ما هو الموت؟ وما هي الحياة؟ وكيف نُغيّر تفكيرنا لكلتا الحالتين؟ ومن نحن؟
كيف نُغيّر تفكيرنا لكلتا الحالتين؟
إنّ هذا السؤال الفلسفي لهو لُبّ القضايا المعاصرة كالإجهاض والانتحار بمساعدة الغير.
وكانت المشاركة الأولى ضمن الثلاث مشاركات في كتاب بعنوان (The Cambridge Companion to Life and Death)، طرح الناشر (ستيفن لوبر-Steven Luper) هذه الأسئلة الفلسفية عن ماهية الحياة والموت، وقدّم تاريخًا من النقاشات حول ذلك.
في المبادئ العامة والثقافة الشعبية كثيرًا ما يُستخدم مصطلح «فلسفة الموت» كسلاحٍ في الحرب الدائرة ضد الإجهاض وأي وسيلة أخرى لإنهاء الحياة، ويتهم البعض ممن هم في معسكر «أنصار الحياة» معارضيه باستخدام «فلسفة الموت» لصالح إنهاء حياة الأحياء. بالطبع، ويأبى المعسكر المضاد أن يُفْهَموا بهذا الشكل ويرفضوا أن يتم نعتهم بـ «أعداء الحياة»، وعلى الرغم من أن أرباب هذا المعسكر يطلقون على أنفسهم لقب «مناصري حرية الاختيار»، إلَّا أنهم يستخدمون نفس الأساليب المشينة في المعارضة، حيث أن الغرض من إطلاق هذا اللقب على أنفسهم هو اتهام معارضيهم بأنهم معادين للحريات.
في الواقع، وصل كلا الفريقان لطريق مسدود حيث يقوم كلاهما بالتنمر وتبادل الاتهامات واستخدام أساليب الترهيب بدلًا من المناقشة بمنطقية. وتعتبر الخيارات غير القائمةِ على منطقٍ سليم تكون متزعزعةً وغير مستقرة؛ ولذلك يجب علينا أن نتوصل لاتفاقٍ معقول أو حتى أن نعترف بأننا لا نجد ما نقول، ونضع جهلنا في الاعتبار عند تكوين رأي.
لسوء الحظ، يعتمد حل العديد من القضايا الفلسفية المعقدة والمحيرة على المناقشة. يتم تناول مثل هذه القضايا في اتجاهين مختلفين في مجالات البحث: فلسفة الموت والتي تدرس ماهيته وأهميته، وفلسفة الحياة والتي تدرس -أيضًا- ماهيتها وأهميتها. وعلاوة على ذلك، يعرض كتاب (The Cambridge Companion to Life and Death) مجموعة من الأبحاث في كلا الاتجاهين.
فيما يلي سأقوم بعرض أحد القضايا كما سأشير لبعض الطرق المؤثرة في سير النقاش.
القضية هي: من نحن؟
تعتبر الإجابة البسيطة والسهلة على هذا السؤال هو أننا حيوانات إنسانية، أي أن كل فرد منا ينتمي لنوعية (الإنسان العاقل-Homo sapiens) وهو اسم علمي لأنواع من الكائنات الحيّة، منها الإنسان وأنواع من القردة العليا، ومن الغريب أن أكثر الأشخاص ممن يسمون أنفسهم «أنصار الحياة» -المعارضين بشدة للإجهاض- قد لا يعترفون بوجود هذا الحيوان الإنساني إلا عند أو بعد الولادة. بما أن نسبة الوجود للحيوانات الإنسانية يكون في هذا التوقيت -بعد أو عند الولادة- وبما أننا ننتمي لهذه الحيوانات، إذًا فإن قتل أىٍ من هذه الحيوانات بمثابة قتل واحد منّا، وبما أن قتل مخلوق مثلنا صعب تبريره فإن الإجهاض كذلك سيكون من الصعب الدفاع عنه. وسيعارض أيضًا الكثير من معسكر «أنصار الحياة» تعجيل وفاة الأشخاص في (الحالة الخضرية الدائمة-Persistent vegetative state)[1]والتي تحدث بسبب التلف في المخ كما في حالة (كارين آن كينلان-Karen Ann Quinlan) و(تيري تشيافو-TerrySchiavo). مرة أُخرى، ادعائهم أننا حيوانات يُدعِم معارضتهم أكثر فإنْ كنا حيوانات ففي الحالة الخضرية الدائمة ما زلنا حيوانات حيّة.
إذا لم نكن حيوانات، فمن نحن؟
يفترض بعض الفلاسفة أننا «أشخاص لوكيين» نسبةً إلى الفيلسوف (جون لوك-John Locke) -أحد فلاسفة القرن السابع عشر- والذي اشترط لوجود الإنسان أن يمتلك (الوعي الذاتي-self-awareness). معنى ذلك أنه عندما نحكم على شيء أن لديه الوعي الذاتي، يعني إمكانية سلب وجوده إن لم يكن لديه وعي ذاتي، وطبقًا لمعيار لوك، فإن وجود الشخص يعتمد على الوعي الذاتي، وعلى ضوء هذا المعيار فأنا شخص موجود وأنت كذلك.
لكن، أليس هذا مشابهًا لموقف مُعسكر «أنصار الحياة»؟
قد يعتقد البعض ذلك. حيث أن عددًا كبيرًا منهم يعتقد أننا كائنات عقلية بشكل كلي، أي التي تقتصر سماتها الأساسية على الخواص العقلية، مثلا القدرة على الوعي الذاتي. القائلون بهذه النظرية أننا أفراد لوكية أهملوا في الغالب أن الوعي الذاتي يُكتسب بعد الولادة بفترة -تقريبًا عند عمر السنتين- ويُدمَر في حالة تلف المخ؛ وبالتالي لا يموت الجنين عند إجهاضه لأنه بالأساس لم يكن موجودًا ولن يُضَروا في حالة التعجيل بوفاة الأشخاص في الحالة الخضرية الدائمة؛ وبالتالي فلا وجود لمناصري نظرية لوك فى معسكر «أنصار الحياة».
إن صعوبة تقبل مناصري لوك تأتي من صعوبة فهم أي نوع من الكائنات العقلية يجب أن نكون، وكيف أن هذه الكائنات مرتبطة بالحيوانات الإنسانية؛ إذًا، فمن الواضح أن هذه الحيوانات الإنسانية موجودة؛ وبالتالي فمن الممكن أن يكون ذلك دليلًا على أنهم في مرحلة من عمرهم سيكون باستطاعتهم تطوير عقولهم لتعمل مثلنا؛ وبناءً على هذا الافتراض، هل يستطيعون أن يستخدموا عقولهم في التفكير؟ إن افترضنا ذلك فهل نستطيع أن ننعتهم بأنهم كائنات لديها وعي ذاتي؟ على ذلك، فإن الاعترف بأننا حيوانات يُصَعّب عليّنا مهمة الاعتراض على موقف «مناصري حرية الاختيار» في نقطة عدم إمكانية الاعتراض على التعجيل بوفاة الأشخاص الذين هم على مشارف الموت. القضية أنّه لم يعد من الممكن أن يكون هذا الادعاء هو أنّ وجودنا يبدأ بعد الولادة وينتهي بوفاة الدماغ الأعلى. وبالتالي يبدو أنّ «أنصار الحياة» لا يريدون القول بأننا حيوانات إنسانية.
ترجمة: رُقية التهامي.
مراجعة: مُحمد فتحي.
المصدر: http://sc.egyres.com/a5Ogp
[1]الحالة الخُضرية الدائمة (نسبة إلى الخضراوات):هي إحدى حالات اضطراب الوعي تحدث نتيجة وقوع أضرار أو تلف بخلايا المخ. وتختلف عن الغيبوبة Coma كونها قد يمر فيها المريض بمظاهر اليقظة والنوم، وفتح العينين وتحريكهما بشكل عشوائي، وإصدار بعض الأصوات غير المفهومة أو الصراخ أو البكاء أو بعض الحركات التي تشبه الابتسام أو الضحك ولكن لا تعبر هذه الحركات أبدًا عن إدراك المريض لنفسه أو لما حوله وإنما تعد هذه الحركات مجرد أفعال منعكسة لا إرادية.