من قمَّةٍ يبلغ ارتفاعها 13 ألف قدم في جبال الأنديز في جنوب بيرو، تُحدِّق شرقًا أحد أكثر المناطق الخضراء على الكوكب، وهي الغابة المطيرة الكثيفة في حوض الأمازون(1). تُمثِّل منطقة الأمازون نصف غابات العالم المطيرة، وتُعد موطنًا لثُلث أنواع الأرض، حوالي ثلاثة ملايين نوع من النباتات والحيوانات ومليون شخص من السكان الأصليّين؛ ومع ذلك فإن الأمازون لديها واحدة من أعلى معدلات إزالة الغابات حيث تُعتبَر الزراعة واحدة من أكبر المصادر وأكثرها ديناميكيّة في الاقتصاد البرازيليّ(2)(3).
إن حوض الأمازون ليس فقط موطنًا لمليون شخص وثلاثة ملايين نوع من الكائنات البريّة بل يلعب دورًا مهمًا في تنظيم انبعاثات الكربون. تُعتبر حرائق الغابات المطيرة شائعةً خلال موسم الجفاف من يوليو إلى أكتوبر. والتي قد يكون أحد أسبابها ظواهرَ طبيعيّة؛ مثل ضربات الصواعق، أو بسبب قيام بعض الأشخاص بتجريف الأراضي للاستخدامات التجاريّة. وفي ظلِّ الحرائق الأخيرة في منطقة الأمازون، تفشل الغابات المطيرة في امتصاص أطنان من ثاني أكسيد الكربون كما أنها تُطلِق أول أكسيد الكربون، الذي ينتج عندما يتمُّ حرق الأخشاب مع وجود نقصٍ في الأكسجين. وتُشير الدراسات إلى أن غابات الأمازون المطيرة أصدرت أكثر من 228 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون هذا العام، هذا المعدل الأعلى منذ عام 2010(8).
يقول مالهي من جامعة أكسفورد:
«إن التغييرات الصغيرة في المناطق الاستوائيّة يمكن أن يكون لها تداعيات هائلة على نظام الأرض بأكمله».
إن التغيُّرات التي تطرأ على معدل هطول الأمطار في المناطق الاستوائية تبدأ سلسلة من التغيرات في شمال أمريكا، أوروبا ووسط أسيا في هذا المعدل. فـعلى سبيل المثال، في البيوت الزجاجية يتم امتصاص الغازات الدفيئة وتُخزَّن ككتلة حيويّة في جذوع الأشجار الاستوائية وأطرافها وجذورها. كذلك المياه التي يتم سحبها من المحيطات عبر الأشجار ثم تغادرها كقطرات ماء مفقودة بالنتح؛ تساهم بتشكُّل الغيوم في الغلاف الجوي، وتساعد في تبريد جو الأرض أو هطول الأمطار(1).
وبالتالي في حال تدهور مناطق الغابات الاستوائية، فإنه من المُتوقَّع بأن ينخفض معدل امتصاص الغازات الدفيئة والسحب المتكوّنة. وفي ظل هذا السيناريو، يمكن أن يتسارع معدل الاحتباس الحراري العالمي، الأمر الذي يخشاه العلماء أن يؤدي انخفاض معدل هطول الأمطار إلى صعوبة تأقلُم المحاصيل الزراعية مع الإجهادات المناخية المُتسارِعة وانخفاض الغلَّة الناتجة في ظل التزايُد السكاني المتسارع (1).
غابات الأمازون والاحتباس الحراري
تُعتبر الأمازون منطقة حيوية في مكافحة الاحتباس الحراري وذلك بسبب قدرتها على استيعاب وامتصاص الكربون من الهواء(4). وتشير الدراسة التي قام بها فريق بحثي في جامعة أدنبرغ، إلى أن إزالة الغابات في الأمازون أدى إلى زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون حوالي 1.5% منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن(6). كما شهدت غابات الأمازون المطيرة في البرازيل قفزة هائلة في عدد الحرائق هذا العام، حسبما تشير بيانات وكالة الفضاء(3). وخلال شهر يونيو 2019، أعلن المعهد الوطني لأبحاث الفضاء (INPE) حسب بياناته الفضائية زيادة معدل إزالة الغابات بنسبة 84% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي(5).
