كريسبر CRISPR: البداية الجديدة لتقنيات الهندسة الوراثية

Crispr

كريسبر|

هل سمعت؟ هناك ثورة  استرعت انتباه المجتمع العلمي بأكمله. خلال السنوات القليلة الماضية، قامت العديد من المعامل البحثية حول العالم باتباع تقنية جديدة تمكننا من إجراء تعديلات محددة على الحمض النووي للبشر والحيوانات والنباتات ومقارنة بالتقنيات السابقة فإن هذه التقنية تُعد الأسرع والأسهل. إنها تقنية “كريسبر – CRISPR”، لم تغير هذه التقنية طريقة البحث التقليدية فقط ولكنها غيرت مفهومنا عن كيفية معالجة الأمراض أيضًا. (1,2)

في البداية يجب أن نتطرق قليلًا إلى مفهوم الهندسة الوراثية لكي نفهم أهمية هذه التقنية وغيرها من التقنيات. إن الهندسة الجينية يُمكن وصفها بكل بساطة بأنها التلاعب في الجينات الخاصة بالكائنات الحية كإضافة جين معين إلى كائن بهدف تحسين صفات محددة أو إزالة جين آخر بهدف التخلص من مرض أو صفة غير  مرغوبة في هذا الكائن. ومن أشهر الأمثلة على هذا هي البكتريا المُنتجة للأنسولين أو  المحاصيل المُعدلة وراثياً. وعلى مر السنين أصبح هذا التطور العلمي مجالًا واسعًا للبحث والتطوير والاستفادة الطبية والصناعية.

أدوات ما قبل كريسبر

هناك العديد من الطرق التي ظهرت منذ بداية اكتشاف مبادئ الهندسة الوراثية، ولكنها لم تكن مُناسبة بالشكل الكافي. ومن بعض هذه الطرق استخدام الفيروسات المُعدلة جينيا   لإدخال جين مُحدد إلى الخلية الُمراد هندستها وراثيًا، لأن الفيروسات بطبيعتها تنقل المادة الوراثية الخاصة بها إلى الخلايا التي تُصيبها وتتكامل مع الحمض النووي الخاص بهذه الخلايا. ومن الطُرق الأخرى أيضًا استخدام أنزيم يُسمى نيوكلييز أصبع الزنك (Zinc-finger nucleases) ولكن بسبب التكلفة العالية وصعوبة الهندسة، لم يتم استخدام هذه الطريقة بشكل واسع. (3)

ما هو الكريسبر

كلمة “كريسبر – CRISPR” هي اختصار لـ (Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeat) أو بالعربية التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد. يُشير الاسم إلى تنظيم فريد من نوعه عبارة عن قطع صغيرة من تسلسلات قواعد الحمض النووي (DNA Sequences) موجودة بداخل الجينوم الخاص بالبكتيريا والأحياء الدقيقة (4) تُعد هذه الظاهرة أحد أهم خطوط الدفاع في الجهاز المناعي لهذه الكائنات. (5) تمامًا كالإنسان، يُمكن للفيروسات أن تغزو البكتيريا، ولكن حينها تواجه البكتيريا هذا العدو بالرجوع إلى هذه التتابعات من الحمض النووي المنتظمة التوزيع داخل حمضها النووي والمعروفة اختصارًا بكريسبر (6). وفي مجال الهندسة الجينية غالبًا ما يُشير مصطلح كريسبر إلى نظام كريسبر كاس-9 (CRISPR-Cas9) الكامل، والذي يُمكن استخدامه لاستهداف مناطق معينة من الحمض النووي وتعديلها بدقة شديدة، (7) ولذلك سيكون حديثنا حول هذا النظام.

كيف يعمل نظام (كريسبر كاس-9 – CRISPR-Cas9)

لتوضيح العملية بشكل أبسط، يتخلل التتابعات  القصيرة الخاصة بكرسيبرات البكتيريا تتابعات أخرى قصير أيضًا تُسمى الفواصل (spacers)؛ هذه الفواصل هي أجزاء من الحمض النووي للفيروس الذي هاجم البكتيريا.(5) تُعتبر هذه الفواصل هي الذاكرة الجينية للإصابات السابقة التي تعرضت لها البكتيريا، ولذلك فإنه عند إصابة البكتريا بفيروس سبق التعرض له وبالتالي حفظه في هذه الذاكرة، يتولى نظام كريسبر الدفاع عن الخلية وذلك عن طريق قطع والتخلص أي DNA خاص بالفيروس يُشابه القطعة المحفوظة مُسبقًا في الحمض النووي الخاص بالبكتيريا. (4)

لتسهيل فهم الفكرة يُمكن تخيل نظام كريسبر على أنه نظام التعرف على الوجوه الذي تستخدمه الأجهزة الأمنية، فإذا اعتبرنا الفيروس هو مجرم تم تخزين صورته وحفظها في النظام، وبالتالي إذا مر هذا الشخص من جهاز التعرف مرة أخرى فإنه يتم في الحال التعرف والقبض عليه – في حالة كريسبر تدميره-.

