012). ” Pure Appl. Chem., Vol. 84, No. 2, pp. 377–410, 2012.
#الباحثون المصريون