ومن هنا، قامتْ مجموعة دولية من العلماء، والتي تُعرف باسم مجموعة جبال الأنديز للتنوُّع البيولوجي وبحوث النظم الإيكولوجيّة، برسمٍ تفصيليّ لواحدة من أكبر الشبكات الحقليّة من نوعها وذلك للقيام بدراسة شاملة لتغيُّر المناخ على منطقة حوض الأمازون(1).
رئة الكوكب
وغالبًا ما يُشار إلي غابات الامازون على أنها “رئتي كوكب الأرض”، حيث إن أكثر من 20% من الأكسجين في العالم يتم انتاجه هناك (وهو اعتقادٌ خاطئ يتم تناقلُه على نطاق واسع)(7).
وقد عرض العديد من العلماء تقديراتٍ أكثر دقة لنسبة الأكسجين التي تنتج في الأمازون، وأكَّد العديد من الأكاديميين المختصين بأن هذا الرقم لا يزيد عن 10%. يقول مالهي من جامعة أكسفورد في تجربة أجراها بناءً على معطيات دراسة بحثية أُجريت في 2010 لتقدير كمية الأكسجين التي تطلقها غابات الأمازون بأن الغابات الاستوائية على مستوى العالم مسؤولة عن حوالي 34% من التمثيل الضوئي الذي يحدث على الأرض. واستنادًا إلى حجم غابات الأمازون، فأنها سوف تكون مسؤولة عن نصف ذلك. مما يعنى بأن الأمازون يولِّد حوالي 16% من الأكسجين على الأرض. ويمكن تقليص تلك النسبة إلى 9% مع مراعاة نسبة الأكسجين التي تنتجها العوالق في المحيط. بالإضافة إلى عملية التنفس الخلوي والتي تقوم بها الأشجار وفيها تمتص الأكسجين لتحوِّل السكريات إلى طاقة خلال فترات الليل، وبالتالي فإن الأشجار والنباتات تُعتبَر “مُستهلِكًا للأكسجين”(7)(9).
وبالتالي فإن غابات الأمازون، على المدى البعيد، تمتص نفس كمية الأكسجين التي تنتجها، الباقي من هذه النسبة يتم استهلاكه من قبل الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في منطة الأمازون والتي تستخدمه في تحليل المادة العضوية، مما يجعل إجمالي الناتج الصافي صفرًا(9).
تأثُّر الأنواع الحيّة بالتغيُّرات المناخيّة في منطقة الأمازون
ويقول كين فيلي، عالم الأحياء الاستوائيّة من جامعة فلوريدا الدوليّة في ميامي:
“معظم الأنواع الحيّة في منطقة الأمازون لن تكون قادرة على تحمل تغيُّر المناخ، والذى يحدث بسرعة كبيرة نسبيًا“.
تؤكّد الدراسات التي أجراها الباحثون من جامعة إدنبرة أن تدمير مناطق كبيرة من الأمازون له أثرٌ كبير على التنوع البيولوجي في الغابات المطيرة، كما يمكن أن يؤدي إلى فقدان العديد من أنواع الحيوانات والنباتات(6).
وفقًا لعقدٍ من الأبحاث التي أجراها فيلي وزملاؤه، بما في ذلك عالم الأحياء الاستوائية مايلز سيلمان من جامعة ويك فروست، فإن الأنواع الاستوائية تهاجر بشكل قسري في محاولةٍ منها للفرار إلى منطقة مناخية موائمة لدعم وجودها، ومع ذلك فإنها لا تتحرك بسرعة كافية. على سبيل المثال، وجدوا بأن أشجار الأنديز الاستوائية تتحرَّك من 8 إلى 12 قدمًا رأسيًا (من 2.5 إلى 3.5 متر) بشكل سنويّ. ولكن حتى تظل تلك الأشجار في حالة توازن مع درجات الحرارة المفضَّلة لديها، فإنها تحتاج أن تتحرَّك بأكثر من 20 قدمًا رأسيًا سنويًا(1).
وقال سيلمان:
«إننا ننظر إلى ما تفعله مجموعات كاملة من هذه الأنواع استجابة لتغيُّر المناخ. إنه مذهل وسريع إلى حدٍّ ما، ولكنها قد لا تكون سريعةً بما فيه الكفاية»(1).
