يُعرف كوكب الزهرة بغيومه الشهيرة. يدور الغلاف الجوي للزهرة حول الكوكب بسرعة فائقة ويلعب دورًا هامًا في جعله أكثر الأجرام السماوية لمعانًا بعد القمر في سمائنا. ولكن لسوء الحظ، فإن هذه الغيوم الغريبة تمنعنا من رؤية سطح كوكب الزهرة.
لم يكن كوكب الزهرة بهذا الشكل دائمًا. فلو قمنا بزيارة المجموعة الشمسية في وقت مبكر، لكان كوكب الزهرة يبدو مثل كوكب الأرض، كانا متطابقين تقريبًا في كلٍ من الحجم والمحتوى المائي. لكن تدريجيًا فَقَدَ كوكبُ الزهرة جميعَ محيطاته وتحوَّل الكوكب بسرعة إلى جحيم مليء بالبراكين التي تُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون. وبدون المحيطات، لم يكن لدى الكوكب أي وسيلة لامتصاص وتخزين الغازات الحابسة للحرارة.
يعرف العلماءُ المعلومات الأساسية. ولكن على الرغم من أعوام من الدراسة، لا تزال غيوم كوكب الزهرة محاطة بالغموض. لماذا فَقَدَ كوكب الزهرة محيطاته؟ هل توجد حياة في غيوم كوكب المريخ؟ وهل سيتمكن البشر من السفر إلى هناك يومًا ما؟
أين ذهبت محيطات كوكب الزهرة؟
منذ حوالي 4 مليارات سنة، كان كلٌ من كوكب الزهرة والأرض كواكبَ مغطاة بالمحيطات. ثم بدأ الماء بالتبخر من سطح كوكبنا الشقيق. بمرور الوقت، تسبب تبخر الماء بزيادة الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي للزهرة، مما أدى في النهاية إلى ظاهرة الاحتباس الحراري المتصاعدة.
إذا انتقلنا بسرعة إلى يومنا هذا سنجد أن الغلاف الجوي لكوكب الزهرة جاف بشكل لا يصدق (الأرض تمتلك كمية مياه تزيد عن 100000 مرة مقارنة بالزهرة). حتى الآن لا يزال علماء الفلك غير متأكدين بالضبط ما الذي دفع كوكب الزهرة مياهه في المقام الأول.
لا يعتقد العلماء أن السبب وراء فقدان كوكب الزهرة لمياهه هو قربه من الشمس، ولكن قد يكون ذلك بسبب افتقار كوكب الزهرة إلى مجال مغناطيسي يحميه من الرياح الشمسية -وهي تدفق الجسميات المشحونة المنبعثة من الشمس. على عكس الأرض- يدور كوكب الزهرة حول نفسه مرة واحدة كل 243 يومًا تقريبًا، لهذا السبب فهو يفتقر إلى حد كبير للحمل الحراري الداخلي الموجود في كوكبنا. يؤدي هذا إلى تجريده من الدرع المغناطيسي، والذي أظهرت البعثات السابقة أنه يسمح للرياح الشمسية بنقل المياه من الغلاف الجوي لكوكب الزهرة إلى الفضاء.
ومع ذلك، يتوق علماء الفلك إلى رصد كوكب الزهرة عن قرب أكبر ليتمكنوا من تفسير تاريخ المحيطات المفقودة على كوكب الزهرة بشكل أفضل.
كوكب الزهرة كنظير لتغير مناخ الأرض
في سبعينيات القرن الماضي، بدأ علماء الفلك يدركون أن كوكب الزهرة هو عالم مظلم لاحتوائه على مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون أعلى بمئات المرات من مستويات كوكب الأرض. على الأرض، تمثل نسبة الغازات الحابسة للحراة نسبة ضئيلة من الغلاف الجوي ولكنها تتزايد، وهي تقدر حاليًا بما يزيد قليلًا عن 400 جزء في المليون. وفي نفس الوقت أدرك العلماء أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض يمكن أن تتسبب في جعل كوكبنا أكثر دفئًا.
كان اكتشاف تأثير الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة بمثابة تحذير لنا لما يمكن أن يحدث لنا هنا على الأرض. وفي العقود التي تلت ذلك، ظل العلماء بدراسة كوكب الزهرة لمساعدتهم على تفسير وتوقع كيف سيتغير مناخنا مع استمرار ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي.
الحياة في غيوم كوكب الزهرة
في الستينيات، اقترح العالم كارل ساجان أنه قد توجد حياة فضائية مختبئة في سحب الزهرة. وفقًا للأبحاث، فإن البقع الداكنة الغامضة التي تسمى “ماصات غير معروفة” تمتص كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجة المنبعثة من الشمس، والتي يعتقد العلماء أنها يمكن أن تكون بمثابة وقود للحياة الفضائية.
وبفضل الأرصاد الأخيرة للزهرة، وجد العلماء بعض الأدلة الغريبة التي تشير إلى أن كارل ساجان قد يكون على حق. يبدو أن هذه البقع الغامضة تحفز أنماط الطقس بطرق يصعب تفسيرها. يقول بعض العلماء إن الجسيمات التي تشكل البقع الداكنة داخل غيوم الزهرة يمكن أن تشبه الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في غلافنا الجوي.