يعمل نظام كريسبر عن طريق الخطوات الأساسية الآتية: (8)

  1. Adaptation: وخلالها يتم مُعالجة الحمض النووي الخاص بالفيروس إلى قِطع أو تتابعات قصيرة يتم إدراجها في تسلسلات الكريسبر الخاص بالخلية كفواصل بين هذه التسلسلات.
  2. إنتاج الحمض النووي الريبوزي من كريسبر- Production of CRISPR RNA: تخضع تكررات الحمض النووي (CRISPR repeats) بالإضافة للمسافات (Spacers) إلى عملية النسخ (transcription)، وهي عملية نسخ الـDNA إلى RNA. وعلى عكس التركيب الحلزوني ثنائي السلسلة للـDNA، فإن جزي الRNA النتاج يتكون من سلسلة واحدة فقط. تُقطع هذه السلسلة إلى أجزاء قصيرة تُسمى أحماض كريسبر النووية الريبوزية (CRISPR RNAs).
  3. الاستهداف – Targeting: تقوم (CRISPR RNAs) الناتجة بتوجيه نظام كريسبر للقضاء على المواد الفيروسية. ولأن تتابعات (CRISPR RNA) منسوخة في الأساس من الحمض النووي الخاص للفيروس؛ فإنها تتطابق كليًا مع الجينوم الخاص بالفيروس وتؤدي وظيفتها بشكل ممتاز كدليل للتعرف على التتابعات الفيروسية في البكتيريا.

ولذا فبشكل أساسي يمكننا وصف مكونات نظام «كريسبر­كاس 9» عن طريق مكِّوَنين أساسيين ٬هما: إنزيم «­كاس9» الأشبه بمقص جزيئي يقوم بقص الحمض النووي ٬وجزيء صغير من الحمض النووي الريبي الذي يوجه المقص نحو تسلسل معين من الحمض النووي؛ ليقصه هو دون غيره ويُسمى ب “Guide RNA”. (9)

ثورة بحثية

سببت تقنية الكريسبر ثورة في عالم الهندسة الوراثية وذلك بسبب كونها تعتمد على إنزيم يُسمى Cas9، يستخدم جزيئًا إرشاديًّا من الحمض النووي الريبي، بغرض استهداف الجزء المطلوب من الحمض النووي، ثم يعدل الحمض النووي، من أجل تفكيك الجينات، أو وضع التسلسلات المطلوبة. ويحتاج الباحثون إلى طلب جزء الحمض النووي الريبي فقط، أمّا بقية المكونات، فيمكن شراؤها بصورة جاهزة. وتبلغ التكلفة الإجمالية 30 دولارًا فقط. (3)

وقد تخطت عدد الأوراق البحثية المنشورة عن تقنية كريسبر عدد الأوراق البحثية التي تذكر تقنيات التعديل الجيني الأخرى مثل تقنية (تالين-TALEN) أو أصابع الزنك، حتى وصلت في عام 2014 لما يُقارب 800 ورقة بحثية. وتُمثل القفزة الحادة في تمويل المعاهد الوطنية الأمريكية للمشروعات البحثية التي تتضمن تقنية كريسبر مؤشرًا قويًا على التطور الذي ستشهده هذه التقنية في المستقبل؛ حيث وصل التمويل في عام 2014 إلى أكثر من 80 مليون دولارًا أمريكي وهو أقرب للتمويل الذي تحظى به أبحاث الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات. (3)

استخدام تقنية كريسبر

في عام 2014، استخدم دانييل أنديرسن وزملاؤه بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كمبريدج تقنية “كريسبر” في الفئران، بغرض تصحيح الطفرات المرتبطة بمرض أيضي يصيب البشر، يُسمى ” زيادة التيروسين بالدم تايروسينيميا” Tyrosinemia. وكان ذلك أول استخدام لتقنية “كريسبر” لإصلاح طفرة مسبِّبة للمرض في حيوان بالغ، وخطوة مهمة لاستخدامها في العلاج الجيني في البشر. وكشفت دراسة أندرسون الخطوات والمراحل المنتظرة، إلى جانب تسليط الضوء على قدرة هذه التقنية، وإمكانياتها. (10)

وخلال الأعوام الماضية، أُقيمت شركات لتطوير العلاج الجيني القائم على تقنية “كريسبر”. ويرى أندرسون وآخرون أن التجارب الإكلينيكية الأولى لمثل هذا العلاجات قد تصبح واقعًا في العام المقبل، أو خلال العامين المقبلين. وستكون هذه التجارب الأولية ـ على الأرجح ـ سيناريوهات، يمكن فيها حقن مكونات “كريسبر” مباشرة في الأنسجة، مثل الحَقْن في العين، أو نزع الخلايا من الجسم، وهندستها في المختبر، ثم إعادتها للجسم مرة أخرى. فعلى سبيل المثال.. من الممكن تصحيح الخلايا الجذعية التي تشكِّل الدم، لعلاج أعراض معينة، مثل أمراض فقر الدم المنجلي، أو الثلاسيميا β-thalassaemia. وثمة تحدٍّ أكبر، يتمثل في إدخال الإنزيم والحمض النووي الريبي الإرشادي في العديد من الأنسجة الأخرى. وبرغم ذلك.. يأمل الباحثون في استخدام هذه التقنية يومًا ما؛ لعلاج عدد أكبر من الأمراض الوراثية. (3)