يقول الدكتور كايل ديكستر، من جامعة إدنبرة:
«إن تأثير تغير المناخ على مناطق الغابات له عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي للغابات المطيرة، بحيث تكون الأنواع الحساسة للجفاف وارتفاع درجات الحرارة مُعرَّضة للخطر بشكلٍ مُضاعَف، وبذلك تكون أكثر عرضة للانقراض إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه». كما أضاف: «إن النتائج التي توصَّلنا إليها تسلط الضوء على الحاجة إلى تدابير صارمة لحماية الغابات المطيرة القائمة. حيث إنه من المعروف أن إزالة الغابات تزيد من حدة الجفاف في المنطقة، وبالتالي إلى تفاقُم الآثار الناجمة بالفعل عن تغيُّر المناخ العالميّ»(3).
إزالة غابات الأمازون يؤدي إلى فقدان المجتمعات الميكروبيّة
لقد لاحظ نوسلاين، الخبير في دراسة مجتمعات التربة الميكروبية للغابات الاستوائية المطيرة،
وعلى مدى أربع سنوات من الأبحاث على تربة الغابات الاستوائية بعد تحويلها الى أراضٍ زراعيّة، سجل زيادة تنوع البكتريا في التربة بعد تحويلها إلى مراعٍ إلا أن هذه التغيرات قد ظهرت على نطاقات جغرافية أكبر. ويخشى العلماء من أن يؤدي هذا إلى تقليل مرونة النظام الإيكولوجي بحيث يصبح هذا النظام أقل قدرة على التعامل مع التغيُّرات البيئية المختلفة. (2)
الانتقادات المُوجَّهة إلى رئيس البرازيل
لقد اتُّهِم الرئيس الحالي للبرازيل -السيد بولسونارو- منذ فترة طويلة بإهمال تغير المناخ العالمي والخطر الذي تتعرض له غابات الأمازون المطيرة. وقد ألقى المحافظون على البيئة باللوم على بولسونارو- قائلين إنه شجع الحطابين والمزارعين على تحويل الغابات لأراضٍ زراعية، ويقول العلماء إن الغابات المطيرة قد عانت من خسائر بوتيرة متسارعة منذ تولّيه منصبه في يناير.
تمكَّنت الحكومات السابقة خلال العقد الماضي من الحد من إزالة الغابات من خلال الإجراءات التي اتخذتها الوكالات الفيدرالية ونظام الغرامات. لكنَّ السيد بولسونارو وَوُزَرَاءَهُ انتقدوا العقوبات وأشرفوا على خفض مُصادرة الأخشاب والإدانات بجرائمَ بيئيّة. (4)(5)
ردود الأفعال العالميّة
لقد بدأ عددٌ من الدول حول العالم اتّخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة تغير المناخ. على سبيل المثال، قد سحبتْ كلٌّ من النرويج وألمانيا تمويل المشاريع التي تهدف لإزالة الغابات في البرازيل(4).
كما هدَّد الرئيس الفرنسي -إيمانويل ماكرون بإلغاء صفقة تجاريّة ضخمة بين الاتّحاد الأوروبي وأمريكا الجنوبيّة نتيجةً لذلك(9).
لم تتوقَّف الجماعات المهتمة بالبيئة عن إطلاق الاتهامات المباشرة على بولسونارو وحكومته حيث أطلقوا عليه اسمَ “الخطر على الاستقرار المناخيّ” كما حذَّروا من أن اقتصاد البرازيل سيتحمَّل “تكلفة ثقيلة” تحت سياساته(4).
وبالتالي فقد دعا بولسونارو القوات المسلحة، والتي لديها الكثير من المعدات والموارد اللازمة لمعالجة الحرائق والتعامُل معها، بما في ذلك الطائرات والهليكوبتر(9).
المصادر:
- https://www.nationalgeographic.com/news/2013/9/rain-forest-plants-race-to-outrun-global-warming/
- https://www.sciencedaily.com/releases/2012/12/121226080908.htm
- https://www.sciencedaily.com/releases/2018/11/181108091317.htm
- https://www.washingtonpost.com/climate-environment/what-you-need-to-know-about-the-amazon-rainforest-fires/2019/08/27/ac82b21e-c815-11e9-a4f3-c081a126de70_story.html
- https://www.bbc.com/news/world-latin-america-49415973
- https://www.sciencedaily.com/releases/2015/04/150421105350.htm
- https://www.nationalgeographic.com/environment/2019/08/why-amazon-doesnt-produce-20-percent-worlds-oxygen.html
- https://www.discovery.com/nature/amazon-rainforest-fires—what-you-need-to-know-and-how-you-can-
- https://www.bbc.com/news/world-latin-america-49450925
إعداد: منار حمدي.
تدقيق علمي: أريج صقور.
تدقيق لغوي: محمود خليفة.
تحرير: هدير جابر.