المحافظون الجدد هي حركة سياسية، تؤمن بتعزيز الديمقراطية واستخدام القوة العسكرية في فرض السلام، وتتبنى الفكر المناهض للشيوعية والراديكالية السياسية. وُلِدت الحركة في الولايات المتحدة خلال الستينيات بين (الصقور الليبراليين-Liberal Hawks)،(1) الذين أصبحوا محبطين من السياسة الخارجية السلمية للحزب الديمقراطي.(2)
أصبح العديد من المحافظين الجدد مؤثرين سياسيًّا خلال الإدارات الرئاسية في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبلغ نفوذهم ذروته خلال إدارة جورج دبليو بوش، عندما لعبوا دورًا رئيسًا في الترويج والتخطيط لغزو العراق عام 2003 وكذلك غزو أفغانستان.
ومن بين أبرز الشخصيات التي تنتمي إلى المحافظين الجدد في إدارة جورج بوش الإبن كلٌ من بول ولفويتس وإليوت أبرامز وكذلك، ريتشارد بيرل وبول بريمر، بالإضافة إلى كبار المسؤولين في إدارة بوش؛ نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، على الرغم من أن البعض لا يصنفهم من المحافظين الجدد، فإنهم استمعوا عن كثب إلى مستشاري المحافظين الجدد وذلك في ما يرتبط بالسياسة الخارجية، وبالأخص الدفاع عن إسرائيل وكذلك تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.(3)
المحافظون الجدد من الخمسينيات وحتى التسعينيات
خلال الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، دعم المحافظون الجدد حركة الحقوق المدنية والدمج العرقي ومارتن لوثر كينج. وخلال تلك الفترة، كان هناك تأييد عام بين الليبراليين للتدخل العسكري لمنع انتصار الشيوعية في فيتنام.(4)
ناهض المحافظون الجدد الحرب الباردة ومجلة “السياسة الجديدة” لليسار الأمريكي الجديد، التي قال نورمان بودوريتز إنها قريبة جدًا من حركات “الثقافة المضادة”(5) وغير مندمجة مع القضايا التي تهم السكان، وكذلك البلاك باور، التي اتهمت الليبراليين البيض ويهود الشمال بدعم الاستعمار الاستيطاني في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي اعتبرها بعضٌ حركةً معادية للسامية. وأيضًا حركة معارضة “معاداة الشيوعية”، التي ظهرت خلال أواخر الستينيات وكانت تؤيد السياسة الماركسية اللينينية.(6)
حرر إيرفينغ كريستول مجلة (بابليك إنترست-Public Interest) في الفترة بين 1965 و2005، وضمت اقتصاديين وساسة بارزين، وأكدت أن التخطيط الحكومي الليبرالي أدى إلى نتائج أضرت المصالح الأمريكية، حيث أصيب العديد من الشخصيات السياسية من المحافظين الجدد بخيبة أمل من السياسيين والمثقفين الديمقراطيين، مثل دانيال باتريك موينيهان، الذي عمل في إدارتي نيكسون وفورد، وجين كيركباتريك، التي عملت كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في إدارة ريجان.(7)
في الأصل، كان عددٌ كبير من المنتمين إلى المحافظين الجدد يمكن اعتبارهم اشتراكيين معتدلين يمكن تصنيفهم ضمن الجناح اليميني داخل الحزب الاشتراكي الأمريكي (SP) والحزب الذي خلفه حزب الاشتراكيين الديمقراطيين (SDUSA). كان لدى ماكس شاختمان فصيلٌ من المؤيدين بين الاشتراكيين الديمقراطيين الذين لديهم روابط قوية مع جورج ميني، وهو أحد المؤسسين للاتحاد الأمريكي للعمل وكونغرس المنظمات الصناعية.(8)
وفيما بعد، قاد الفصيل الذي أيد ماكس شاختمان، الحزب الاشتراكي الأمريكي إلى أن يعارض فكرة الانسحاب الأمريكي من حرب فيتنام، ومعارضة ترشح جورج ماكغفرن في السباق التمهيدي للحزب الديمقراطي.
كما اختار هذا الفصيل التوقف عن بناء حزبهم والتركيز على العمل داخل الحزب الديمقراطي، والتأثير عليه من خلال مجلس القيادة الديمقراطية، وهي عبارة عن مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1985 نادت بأن الحزب الديمقراطي يجب أن يبتعد عن المنعطف اليساري الذي اتخذه في أواخر الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
في النهاية، حُلَّ الحزب الاشتراكي عام 1972، وظهر الاشتراكيون الديمقراطيون في نفس العام، وفيما بعد انسحب معظم المنتمين للحزب، بقيادة مايكل هارينجتون، ومن بينهم القادة المرتبطين بالمحافظين الجدد كارل غيرشمان، وبن كيمبل، وجوشوا مورافشيك، وبايارد رستن.(9)
خلال التسعينيات، عارض المحافظون الجدد مرة أخرى مؤسسة السياسة الخارجية، سواء خلال الإدارة الجمهورية للرئيس جورج بوش الأب أو خلال إدارة خليفته الديمقراطي الرئيس بيل كلينتون. واتهم العديد من النقاد المحافظين الجدد بأنهم فقدوا نفوذهم نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي.(10) بعد قرار جورج بوش الأب بترك صدام حسين في السلطة بعد حرب العراق الأولى خلال عام 1991 اعتبر العديد من المحافظين الجدد هذه السياسة وقرار عدم تأييد الجماعات المحلية المنشقة مثل الأكراد والشيعة في مقاومتهم لصدام حسين في 1991-1992 خيانة للمبادئ الديمقراطية.(11)
أصبح بعض هؤلاء الأشخاص المستهدفين من النقد فيما بعد مؤيدي سياسات المحافظين الجدد. فبعد سنوات قليلة من حرب العراق 1991، كان هناك العديد من المحافظين الجدد يؤيدون الإطاحة بصدام حسين، لذلك، في 19 فبراير 1998 نُشِرَت رسالةٌ إلى الرئيس كلينتون مُوقَّعة من قبل العشرات من النقاد والعديد منهم من المحافظين الجدد والجماعات ذات الصلة تحث على اتخاذ إجراءات حاسمة للإطاحة بصدام من السلطة.(12)
كان المحافظون الجدد أيضًا أعضاء في ما يسمى بـ”الفريق الأزرق”، الذي دعا إلى سياسة المواجهة تجاه الصين الشعبية وإلى تأييد عسكري ودبلوماسي قوي لتايوان. وخلال أواخر التسعينيات، بدأ إرفنج كريستول وكتاب آخرون في مجلات المحافظين الجدد الترويج للآراء المعادية للداروينية وتأييد نظرية “التصميم الذكي”.(13) ونظرًا لأن هؤلاء المحافظين الجدد كانوا إلى حد كبير من أصل علماني، فقد تكهن عدد قليل من المعلقين بأن هذا ربما كان “كذبة نبيلة” لجذب المتدينين.(14)
المحافظون الجدد أثناء إدارة جورج بوش الإبن
لم تُظهر حملة بوش الابن الانتخابية وإدارته في ما بعد تأييدًا قويًا لمبادئ المحافظين الجدد. ونادى بوش أثناء حملته الانتخابية بسياسة خارجية مقيدة، مشيرًا إلى معارضته لفكرة بناء الأمة، التي تعني إنشاء الهوية القومية وهيكلتها اعتمادًا على سلطات الدولة،(15) ومعارضته لأسلوب المواجهة مع الصين. في بداية فترة جورج دبليو بوش الرئاسية الأولى انتقده بعض المحافظين الجدد لأن إدارته لا تدعم إسرائيل بشكل كافٍ، ورأوا في سياسات بوش الخارجية أنها لا تختلف كثيرًا عن سياسات الرئيس بيل كلينتون.
ولكن، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، نجد أن سياسات بوش تغيرت بشكل كبير، فخلال خطاب الاتحاد في يناير 2002 سمى بوش العراق وإيران وكوريا الشمالية بـ”محور الشر” وأنهم يشكلون خطرًا جسيمًا ومتزايدًا. وأشار إلى إمكانية شن حرب استباقية، حيث قال:
“لن أنتظر الأحداث بينما الأخطار تتجمع من حولنا. لن نقف مكتوفي الأيدي، فالخطر يقترب أكثر فأكثر. ولن نسمح لأخطر الأنظمة في العالم بأن تهددنا بأكثر أسلحة العالم تدميرًا”.(16)
بعد حرب العراق، انتقدت بعض الشخصيات في الدفاع والأمن القومي المحافظين الجدد لدورهم في حمل الولايات المتحدة على خوض هذه الحرب.(17) فنجد مثلًا السناتور الجمهوري السابق عن ولاية نبراسكا ووزير الدفاع تشاك هيجل ينتقد تبني إدارة بوش أيديولوجية المحافظين الجدد في كتابه “America: Our Next Chapter”، قائلًا:
“لماذا غزونا العراق؟ أعتقد أن الذي دفع الولايات المتحدة إلى هذه الحرب هو انتصار المحافظين الجدد وكذلك غطرسة إدارة بوش. من الواضح أنهم قدموا حجة مقنعة لرئيس يتمتع بخبرة محدودة للغاية في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية، الذي شعر بعبء قيادة الأمة في أعقاب أعنف هجوم إرهابي على الإطلاق على الأراضي الأمريكية”.