غيوم كوكب الزهرة “الغريبة، فائقة الدوران“
يبقى السبب وراء سرعة دوران تلك الغيوم من أحد أكبر الألغاز العالقة إلى يومنا هذا. يدور أعلى الغلاف الجوي لكوكب الزهرة حول الكوكب مرة كل أربعة أيام. ومع ذلك فإن اليوم على كوكب الزهرة (مدة دوران الكوكب حول نفسه) يبلغ حوالي 243 يومًا أرضيًا.
عندما يدور الغلاف الجوي لكوكب ما بسرعة أسرع من دوران سطح الكوكب، يُسمي علماء الفلك هذه الظاهرة بالدوران الفائق. وبشكل لا يصدق، تزداد سرعة الرياح في طبقات الغلاف الجوي العليا لكوكب الزهرة بمرور الوقت مع الأخذ بالعلم أن سرعات الرياح ليست ثابتة دائمًا. وجدت مهمة (ڤينوس اكسبرس – Venus express) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية أنه في بعض الأحيان قد تستغرق سحب كوكب الزهرة أقل من أربعة أيام للدوران حول الكوكب، بينما تحتاج في أحيان أخرى إلى أكثر من خمسة أيام لإكمال دورة واحدة حول الكوكب.
في دراسة حديثة نشرت في أبريل من العام الجاري، وجدت مركبة الفضاء أكاتسوكي التابعة لوكالة الفضاء اليابانية أن الدوران الفائق للغلاف الجوي لكوكب الزهرة له عدة أسباب منها المد الحراري الناتج عن حرارة الشمس والاضطراب في الغلاف الجوي والموجات الكوكبية الناتج عن دوران الكوكب حول نفسه.
مهمات فضائية إلى الغلاف الجوي للزهرة
لم تستطع أي مركبة فضائية البقاء على سطح كوكب الزهرة لأكثر من 127 دقيقة، وهو الوقت الذي استغرقته مهمة فينيرا 13 التابعة للاتحاد السوفييتي قبل أن تفقد الاتصال مع الأرض. يتسم سطح الزهرة بدرجات حرارة مرتفعة كافية لإذابة الرصاص والقصدير والزنك، وعند سطح كوكب الزهرة يماثل الضغط الجوي الضغط عند الغوص لأكثر من نصف ميل تحت سطح المحيط على كوكب الأرض. ولكن ليس بالضرورة أن نصل إلى سطح الكوكب، حيث يمكننا تعلم الكثير عن جارنا الغامض بمجرد الاقتراب منه.
أثبت الاتحاد السوفييتي هذا المفهوم في عام 1985 عندما نجح في إرسال منطادي هيليوم، فيجا 1 و فيجا 2 إلى غيوم كوكب الزهرة. قطع المنطادان اللذان حملتهما الرياح العاصفة مسافة 7150 ميلًا تقريبًا من جانب الليل في الكوكب إلى جانب النهار على مدار يومين أرضيين قبل أن تنفذ بطارياتهم. ولكن على الرغم من العمر القصير للمركبات الفضائية، كشفت فيجا 1 و2 مدى سرعة تحرك غيوم كوكب الزهرة، حيث تمكنوا من قياس سرعات تزيد عن 150 ميلًا في الساعة.
ويجرى الآن النظر في إمكانية إطلاق مهمات مماثلة في العقد المقبل. تريد شركة نورثروب جرومان الموافقة من ناسا لإطلاق مركبة فضائية تسمى بمنصة الزهرة الجوية ذات القدرة على المناورة، والتي ستسافر بين غيوم الزهرة للبحث عن علامات على وجود حياة فضائية. وقد مولت الهند مهمتها الأولى لكوكب الزهرة، شوكرايان-1، والتي يمكن أن تشمل منطادًا لدراسة كيمياء غيوم الزهرة.
لكن يمكن للغلاف الجوي لكوكب الزهرة أن يوفر مكانًا آمنًا لدراسة السطح أيضًا؛ إذ اقترح بعض العلماء أن استخدام المناطيد في الغلاف الجوي يمكنها أن تكتشف الزلازل على سطح الزهرة.
هل يمكننا استعمار كوكب الزهرة؟
إن كنت قد تابعت سلسلة أفلام حرب النجوم، قد تتذكر مدينة السحاب التي يديرها لاندو كلاريسيان، وهي مستعمرة تعدين تحلق على ارتفاع مناسب بين سحب كوكب غازي حتى يتمكن سكانها من المشي في الخارج دون الحاجة لارتداء بدلة فضاء. فكر بعض العلماء بنفس الطريقة لاستعمار الزهرة. على سبيل المثال، كتب عالم ناسا جيفري لانديس في بحث نُشر عام 2003:
«على ارتفاع السحب، كوكب الزهرة هو كوكب الفردوس».
إذا كنت على ارتفاع 30 ميلًا (48.3 كيلومترًا) فوق سطح كوكب الزهرة، فستجد درجة حرارة مماثلة لكوكب الأرض وضغط جوي مريح. ففي الواقع وبخلاف الأرض نفسها، فإن غيوم كوكب الزهرة هي أكثر بيئة صالحة للسكن في المجموعة الشمسية كما وجد لانديس. وقد أدى ذلك إلى تخيل كتّاب الخيال العلمي وعدد قليل من العلماء بناء مستعمرة هناك.