مهما تفعلْ وأينما تذهبْ، يظلّ بداخلك شعور أنك عديمُ الجدوى ومثيرٌ للشفقة وفاشلٌ في كل شيء، حتى لو حققت شيئًا ما، أو أبدى لك شخصٌ ما الحب والعاطفة؛ تتجاهل كل ذلك وتنصت لصوتك الداخلي السام الكاره لذاتك، الذي دائمًا ما يقلل من قيمتك ويشعرك بالخزي.
ما كراهية الذات؟
كراهية الذات تشبه أن يتبعك شخصٌ ما طوال اليوم في كل مكان، يشير إلى كل هفوة، ويضخّم كل خطأ ويعيّرُك به؛ فتصف نفسك بصفات ليست فيك أو تبالغ فيما فيك، متجاهلًا مميزاتك تمامًا؛ فتُنهَكُ نفسُك، وحينئذٍ تصبح ألدَّ الأعداء لنفسك، وترى نفسك أسوأ شخصٍ في العالم، ويصبح من المستحيل أن تعتقد أن لك قيمة، أو أنك محبوب، وقادر على أي شيء؛ فتستمر في التحقير من نفسك، وبذلك تحفّز كراهيتُك لذاتك مشاعرَ الغضب الشديد، والاشمئزاز، والنقد اللاذع ضد نفسك، ولا يمكنك الهروب من كل ذلك لأنه نابع منك أنت!
سلوكيات تدل على كراهية الذات
- الحديث الشديد القسوة مع النفس.
- الاكتئاب والقلق، أحدهما أو كلاهما.
- الشعور بعدم الأمان في وجود الآخرين.
- اتخاذ وضعية خرقاء أو بائسة.
- إهمال صحتك وجسدك.
- تدمير نفسك (منع نفسك من أن تكون سعيدةً).
- اضطرابات الغضب.
- رفض المدح والنصائح وتلقي المساعدة من الآخرين.
- عزل الذات.
- الإدمان أو الميول الإدمانية.
- تعذيب الذات والتضحية.
- الشعور بأنك ضحية دائمًا.
- العقلية الانهزامية (ما المغزى من كل شيء؟).
- اليأس، وانعدام الهدف.
وتؤدي كل هذه السلوكيات إلى مقت الذات.
أسباب كراهية الذات
تنشأ كراهية الذات وتتطور تدريجيًّا مع الوقت، وتثيرها عدة عوامل، مثل:
- الصدمة: تعرَّض العديد ممن يعانون من الكراهية الشديدة للذات لتجربة عاطفيّة صادمة في الماضي، تتضمن هذه الصدمة غالبًا اعتداءً جنسيًّا أو جسديًّا أو إهمالًا عاطفيًّا، عندها يصبح العالم غير آمن بالنسبة لهم ويصبح جميع الناس مصدر خطر، وعندما يحاولون فهم السبب المنطقيّ لما حدث، يتطور داخلهم الراوي الذي يخبرهم أنهم أُسِيءَ إليهم لأنهم لا يستحقون الحب ولا قيمة لهم. وقد تكون هذه التعبيرات عن الكره قد قالها لهم أحد الأبوين مباشرةً أو أي شخص يحبونه؛ فتصبح جزءًا مألوفًا من نقدهم لذاتهم.
- توقُّع توقعاتٍ خيالية: من الطبيعيّ أن نرغب في الشعور بالانتماء والقبول، أو أن نؤدي مهمةً بإتقان؛ ولكن توقعاتنا تكون أحيانًا عالية يعجز أي إنسان عن تحقيقها، فتقودنا تلك التوقعات إلى الشعور بالفشل بسرعة وسهولةـ وهنا يأتي دور الناقد الداخلي في إشعارنا بالعار، ويذكرنا بكم كنّا مُخفِقين؛ مع أن الجانب المنطقيّ يدرك عدم واقعية توقعاتنا، ولكن ناقدَنا الذاتيَّ يظل يردد عبارات الكراهية للذات.
- محاولة إرضاء الآخرين: ربما تعلّمنا مع الوقت -عن طريق التجارب الاجتماعية- أن مقابلة توقعات الآخرين هي وسيلة جيدة للتواصل معهم، وأننا يمكننا أن نرضى عن أنفسنا عندما يرضى عنا الآخرون، هذه المفاهيم عن العلاقات ليست صحية، ويمكن حتى أن تؤدي إلى أنماط خطيرة من السلوك المستقل؛ ومع ذلك يشعر البعض بالدمار عندما يعجز عن تلبية احتياجات الآخرين أو عندما يحبطونه، وعندها يقترح صوتُنا الداخليُّ الناقدُ أن المشكلة فينا، ويقرُّ بفشلنا، وأننا لا نستحق حب الآخرين، أو أن نكون ذوي قيمة عندهم.
- التحلي بعقلية السعي للكمال: لا يسمح الساعي للكمال بأي هامش من الخطأ لنفسه أو للآخرين، بحيث يتوقع المثالية دائمًا، ومن المهم ملاحظة أننا نطور عقلية السعي للكمال في محاولتنا لحماية أنفسنا من الألم ومشاعر الانفصال، فنعتقد أنه عندما يكون الأداء مثاليًّا يجنبنا نوعًا ما من الشعور بالألم الذي يتضمن الشعور بالخزي، أو الإحراج، أو الوحدة، أو الهجر، أو السخف، أو الحكم علينا.