وقد استخدم علماء تقنية كريسبر في استهداف نوع معين من البعوض يُسمى «Anopheles gambiae» ويُعتبر الناقل الأساسي لمرض الملاريا. وتم استخدام تقنية الكريسبر في هذا البحث لتعمل كـ (gene drive systems)، الهدف منها حث الكائن المستهدف من وراثة جينات بعينها تُغير من صفات النوع أو الصنف بشكل كامل. في هذه الدراسة تم استهداف ثلاثة جينات مسؤولة عن صفة متنحية في أنثى هذه البعوضة تؤدي إلى إصابتها بالعقم، وفي الحالات الثلاثة تم مُلاحظة حدوث تغييرات قوية في كل من مواقع الجينات المستهدفة، وقُدرت نسبة انتقال التغيير الحادث ب (91.4 إلى 99.6%). هذه النتائج قد تُعجل بتطوير (gene drives) قادرة على تخفيض تعداد البعوض بحيث لا يكون قادرًا على نقل مرض الملاريا. (11)

ولا يقتصر استخدام هذه التقنية على الطب فقط وإنما تُستخدم أيضًا في الزراعة، فقد استخدمه الباحثون في هندسة الخنازير الصغيرة، وفي صنع فصائل من القمح والأرز مقاوِمة للأمراض. وأحرز الباحثون كذلك تقدُّمًا في هندسة ماشية بلا قرون، وسلالات ماعز مقاوِمة للأمراض، وبرتقال حلو غني بالفيتامينات. بالإضافة لإمكانية استخدماها في هندسة الأنظمة البيئية. وفي الشكل الآتي يظهر مختصر تطور هذه التقنية واستخداماتها: (3)

كريسبر الباحثون المصريون
الخط الزمني لتطور كريسبر

 

المصادر:

1.Palca, J. A CRISPR way to fix faulty genes. (26 June 2014) NPR <http://www.npr.org/blogs/health/2014/06/26/325213397/a-crispr-way-to-fix-faulty-genes> [29 June 2014]

2.Pennisi, E. The CRISPR Craze. (2013) Science,341 (6148): 833-836.

3.http://www.nature.com/news/crispr-the-disruptor-1.17673

4.CRISPR: A game-changing genetic engineering technique – Science in the News. (2014). Retrieved October 02, 2016, from http://sitn.hms.harvard.edu/flash/2014/crispr-a-game-changing-genetic-engineering-technique/

5. Barrangou, R., Fremaux, C., Deveau, H., Richards, M., Boyaval, P., Moineau, S., Romero, D.A., and Horvath, P. (2007). CRISPR provides acquired resistance against viruses in prokaryotes. Science 315, 1709–1712.

6. Brouns, S.J., Jore, M.M., Lundgren, M., Westra, E.R., Slijkhuis, R.J., Snijders, A.P., Dickman, M.J., Makarova, K.S., Koonin, E.V., and van der Oost, J. (2008). Small CRISPR RNAs guide antiviral defense in prokaryotes. Science 321, 960–964.

7.https://www.broadinstitute.org/what-broad/areas-focus/project-spotlight/questions-and-answers-about-crispr

8.Barrangou, R. and Marraffini, L. CRISPR-Cas Systems: Prokaryotes Upgrade to Adaptive Immunity (2014). Molecular Cell 54, 234-244.

9.http://www.nature.com/news/crispr-gene-editing-is-just-the-beginning-1.19510

10.Yin, Hao, Wen Xue, Sidi Chen, Roman L Bogorad, Eric Benedetti, Markus Grompe, Victor Koteliansky, Phillip A Sharp, Tyler Jacks, and Daniel G Anderson. “Genome Editing with Cas9 in Adult Mice Corrects a Disease Mutation and Phenotype.” Nat Biotech 32, no. 6 (June 2014): 551–53.

11.Hammond, Andrew, Roberto Galizi, Kyros Kyrou, AlekosSimoni, Carla Siniscalchi, Dimitris Katsanos, Matthew Gribble, et al. “A CRISPR-Cas9 Gene Drive System Targeting Female Reproduction in the Malaria Mosquito Vector Anopheles Gambiae.” Nat Biotech 34, no. 1 (January 2016): 78–83.

إعداد: أحمد شلبي

مراجعة: حسني أيمن

تدقيق: إسلام سامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي