من الأشياء التي لن يتوقف البشر عن فعلها، هي البحث عن هويتنا، ومن أين أتينا، ولماذا نحن هنا؟ هذه الأسئلة ليس من السهل الإجابة عنها، ولكن العلم جاء بدوره هنا ليطرح المزيد منها، وهو متى بدأ الكون، أو كم يبلغ عٌمر الكون الذى نحن جزء منه؟
وفقًا للأبحاث والدراسات الأخيرة، تمَّ تقدير عمر الكون بحوالي 13.8 مليار سنة، وهى الفترة التي بدأ فيها الانفجار العظيم، ولكي يتم حساب ذلك الرقم، قام العلماء بالاعتماد على طريقتين أثناء إجراء هذه الحسابات التقديرية. الطريقة الأولى: كانت عن طريق معرفة أعمار أقدم الأجسام الموجودة في الكون، وتلك هي الطريقة البديهية؛ لأن الكون لن يكون أصغر من أي شيء بداخله. أما الطريقة الثانية: هي معرفة مدى سرعة اتساع الكون. [1]
النجوم الأولية وأعمارها الكبيرة
كما ذكرنا في المقدمة أنَّ الكون لا يمكن أن يكون أقدم من الأجسام التي بداخله؛ فبحساب أعمار أقدم النجوم وجودًا يستطيع العلماء وضع حدود لعمر كوننا العظيم. ولكي نستطيع معرفة أعمار النجوم يجب علينا دراستها، ومعرفة تكوينها، وكيف تكون دورة الحياة الخاصة بها، وتأثيرها على ما حولها. [1]
تعتمد دورة حياة النجوم على كتلتها في الفضاء، فكلما كان النجم ذو كتلة كبيرة كلما استنفذ طاقته بشكل أسرع عن غيره من النجوم ذات الكتلة الصغيرة. فعلى سبيل المثال، يمكن لنجم ذي كتلة تساوي عشرة أضعاف كتلة الشمس أن يحترق وينفذ وقوده في خلال 20 مليون سنة، بينما لنجمِ آخر تساوى كتلته نصف كتلة الشمس، أن ينفذ وقوده بعد أكثر من 20 مليار سنة. تُؤثر كتلة النجوم أيضًا على درجة سطوعها، وشدة لمعانها، فأكثر النجوم لمعانًا هي أكثرها كثافة (3)(1).
مع كثرة وجود النجوم منذ نشأة الكون، بدأ العلماء في عام 1940م بتصنيف النجوم إلى مجموعات، حيث سميت المجموعة الواحدة بجمهرة النجوم – Stellar Population، وهو مصطلح يشير إلى مجموعة من النجوم داخل المجرة، تشبه بعضها البعض في التوزيع المكاني، والتركيب الكيميائي والمعدني ولها نفس العمر تقريبًا (5). يوجد من تلك التصنيفات ثلاثة أقسام:
- جمهرة النجوم الأولي – Population I Stars: وهي النجوم الشابة ذات النشأة الحديثة والغنية بالمعادن (6).
- جمهرة النجوم الثانية – Population II Stars: وهي النجوم ذات التركيبات المعدنية المنخفضة وذات كثافة أعلى ولمعانًا أقل من المجموعة الأولى، وتتمركز أكثر ضمن الحشود الكروية أو بالقرب من نواة المجرة (7).
- جمهرة النجوم الثالثة – Population III Stars: وهذه المجموعة التي أضيفت حديثًا تُعرف بالنجوم الأولية وهي النجوم الأقدم عمرًا، والأكبر حجمًا وكثافةً وتعرف باسم النجوم الأولية (8).
كانت النجوم الأولية في غاية الضخامة ولها حياة زمنية قصيرة جدًا، وكانت لا تحتوي الا على عناصر الهيدروجين والهيليوم وكميات قليلة من الليثيوم والبريليوم. ولكن مع بداية انصهار تلك النجوم وانفجارها، بدأ تكوين المواد الأساسية التي ساعدت في ولادة الجيل القادم من النجوم، حيث شكلت النجوم الأولية لغزًا، قد بدأ العلماء بالتنقيب وراءه والبحث فيه منذ عشرات السنين (8).
قال عالم الفلك دافيد سوبرال:
«تلك النجوم هي التي كونت الذرات الثقيلة الأولى وسمحت لنا بالوجود هنا الآن.»
سوبرال هو أحد افراد الطاقم الذي اكتشف المجرة اللامعة CR7، والتي تعد أحد الأدلة على وجود جمهرة النجوم الثالثة، أو النجوم الأولية (4).
العناقيد النجمية المنغلقة
اتضح للعلماء أيضًا أن النجوم الأولية هي ليست المفتاح الوحيد لوضع حدود لعمر الكون، لكن يوجد أيضا حشود كثيفة من النجوم ذات خصائص مشابهة للنجوم الأولية، سُميت تلك الحشود بالعناقيد النجمية المنغلقة –Globular Clusters، وهي نوع من التجمعات النجمية تتميز بشكل كروي ومستدير، حيث تكون النجوم متراصة بداخلها على هذا النحو، وعلى إثر هذه التسمية يعد هذا النوع من التجمع النجمي من أكبر وأضخم التجمعات النجمية (10). وقد وُجد في أقدم عنقود منغلق معروف حتى الآن نجوم تتراوح أعمارها بين ال 11 وال 14 مليار سنة (9).
هذا الفارق العمري الواسع نتج عن مشاكل في تحديد المسافات الدقيقة عن هذه التجمعات، والتي أثرت على حسابات دقة لمعان تلك النجوم، وأيضًا حسابات الكتل الخاصة بها؛ لذلك إذا كانت تلك التجمعات أبعد مما تمَّ حسابه، فإنَّ تلك النجوم كانت أكثر لمعانًا وأكثر ضخامةً وأصغر عمرًا.