- المقارنة الاجتماعية: من الطبيعيّ أن تنظر حولك وترى ما يفعله الآخرون، ولكن يصبح الأمر مؤلمًا عندما تضع قيمة لهذه الملاحظة؛ فمن الشائع عندما تعاني من كراهية الذات أن تقوم بما يسمى (المقارنة الصاعدة_upward comparison)، التي تعني الميل لملاحظة مَن يفعلون ما تفعله أنت لكن بأداء أفضل فقط، والميل كذلك لإعطائهم القيمة، وفي المقابل التقليل من قيمتك بعبارات كراهية الذات.
تأثير كراهية الذات على حياتنا اليومية
(صوت الناقد الداخليّ_The inner critical voice)
تؤثر كراهية الذات على حياتنا بصفتنا بالغين بطرق متعددة؛ فنتكيّف معها باعتبارها مدربنا الشخصي، ونسمع لنصائحها المدمِّرة، وعندما تكرر إخبارنا بأننا عديمو الجدوى؛ نختار أصدقاءنا وشركاءنا على هذا الأساس، وبالمثل تخبرنا بأننا أغبياء؛ فنفقد الثقة بأنفسنا ونقترف أخطاء كنا سنتجنبها لولاها، أو أننا لسنا جذابين كفاية؛ فنتجنب الاختلاط بالآخرين وإقامة علاقات معهم. فبإنصاتنا لها نعطيها عجلة التحكم بحياتنا، ونرى العالم بمنظورها السيئ، فنفكر في الآخرين بالطريقة نفسها، ومن هنا تأتي الأفكار التشكّكية والمرتابة؛ حيث نبدأ في نقد من يروننا بطريقة مخالفة لرؤيتنا لأنفسنا ومساءلتهم، وقد نواجه صعوبات في تقبل الحب وتحدي صوت الناقد الداخليّ، فبالبرغم من أنه مؤلم إلا أنه مألوف، فقد غُرِس بداخلنا منذ الطفولة، ونحن نجاهد في تعرُّفه، فما بالك بتحدّيه!
ماذا أفعل كي أتوقف عن كراهية ذاتي؟
لكي توقفَ دائرة كراهية الذات وتتحررَ من القيود التّخيُّليّة، عليك تعلُّمَ تحدّي ناقدِك الداخليّ باتباع الخطوات التالية:
تَجاهَل صوت الناقد الداخليّ!
عن طريق فصل الأفكار والسلوكيات التدميرية التي ندمجها بداخلنا ويتم ذلك عن طريق:
أ) (علاج الصوت_voice therapy) وهو عملية تساعد على تمييز صوت الناقد الداخلي وتحدّيه.
ب) يتضمن العلاج تطوير رؤية مصدر هذه الأفكار النقدية، ثم مواجهة هذه الهجمات بوجهة نظر أكثر تعاطفًا وواقعية عن نفسك.
تَحدَّ السلوكيّات التدميرية التي تقوم بها اتّباعًا لصوت ناقدك الداخليّ!
أ) عن طريق تحدّي طباعك السلبية المُحاكية لأحدِ أبويك أو شخصيات أخرى في طفولتك، على سبيل المثال: إذا كان والدك ذا شخصية متسلّطة، فعليك أنت تحدّي سلوكيّاتك المتحكِّمة.
ب) بالتخلّي عن السلوكيات التي تشكّلُ تكيفًا مع الألم الذي عانيت منه أثناء طفولتك بالرغم من أن هذه السلوكيات وسيلة دفاعية عند الأطفال، إلا أنها قد تؤذينا بعد البلوغ، فمثلا إذا شعرت أثناء الطفولة بأنه يُتطفَّل عليك؛ فقد تسعى بعد بلوغك للعزلة والانفراد خوفًا من تطفُّل الآخرين عليك؛ ولهذا قد تتجنب العلاقات المقرَّبة، أو تخشى الحميمية، فعندما نتمسك بسلوكياتنا التدميرية التي تكيّفنا عليها في ماضينا نميل إلى التقليل من احترامنا لذاتنا، ونجاهد كي نستطيع التصرف على طبيعتنا.
تَعرَّفْ إلى معتقداتك وقيمك ومُثلك التي تُحرّكُك!
كيف تريد أن تعيش؟ ما هي تطلعاتك للمستقبل؟
عندما ننفصل عن صوت الناقد الداخليّ نستطيع أن نتعرف طبيعتنا الحقيقية بصورة واضحة كثيرًا، وأن نحيا بشفافية، نستطيع كذلك اتّخاذ خطوات والقيام بأفعال تعكس إرادتنا ورغباتنا وتعطي لحياتنا معنًى فريد، قد نواجه مزيدًا من القلق أو تدفقًا للأصوات الداخلية الناقدة أثناء السعي لاكتشاف طبيعتنا، ولكن بالإصرار على تحدي عدونا الداخليّ سيصبح عدونا ضعيفًا، وبذلك نستطيع تحرير أنفسنا من كراهية الذات، وثبوت وجودنا.
المصادر:
[1] self loathing: 15 signs you hate yourself(&and why it happens). Aletheia Luna
[2] How to turn self-hatred into self- compassion. Stacey freedenthal.
[3] Inner critic. Good therapy.com
[4] What creates perfectionism? Healthychildren.org
[5] How to stop your self-hatred. By Jodi Clarke
[6] I hate myself. PsychAlive.org