المحافظون الجدد وعقيدة بوش
ذُكِرت عقيدة بوش للحرب الاستباقية صراحةً في “استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة”، التي نشرها مجلس الأمن القومي (NSC) في 20 سبتمبر 2002، في النص التالي:
“يجب علينا ردع التهديد والدفاع ضده قبل إطلاقه. وأنه حتى لو استمر عدم يقين الولايات المتحدة بوقت ومكان الهجوم الذي يخطط له العدو، يجب علينا التصرف، إذا لزم الأمر، بشكل استباقي”.(18)
وقد اُختير استخدام كلمة “استباقي” بدلًا من كلمة “وقائي” لأنه غالبًا ما يُنظر إلى الحرب الوقائية على أنها حربٌ غير مشروعة.(19) وقد لاحظ محللو السياسة أن عقيدة بوش -كما وردت في وثيقة مجلس الأمن القومي لعام 2002- لها تشابه قوي مع التوصيات المقدمة في مسودة توجيه التخطيط الدفاعي التي كتبها بول ولفويتس خلال عام 1992 أثناء إدارة بوش الأب.(20)
استقبل المحافظون الجدد عقيدة بوش بكثير من الترحاب. عندما سُئِل ماكس بوت، وهو كاتب ومؤرخ عسكري روسي أمريكي، عما إذا كان يتفق مع عقيدة بوش أم لا، قال:
“أعتقد أن بوش محقٌ تمامًا في القول إننا لا نستطيع الجلوس وانتظار الضربة الإرهابية التالية على مانهاتن. علينا أن نخرج لنوقِف الإرهابيين في الخارج. علينا أن نلعب دور الشرطي العالمي”.(21)
المحافظون الجدد وانتخابات 2008
أيد جون ماكين، الذي كان المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008، استمرار حرب العراق الثانية، حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن وجهات نظر ماكين في السياسة الخارجية جمعت بين أفكار المحافظين الجدد والبراجماتية:
“من بين مستشاري ماكين العديد من المحافظين الجدد البارزين، ومنهم روبرت كاغان وماكس بوت”.(22)
أثناء حملته للترشح عن الحزب الديمقراطي في 2008، هاجم باراك أوباما خصومه، خاصةً هيلاري كلينتون التي أيدت سياسات بوش الابن في حرب العراق. وفيما بعد؛ احتفظ أوباما في إدارته على مجموعة من المسؤولين العسكريين البارزين في إدارة بوش، ومنهم روبرت غيتس وديفيد بتريوس.
بحلول عام 2010، تحولت القوات الأمريكية من الدور القتالي في العراق إلى الدور التدريبي وغادرت في عام 2011. وأثناء إدارة أوباما، كان للمحافظين الجدد تأثير ضئيل، ومنذ صعود حركة حزب الشاي، فقد المحافظون الجدد الكثير من نفوذهم داخل الحزب الجمهوري.
لعب العديد من المحافظين الجدد دورًا رئيسًا في حركة “أوقفوا ترامب” عام 2016، التي عارضت ترشيح دونالد ترامب للرئاسة، بسبب انتقاداته للسياسات الخارجية التدخلية، فضلًا عن تصورهم له باعتباره شخصية “استبدادية”.(23) ومنذ تولي ترامب منصبه، انضم بعض المحافظين الجدد إلى إدارته، مثل إليوت أبرامز.(24) ودعم المحافظون الجدد نهجَ إدارة ترامب في بعض القضايا مثل سياسته الخارجية تجاه إيران وفنزويلا، بينما عارضوا انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وتواصل إدارة ترامب الدبلوماسي مع كوريا الشمالية.
منتقدو المحافظين الجدد
يُنتَقد المحافظون الجدد لدعمهم للسياسة الخارجية التدخلية وعدم اهتمامهم بالإجماع الدولي من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة.(25) ويهاجمونهم بسبب الدور الذي تلعبه إسرائيل في الشرق الأوسط بسبب سياستهم. ويرد المحافظون الجدد على ذلك بأن الأمن القومي يُحقق من خلال الترويج للحرية والديمقراطية، واستخدام القوة العسكرية في بعض الحالات لفرضهم. وبمناسبة الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر،انتقد بول كروغمان في عمود بعنوان “سنوات العار” المحافظين الجدد لأنهم تسببوا في حرب ليس لها علاقة بهجمات 11 سبتمبر.(26)
صرح جون ماكجوان، أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة نورث كارولينا، بعد مراجعة مكثفة لأدب ونظريات المحافظين الجدد، أن المحافظين الجدد يحاولون بناء إمبراطورية أمريكية يُنظر إليها على أنها خليفة للإمبراطورية البريطانية، وهدفها هو إدامة “الاستثنائية الأمريكية“. ويرى أنه نظرًا لأن وسائل الإعلام الأمريكية تعتبر الإمبريالية أمرًا غير مقبولٍ، فإن المحافظين الجدد لا يعبرون عن أفكارهم وأهدافهم بطريقة صريحة في خطابهم العام.(27)