«التُراثُ والثَقافةُ هُمَا الإلهامُ»
بهذا الفكرِ أسَّست مُصمِّمةُ المُجوهراتِ المصريَّة العالميَّة «عزَّة فهمي» إمبراطوريَّتَها التي استمرت على مدارِ خمسين عامًا؛ حيث استمدَّت من الحضاراتِ والتُراثِ والثقافةِ الشعبيَّة المصريَّة تصميماتٍ حوَّلتها إلى قطعٍ فنيَّةٍ من الحُلِيِّ مليئةً بالتفاصيل الُمبهرة والتي اتسمت بالأصالة والعراقة المصريَة الخالِصة.
تخرَّجت عزة فهمي في كليَّة الفنون الجميلة، وبدأت رحلتَها وشَغَفَهَا لتصميمِ المجوهرات من أروقة «خان الخليلي»؛ حيث سحرتْها التفاصيلُ الموجودةُ في العمارة الإسلاميَّة بشوارع القاهرة القديمة، وأمدَّتها بالإلهام لتصميم المجوهرات وتعلُّم صناعتها على يد أمهر حِرَفيِّ خان الخليلي لمدة سنوات، حتى أتقنتها تمامًا ومن بعدها بدأت الطريق لبناءِ علامتِها التجاريَّةِ المشهورة ليس عربيًا فقط؛ بل عالميًا أيضًا.(1)
«أحببتُ عَبْر تصاميمي أن أنْتصرَ للثقافةِ العربيَّةِ»
مصدر الإلهام
تصميمُ الحُلِيِّ بالنسبة لعزَّة فهمي لم يكن مجرد صناعة تصميمات للتزَيُّن؛ ولكن كلُّ قطعةٍ كانت عبارة عن عملٍ فنيِّ متقَن التفاصيل، كلُّ قطعة تحمل داخلها تاريخًا، وكل قطعة كانت تحكي روايةً، مما أعطى تصاميمها طابعًا مميزًا خاصًّا بها وجعلها مُتفرِّدة بذاتِها.
استمدت عزة فهمي تصميماتها من الحضارات المختلفة، بدايًة من الفن الفرعونيِّ، ومرورًا بالإسلاميِّ، وبالأخص الفن المملوكيِّ، والعثمانيِّ، وحتى الفن النوبيِّ، وأيضًا من التراث الشعبيِّ المصريِّ، ولم تكتفِ بالاستلهام من الحضارات القديمة؛ بل كانت تستخدم أبياتًا من الشِعْرِ العربيِّ، وأطلقت مجموعة كاملة باسم «جبران خليل جبران» مُستمدَّةً من كتابه «النبيّ»، كما أنها استخدمت جُملًا من الشعر الجاهليِّ لشعراء مثل: «عمرو بن أبي ربيعة،وامرؤ القيس، وعنترة بن شدَّاد»، وأيضًا صَمَّمت قطعًا عليها مقاطع من أغاني «أم كلثوم» ، كما أنها استخدمت الخطوط العربيَّة و الكاليجرافي بمختلفٍ أنواعِه.(2)
ولقد صممَّت قطعًا ذات طابعٍ مُعاصِر استلهمتها من خطوط التصميمات المعماريَّة الحديثةِ، ومجموعات مُستوحاة من صحراءِ مصرَ وواحاتِها، كما أنها صممت قطعًا مستخدمة بها موتيفات إيرانية تعود للقرن الـسابع عشر.
ولم تكتفِ المُصمِّمَة العالميَّة بالاستلهام من الحضارات الموجودة بمصر فقط؛ ولكنها بدأت رحلاتها للعديدِ من الدول مختلفة الثقافات مثل: الهند والمكسيك والعراق ولبنان وشمال إفريقيا، وهو ما نتج عنه مجموعات متنوعة من الحلي مستمدة من الثقافة الإفريقيَّة والأمازيغيَّة، وحتى الحضارة المنغوليَّة، وهذا ما أكسب أعمالُها تنوُّعًا كبيرًا.(3)
تتضمن المجموعات التي تطلقها المصممة: عقودًا، وأساور، وأقراطًا، وخواتم وأزرار، وكلها دَمجَت فيها خاماتٍ مختلفةً مثل: الذهب والفضة، وضمَّت مجموعاتها مختلف أنواع الأحجار الكريمة مثل: الياقوت الأحمر، والياقوت الأزرق، والألماس، والزمرد، والجمشت، والعقيق، والكوارتز والسفير. (4)
وتتنوَّع أحجامُ القطعِ التي تقوم بتصميمها لتتلائم مع طبيعة وذوق المرأة في أيِّ مكانٍ في العالم، فهي تصنع القطع الكبيرة لتناسب ذوق المرأة الشرقيَّة، وأيضًا القطع الصغيرة لتتناسب وذوق المرأة الغربيَّة.
