طبعَ الكوفيد-19 نفسه في عقلنا الواعيّ، وسوف يبقى أثره لوقتٍ طويل في عقولنا، حتى بعد انتهاءِ الوباء. وفي هذا السياق، سوف تكون 2020 فترةً يحاولُ المؤرخون، والصحفيّون، والفنانون، والاقتصاديّون في المستقبل فَهمِها، فترةً لم نستطع فيه -أثناء انجرافنا بيأسٍ- تصورها.
ومع ذلك، يُمكننا -بالنظرِ إلى ما تعلمناه- منعَ المأساوياتِ في الوقت الحاليّ، وفي المستقبل.
1. ينجذبُ الناسُ نحو المعلوماتِ التي تدعمُ معتقداتهم الحاليّة
شجعَ الوباءُ العالميّ العديدَ من الدراساتِ، والأبحاث؛ لجمعِ كل المعلوماتِ الممكنة الخاصة بكوفيد 19: كتركيبِه، والعلاجاتِ المُتاحة، وتأثيرِه على الصحةِ ونحو ذلك؛ وهذا بالطبع لكي يتسثنى للأطباءِ في الصفوفِ الأمامية متابعةَ كل المعلوماتِ الجديدة. إلا أنه على الرغم من ذلك، انتشرت الكثيرُ من المعلومات الخاطئة، والأكاذيب.
يرجعُ ذلك إلى ميلِ الناس لتصديقِ كل ما يتماشي مع مفاهيمِهم المُسبَقة. فتكون أخطاءُ التحيزِ أكثرَ قوةً حين ترتبط بناتجٍ مرغوب أو قضيةٍ مَشحونة عاطفيًا، وقد توفر كلاهما معًا في حالةِ الكوفيد 19. ففي أثناءِ تلك الجائحة، انقسمَ الناسُ إلى أحزابٍ فيما يخصُ قواعد التباعد الاجتماعيّ، وارتداءِ أقنعة الوجه؛ فبينما المقاطعاتُ التي صوتت لدونالد ترامب عام 2016 التزمت بالتباعدِ الاجتماعيّ بشكلٍ أقل، ارتدى الديمقراطيون أقنعةَ الوجهِ بشكلٍ أكبر من الجمهوريين.
2. «موتٌ واحدٌ هو مأساة؛ مليونُ حالةِ وفاة هي إحصائية»
منذ بدايةِ الجائحة، تجاوزنا علامةً فارقة فيما يخصُ عدد القتلى الخاص بالكوفيد 19. ففي ديسمبر، وصلَ العددُ إلى 300 ألف حالةَ وفاة.
وقد مر وقت طويل منذ أن واجهت الولايات المتحدة حدثَ موتٍ جماعيّ بهذه الشدة، لدرجةٍ جعلت الصحفيون يلجأون إلى المآسي التاريخيّة السابقة؛ ليستوعبَ الناسُ الأرقام. فعلى سبيل المثال، تعدىَ عددُ الوفيات بسببِ فيروس كورونا في أمريكا في إبريل 2020 عددَ القتلى الأمريكان في حربِ فيتنام (58,220 قتيلاً). كما لاحظَ الصحفيّون أن عددَ الوفيات اليوميّة في ديسمبر قد تعدت عددَ قتلى أحداثِ 11 سبتمبر (2,977 قتيلاً). و بالطبع، كلما زادت الأعدادُ، ازدادَ الحدثُ مأساوية.
وقد تم الإشارة إلى مقالةٍ سابقة حول دراسةٍ بواسطةِ وكالة استشارات البيانات Civis Analysis، والتي وضحت مدى تأثيرِ الرسائل المختلفة على قابليةِ الناس لتلقي لقاح الكوفيد 19. وقد ركزت تلك الرسائل على الصالحِ العام مثل: تمكينِ طريق أسرع للتعافي الاقتصاديّ، أو توفيرِ منفعةٍ مجتمعيةٍ تكون غير فعالةٍ في أحسنِ الأحوال، أو تولدِ رد فعلٍ عنيف بين المشتركين في أسوئها. وقد حملت الرسالةُ الأكثر تشجيعًا على تلقي اللقاحِ موضوعَ «الرسالة الشخصيّة»، والتي كانت قصةَ أحد الشبابِ الذي توفوا جراءَ الإصابة بالكوفيد 19. مما يوضحُ أن موتَ شخصٍ واحد له أثرٌ تراجيديٌّ كبير، خاصة إذا كنا على معرفةٍ شخصيّة بهذا الشخص.
فحتى فترةٍ قريبة نسبيًا، كان البشرُ عبارةً عن قبائلِ ذات دوائر اجتماعيّة محدودة ممن نهتمُ بهم، ونحبُهم، ونحزنُ عليهم، لذا تتعدى ال300 ألف حالة وفاة قدرتنا العاطفيّة على الحزنِ. ولكن إذا ركزننا على الحالاتِ الفردية من معارفنا أو عن طريقِ سماع قصص الآخرين، فيمكننا توجيهَ التعاطفِ العام؛ للاستفادةِ منه، مما يشملُ تشجيعَ الناسِ على تلقي اللقاح حين توفره.
3. يمكنُ بالعلمِ فعلُ أشياءً مُذهلة بميزانيةٍ كافية، وقوى بشريّة، ودعمِ العامة
في الماضي، تميزَ لقاحُ النكاف بأنه الأسرع تطورًا، وقد استغرق العمل عليه 4 سنوات في الستينيات، في الوقت الذي تطلبت التجاربُ السريريّة توثيقيًا، ورقابةً بيروقراطيّة أقل بكثير. أما في عام 2020، فقد كسرَ لقاح الكوفيد 19 هذا الرقم من خلالِ عملية تطوير اللقاح الأكثر تمحيصًا في التاريخ (Pfizer-BioNTech SARS-CoV-2).
يحتاجُ اختبارُ الأدوية على البشرِ بالمرورِ ب3 مراحل أساسيّة، والذي يتطلبُ بدورِه عددًا متزايدًا من المشاركين، والتمويلَ للتمكنِ من الانتقال إلى المرحلةِ التالية. وحتى هذه اللحظة، تبرعت Operation Warp Speed -وهي إطارُ عملٍ حول شراكة بين القطاعيّن الخاصِ، والعام في الولاياتِ المتخدة الأمريكية- ب10 بليون دولار لتطويرِ لقاح كوفيد 19، كما تقدم آلاف المشاركين إلى التجاربِ. وبهذه الأموال والدعم البشريّ، يستطيعُ مطورو اللقاحِ العملَ على كلِ المراحل بصورةٍ متوازية.
وربما نتمكنُ من الاستفادةِ من الدروسِ العلميّة والبشريّة المرتبطة بلقاحِ الكوفيد 19 بطريقةٍ تساعدنُا على تطويرِ لقاحاتٍ أخرى للفيروسات القاتلة مثل: فيروس الإيدز HIV. فإذا استمرَ مُجتمعنا في دعمِ العلماء بالوقتِ والأموالِ والمواردِ لصالحِ البشرية، فلا يوجد حدودٌ لطموحِنا.
كانت 2020 سنةٌ مليئةً بالتحديات، ولا يوجد أيّ ضماناتٍ على أن 2021 ستكون سنةً أفضل، وهذا سبب أقوى لتعلمِ تلك الدروس، وتطبيقِها بشكلٍ أكثر فعاليةً وذكاء، ولنسعى معًا لمستقبلٍ أكثر إيجابيّة.