قالت اندريا كوندر أستاذة الفيزياء وعلم الفلك بجامعة سانت مارتن بكاليفورنيا:
«يوجد حوالي 150 تجمع نجمي منغلق في مجرتنا درب التبانة، وكل منهم يعد مصدرًا مهمًا لدراسة خصائص مجرتنا، ومعرفة الكثير عنها. وهذا النهج في الدراسة والتحليل، ما يتًّبِعه علماء الآثار في إعادة بناء تاريخ كوكب الأرض، عن طريق دراسة الحفريات القديمة، وهكذا يدرس علماء الفلك التجمعات النجمية وأعمار نجومها؛ لإعادة تصور وبناء تاريخ الكون.»
نصل هنا إلى أنَّ مبدأ الشك يقع في نطاق أنَّ الكون على أقل تقدير يبلغ عمره 11 مليار سنة، ومن المحتمل أن يكون أكبر، لكن ليس أصغر من ذلك.
اتساع الكون
الكون الذي نعيش فيه ليس مسطحًا ساكنًا بل يتوسع باستمرار (11). وعلى إثر هذا الاكتشاف كان أمرًا حتميًا على العلماء أن يكتشفوا طريقة حساب معدل توسع الكون؛ فإذا كان معدل هذا الاتساع معروفًا سيستطيع العلماء العمل والبحث بطريقة عكسية لتحديد عمر الكون، كما يعمل ضباط شرطة الأبحاث الجنائية في تحديد الظروف التي بدأت منها الحوادث المرورية؛ لذلك يعد اكتشاف هذا المعدل، هو المفتاح الذي يتيح لنا معرفة عمر الكون.
بدأ العلماء رحلتهم في البحث عن طريقة لحساب هذا المعدل، والذي جاء به أولًا عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل في عام 1920م، حيث وضح في بحثه أنَّ كل مجرات الكون تتحرك بعيدًا عن كوكبنا، وأنَّه كلما تم ملاحظة مجرةً ما بعيدة عنا، كلما كانت تلك المجرة تُسارع بالابتعاد، ومن هنا جاء قانون هابل، والذي يوضح العلاقة ما بين سرعة ابتعاد المجرات عن كوكبنا، والمسافة التي تكمن بيننا وبين تلك المجرات. وبناءً على هذا القانون وعلى المعطيات التي بين يديِّ هابل، استطاع تحديد حساب أولي لمعدل اتساع الكون بتقدير 501 كيلومتر في الثانية الواحدة لكل فرسخ فلكي -الفرسخ الفلكي يساوي 3.26 مليون سنة ضوئية- سُمي هذا الرقم بثابت هابل.
ظل هذا الرقم تحت البحث والتعديل، نظرًا لاكتشافات جديدة مع الوقت، وطرق حسابات تحتوي على عوامل جديدة في طريقة الحساب، الى أن وصل العلماء الفلك إلى استنتاجهم الأخير في منتصف عام 2019م بأن ثابت هابل يساوى 69.8 كيلومتر في الثانية لكل فرسخ فلكي، أي انه إذا كانت هناك مجرة تبعد عن مجرتنا حوالي 3.26 مليون سنة ضوئية، فأنها تتحرك بعيدًا عنا بسرعة 69.8 مليون كيلومتر في الثانية (12).
يوجد عوامل كثيرة ضرورية لطريقة حساب ثابت هابل، منها معرفة المادة التي يتكون منها فراغ الكون، والتي تؤدي العلماء إلى اكتشاف والبحث عن المادة المظلمة، والطاقة المظلمة. وتأتى أيضًا كثافة الكون كعامل أساسي في طريقة حساب ثابت هابل.
لكي يستطيع العلماء تحديد كثافة الكون وتكوينه اعتمدوا على مهمة ناسا التي أطلقت مسبار ويلكنسون لقياس الأشعة الكونية، ومركبة بلانك التابعة للوكالة الأوروبية لأبحاث الفضاء، وهما مركبتان مخصصتان لقياس الأشعة الكونية المتناثرة والناتجة من بداية الكون. استطاع العلماء أثناء مهمات تلك المركبات قياس الإشعاع الحراري الناتج عن الانفجار الكبير، والذي نتج عنه معرفة كثافة الكون وتكوينه ومدي سرعة تمدده، وعُرِفت تلك الأشعة لاحقًا باسم الخلفية الكونية الميكروية –Cosmic Microwave Background.
في عام 2012م استطاع مسبار ناسا بتقدير عمر الكون بحوالي 13.772 مليار سنة مع نسبة من الشك تساوي 59 مليون سنة، حتى جاءت مركبة بلانك في عام 2013م، وقدرت عمر الكون بحوالي 13.82 مليار سنة. تعتبر تلك المقاييس مشتركة في قيمة الحد الأدنى لعمر الكون، والذي يقدر بحوالي 11 مليار سنة، والذي تم قياسه بناءً على ما تمَّ دراسته على النجوم القديمة، التي تقع في العناقيد النجمية المنغلقة، وتشترك أيضًا في نسبة الشك المطروحة بالنسبة لعمر الكون.
أرقام كبيرة ليس بمقدور الإنسان استيعابها، ولا على سبيل التخيل، لكن ليس بيد الجنس البشري إلا استخدام العلم في اكتشاف كل الأسرار المحيطة به، لمعرفة ما حدث وما سيحدث، والاستعداد لما يمكن أن يحدث، والتشبث بكل سبل المعرفة؛ لأنها مفاتيح البقاء.