تعتبر عزة فهمي أنّّ من أهم أسباب نجاح تصميماتها هي الدراسة المتعمِّقة للفن الذي يُلهمها، فهي تقوم بزياراتٍ مكثَّفةٍ للمتاحف والأماكن والشوارع الأثريَّة سواءً كانت في مصر أو خارجها؛ لتُغذِّي حصيلتها البصريَّة وتمتزج بروح الفن؛ لتنتج في النهاية قطعًا تحمل طابعًا معاصِرًا برؤية وأسلوب عزة فهمي وروح وفكر الفن والثقافة المستمدَّة مِنها.
لقد استخدمت عزة فهمي في تصميماتها جُملًا تُلهم من يرتديها، فهي ليست مجرد كلمات؛ وإنما هي فلسفة وفِكر وأيضًا رسائل اختارتها بعنايةٍ لتُضفي أثرًا على كلِّ من يرتدي القطعة ومن يراها على حدٍ سواء.
من أشهر الجمل التي استخدمتها المُصمِّمة في قطعها:(5)
- القَلبُ يَرى ما لا يَرى البصرُ.
- كُن جميلًا ترى الوجودَ جميلًا.
- لَستَ أمامَ عَيني؛ لَكِنك كُلّ ما أرَى.
- لقدْ جَمعَنا الحبُ، فَمن يُفَرِقُنا!
- وَلمْ تَكُن هِجْرَتي إلا مَني، وفيّ، وإليّ، فَلمْ يَكُن رحِيلي إلا بحْثًا عنِي.
- لا نَفْترِق.
- لو كان قلبي معى ما اخترتُ غيركم…ولا رضيتُ سِوَاكُم في الهَوى بدَلًا.
وأطلقت أيضًا المُصمِّمة مجموعة أسمتها: «سوما 2014»، والتي تنطوي كلُّ قطعةٍ فيها على جملةٍ من أغاني أم كلثوم، والتي تعتبر كرسالة لمن يرتديها، وضمَّت المجموعةُ: عقود، وسلاسل، وأقراط، وخواتم مكتوب عليها:
- هذه الدنيا ليالٍ أنتَ فيها العمرُ .. هذه الدنيا عيونٌ أنتَ فيها البصرُ.
- أنتَ عُمري.
- لك نصيب تبلغ مُناك و يّا الحبيب.
- أغدًا ألقاكَ!
- أنتَ يا جنةَ حُبِّى واشتياقي وجنوني.
حُلِيّ عزة فهمي في السينما
قامت عزة فهمي بتصميم حلي للأعمالِ السنيمائيَّةِ، وكانت بداياتها مع «سعاد حسني» في فيلم «شفيقة ومتولِّي»، ومن بعدها استعان بها الراحل «يوسُف شاهين»؛ لتصميمِ مجوهرات فيلميِّ: «المُهاجر، والمصير».(6)
كما كانت أعمالُها حاضرةً في العديدِ من حفلات الجوائز العالميَّة؛ حيث ارتدتها أشهرُ الفنانات العربيَّات والأجنبيَّات.
ولم يكن انتشار عزة فهمي في مصر والشرق الأوسط فقط، فمنذ افتتاحها فروعٍ بلندن ومن بعدها لوس أنجلوس، ثم دبي والعديد من المدن الأخرى؛ بدأ ظهور العلامة التجاريَّة في أسبوع الموضةِ في لندن ونيويورك، كما أنها اشتركت مع أشهر بيوت الأزياء العالمية وظهرت مجوهراتُها في الكثيرِ من عروض الأزياءِ.(7)
وتعاونت عزة فهمي مع «جوليان ماكدونالد، وثورنتون بريجازي»، و«ماثيو ويليامسون» مُصمِّم الأزياء والديكور البريطانيِّ؛ لتقديم تشكيلاتٍ صُمِّمت خصيصًا لتعرض داخل المتحف البريطانيِّ.(8)
أشهر مجموعات عزَّة فهمي
المجموعةُ المُستمدَّة من التُراثِ الفرعونيِّ:
تعتبرها المُصمِّمة من أصعب المجموعات التي قامت بالعمل عليها، ومن أهم المجموعات أيضًا، فقد أخذ منها ثماني سنوات لدراسة وفهم هذا الفن، وفي النهاية تنفيذ تلك المجموعة، وذلك إيمانًا منها بعظمة وتعقيد الفن الفرعونيِّ، والذي أخذت على عاتقها تصميم قطعًا له لا تقل عظمة عن قيمة هذا الفنِ العريقِ.(9)
ضمَّت المجموعة:
- الخرطوش الملكيُّ الفرعونيُّ، الذي جسَّدته عزة فهمي في هيئة خاتم يشعُ باللون الأزرق من الذهب والألماس.
- زهرة اللوتس المقدَّسة، وكان من أبرز القطع الأقراط التي تتدلَّى فيها زهرات اللوتس بتدُّرج بين أحجامِها.
- خاتم الجِعْران الفرعونيِّ الذهبيِّ، المُطعَّم بفصوص الألماس.
- قلادة «نخبت» الشهيرة والتي تعتبرها المصممة من أفضل القطع التي صمَّمتها.
المجموعة النوبية:
من أهمّ المجموعات التي صممتها عزة فهمي؛ حيث أنها سلَّطت الضوء على الحضارة النوبيَّة بكل تفاصيلها: من عمارةٍ وموتيفات وزخارف وأزياء وثقافة شعبيَّةٍ، وقامت بمزجهم معًا، وفي النهاية خرجت بتصاميم مُعاصرة تحمل الطابع النوبيَّ الأصيل.
«كنتُ فى رحلةٍ إلى الهند وهناك عثرتُ على مجموعةٍ من الفَيْروز القادم من منطقة التبت بأحجامٍ كبيرةٍ.. وقفز إلى مُخيِّلتى القرى النوبيَّة الرائعة المصنوعة من الفضة والذهب ورأيتُ بحيرة ناصر ونهر النيل المُتمثليْن فى قطع الفيروز»
عزة فهمي
المجموعة المَملوكيَّة:
هذه المجموعة مستمدَّة من العمارةِ الإسلاميَّة؛ حيث استخدمت المصممة الموتيفات الموجودة بمجموعة الناصر قلاوون، والخطوط والزخارف المُميَّزة للفن الإسلاميِّ في تلك الفترة، والتي تعتبرها من أثرى الفترات فنيًِّا في التاريخ الإسلامي.(10)
مدرسة عزة فهمي
لم يتوقف شغف عزة فهمي لتصميم الحُليّ عند مجرد افتتاح المزيد من أفرع علامتها التجارية في مصرَ وأنحاء العالم؛ بل قامت بإنشاء مدرسةٍ أسمتها: «استوديو عزة فهمي للتصميم» وهي المدرسة الأولى من نوعها في الوطن العربيِّ حيث يتم فيها تدريس كلِّ ما يحتاجه الشخص ليصبحَ مصمم حُليّ ناجحًا، ويملك بصمته الخاصة في هذا المجال. (11)
كما ألّفت عزة فهمي كتابًا أسمته: (Enchanted jewelry of Egypt: The traditional Art and craft)
«لتخليدِ التاريخ البعض يؤلف كتُبًا، وآخرون يلتقطون الصور؛ ولكنَّنا نصمِّم المجوهرات»
عزة فهمي
بهذه الكلمات يمكنُ تلخيص فلسفة عزة فهمي التي قادتها لجعل علامتِها التجارية اسمًا مُستمرًا لمدة خمسين عامًا، أعطت فيهم لصناعة المجوهرات المصريَّة رؤيةً ومنظورًا خاصًّا بها، مستمدًّا من شرقيَّتها ومصريَّتها، والتي أخذتها للعالميَّة، ولم تتنازل عنها يومًا؛ بل كانت تلك هي البصمة التي تركتها قِطعِها الفنيَّة داخل كلِّ شخصٍ رأها، داخل مِصرَ وخارجِها.
المصادر
1- https://wamda-prod.s3.amazonaws.com/resource-url/bb54913fd0a8bfb.pdf
2- https://www.youtube.com/watch?v=E7V9npj3bSc
3- https://www.azzafahmy.com/me/gemstone-glossary
4- https://www.youtube.com/watch?v=EDVT97uhRHA
5- https://www.azzafahmy.com/us/catalogsearch/result/?q=+Caligraphy+necklace
6- https://www.youtube.com/watch?v=ibIrY14MoOs&t=101s
7-https://www.youtube.com/watch?v=9A9NnX3wK0w
8- http://www.thejewelleryeditor.com/jewellery/article/azza-fahmy-for-matthew-williamson/
9- https://www.azzafahmy.com/us/catalogsearch/result/?q=+Pharaonic+collection
10- https://www.azzafahmy.com/eu/collections/mamluk-collection
11- https://www.youtube.com/watch?v=f-SEMrKyzX0