عبد الرحمن الغافقي ومعركة بلاط الشهداء

130075-050-9D7F95D0

|||

قبيل الغزوات العربية الإسلامية في شمال الأندلس؛ كانت بلاد الغال منطقة ليس بها دولة ذات وحدة سياسية، ولم تكن قد تكونت اللغة الفرنسية بعد، حيث كانت غالة عبارة عن وحدات إدارية، كل وحدة تتبع قوة سياسية معينة وكان (شارل مارتل-Charles Martel) أحد أفراد (الأسرة الكارولنجية-Carolingian dynasty) محافظ القصر. وبسبب الضعف الذي اعترى الملوك آنذاك، كان شارل مارتل هو صاحب السلطة الفعلية على البلاد. وكان حلم غزو غالة يتردد صداه بين نفوس المسلمين، حيث نبتت بذرته منذ عهد موسى بن نصير، ولكن بدأت حركة الغزو الجدية على عهد السمح بن مالك الخولاني والي الأندلس حينما ولاه عليها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز عام 100هـ.(1) ولقد تواترت الغارات على منطقة بلاد الغال على يد عدد من الولاة بعده، ولكن كانت أحوال الأندلس الداخلية مضطربة سياسيًّا في تلك الفترة حتى تولى إمارة الأندلس ستة ولاة في خمس سنوات، وظل هذا التخبط السياسي حتى تولَّى عبد الرحمن الغافقي إمارة الأندلس عام 113هـ.(2)

خريطة توضح الحدود بين شمال الأندلس والممكلة الكارولنجية

عبد الرحمن الغافقي

تولى عبد الرحمن الغافقي الأندلس مرتين، الأولى تولى فيها الأندلس بفعل أهلها بعد مقتل السمح بن مالك، إلى أن حَضَر الوالي الذي عُيِّنَ من قبل الدولة الأموية، وهو عنبسة بن سحيم الكلبي عام 103 هـ، والثانية كانت بأمر من والي أفريقية عبيد الله بن الحبحاب.

صورة رمزية لعبد الرحمن الغافقي

عُرِفَ عن عبد الرحمن الغافقي العدل والورع والتقوى وحب الإصلاح. وقد وصفه الحميدي في كتابه (جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس) قائلاً: «كان رجلًا صالحًا، جميل السيرة في ولايته، عدل القسمة في الغنائم». وكان حسن خُلق عبد الرحمن وإنسانيته نابع من حسن تربيته على يد الصحابة، فلا عجب إذا رأينا منه حسن السيرة في أخلاقه مع رعيته، وإسداء المعروف للناس دون أي مقابل. كما تميز أسلوبه العسكري النابع من فكره الصائب بالتوازن بين ما يملك من قوى وما يريد من أهداف، فكان قائدًا عسكريًا فذًّا، فاستطاع أن يقضي على العصبية القبلية الموجودة في البلاد آنذاك بين المضرية واليمنية، الأمر الذي قوَّى من شأن البلاد والجيش. وأيضًا عمل على تنظيم إدارة البلاد، وساوى بين الناس في الضرائب، وأعاد هيكلة الجيش وتنظيمه وزوده بالأسلحة، وحصن القواعد والثغور، واختار لجيشه أشجع الفرسان. (2)

الغزوات في غالة

بعد أن جمع عبد الرحمن الغافقي قوة المسلمين وكان قوامها ثمانون ألف جندي تقريبًا، وتيقن أن قوة الإيمان اكتملت، توجه بهم ناحية فرنسا ليستكمل الغزو، ودخل مناطق لم يدخلها السابقون من قبله. فوصل إلى أقصى غرب فرنسا، وأخذ يغزو مدينةً تلو الأخرى، فدخل مدينة آرو ثم مدينة (بوردو-Bordeaux)، ثم مدينة طلوشة (Toulouse)، ودخل مدينة (أقطانية -Aquitaine)، ثم مدينة (تور-Tour) -وهي المدينة التي تسبق باريس-  والمسافة الفاصلة بينهما حوالي 295 كم، وتبعد ألف متر عن قرطبة، أي أنه توغل كثيرًا في شمال فرنسا. وعلى بُعد 25 كم من مدينة (بواتييه-Poitiers) عسكر عبد الرحمن الغافقي في منطقة تسمى البلاط.(2)

معركة بلاط الشهداء

كان على ولاية أقطانية دوق يُدعى (أودو-Odu)، وكانت بينه وبين شارل مارتل خلافات، لكنه لجأ إليه يستنجد به من الخطر الداهم الذي أودى بمملكته.(3) وافق شارل مارتل على عقد التحالف بشرط فرض سيطرته على ممتلكات الدوق أودو، وتمت المعاهدة على ذلك الأساس.(4) وتعاونا على مواجهة العدو المشترك، وكان لا بد من خوض غِمار معركة حاسمة ولقاء مباشر مع المسلمون؛ وحدث اللقاء في أكتوبر عام 732م، في موضع طريق روماني قديم يُسمى بالبلاط، ودارت رَحى المعركة التي استمرت فوق الأسبوع، مما يدل على أنها كانت حامية الوطيس على كلا الجانبين. (1)

شارل مارتل

بذل كِلا الطرفين أقصى جهده في القتال، وصبر المسلمون صبرًا طويلًا حتى تجمعت عليهم قوات العدو من كل حدبٍ وصوب، فلم يقتصر الأمر على الفرنجة وحدهم بل هناك الكثير من الألمان.(1) وعلى الرغم من رجاحة كفة المسلمين ومحاولاتهم لاختراق صفوف الفرنجة، إلا أنهم لم يستطيعوا اختراقها. ويبدو أن الدوق أودو قد عرف نقطة ضعف المسلمين لاشتباكه معهم سابقًا، فقد كان يعلم أن من عادتهم أن يتركوا الغنائم في مؤخرة الجيش، فالتف مع فرقة من جيشه خلف صفوف المسلمين وهاجم مؤخرة الجيش، فتزعزع نظام الجيش ووقعت ثغرات نفذ منها الأعداء. (5) وفي هذه الأحداث استُشهد عبد الرحمن الغافقي مما كان نذيرًا بهزيمة المسلمين.(5)

واستمر القتال ليلًا وأحاط الفرنجة بالمسلمين من كل مكان وراحوا يحصدون المسلمين حصدًا، وصبر المسلمون على مدافعة العدو حتى أقبل الليل بظلامه، وتستر المسلمون بالليل، وتسللوا من المعركة تحت جُنحه، فلما أصْبَحَ الفرنجة لم يجدوهم، ووجدوا مغانم كثيرة خلفوها ورائهم.(1)

عاد شارل مارتل معتزًا بنصره وأخذ حكام الأندلس يحسبون لقوته ألف حساب، كما رُفع من شأنه لدى العالم المسيحي. وأيضًا وضعت هذه المعركة حدًّا للغزوات الإسلامية فيما وراء جبال البرتات. وقدرت خسائر المسلمين بعشرة آلاف جندي، ومن المسيحيين ألف جندي فقط. (4)

جديرٌ بالذكر أن المصادر العربية خلت من تفاصيل تلك المعركة؛ لذلك لم يبقَ متاحًا سوى المصادر الأوروبية والمسيحية الحافلة بالكثير من التفاصيل والأساطير أيضًا. (2)

 

إعداد: Reem Muhammed
تدقيق: Wael Yassir

المصادر:

(1) تاريخ المغرب والاندلس لنهلة أنيس محمد، ووصال حمدي إسماعيل.

شارك المقال:

فريق الإعداد

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي