كيمياء الحروب.. الغازات السامة في الحرب العالمية الأولى

21676950371_5a64a9d0ee_n

خلال عصر الحروب والنزاعات، وفي الحرب العالمية الأولى بالتحديد، اُستغلت الغازات الكيميائية التي تمتلك القدرة على الانتشار لمسافات بعيدة، بالإضافة لأثرها السلبي المباشر على الجهاز التنفسي والأضرار البالغة الأخرى، والتي ستُذكر تبعًا لخصائص كل غاز، حيث كانت تستخدم  هذه الغازات اعتمادًا على التأثير المرجو الذي أرادوا إلحاقه بالحلفاء.

الغاز المسيل لدموع

في أغسطس من عام 1914م، قام الفرنسيون باستخدام الغاز المسيل للدموع ضد الجيش الألماني، حيث ظهر آنذاك في صورة غير معروفة بدقة، مع مكوّنين معروفين وهما بروميد الزيليل (xylyl bromide)، وإيثيل برومو أسيتات (ethyl bromoacetate)، وكلاهما سوائل عديمة اللون. وُصفت رائحة المكون الأول بأنها لطيفة وعطرية بينما بدا المكون الثاني برائحة الفواكه القوية.

في الحقيقة لم يُصمم الغاز المسيل للدموع بهدف القتل، حيث كان الهدف الأساسي هو إعاقة العدو ومنعه من الدفاع عن مواقعه، عن طريق تهيج العين وإفراز الدموع، بالإضافة لإحداث تهيج في الفم والحلق والرئتين، مما يؤدي إلى صعوبة في عملية التنفس. في حال استخدام تركيزاتٍ أكبر من الغاز المسيل للدموع فإنه قد يسبب العمى المؤقت، الذي يستمر لنحو 30 دقيقة في حال مغادرة المكان.

غاز الكلور

عمليًّا، لم يكن الغاز المسيل للدموع فعَّالًا فوق العادة، ومع ذلك، فإن مجرد وجوده فتح الباب لاستخدام الكثير من الغازات الضارة في الحروب. أول هذه الغازت هو غاز الكلور الذي اُستخدم على نطاقٍ واسعٍ من قبل القوات الألمانية في عام 1915م. غاز الكلور عبارة عن جزيء ثنائي الذرة، أعلى كثافة بمرتين ونصف عن كثافة الهواء، لونه أخضر شاحب مع رائحة نفاذة تشبه رائحة المُبيضات، وصفها أحد الجنود بأنها مزيج من رائحة الأناناس والفلفل. يتفاعل غاز الكلور مع الماء في الرئتين مُنتِجًا حمض الهيدروكلوريك الذي يدمر الأنسجة سريعًا، مما يؤدي إلى الوفاة. وفي حال استخدام غاز الكلور بتركيزات منخفضة فقد تظهر بعض الأعراض مثل القيء والغثيان والتهاب العينين.

في أول استخدام لغاز الكلور من قبل الألمان كانت النتائج قاسيةً وغير متوقعة، حيث تسبب في مقتل أكثر 1100 جندي من الجنود غير المحميين بأقنعة الغاز الواقية. ولم تكن القوات الألمانية مستعدة لمدى فاعليته ونتائجه المحتملة، لذاك لم يُستغل لمصلحتهم ولم يحصلوا على الكثير من الأرض في البداية، كما عانى البريطانيون في أول استخدام له، عندما حاولوا استخدام الكلور في لوس في فرنسا، حيث قام الغاز المُنعبث بتغيير اتجاهه مع اتجاه الريح واجتاح الخطوط البريطانية بدلًا من خطوط العدو. لم ينجح استخدام غاز الكلور لوقت طويل بالإضافة أن لونه ورائحته جعل أمر اكتشافه سهلًا، وحقيقة ذوبانه في الماء أرشدت الجنود لطريقة بسيطة تحجب عنهم الضررعن طريق وضع كمامات مغمورة بالماء فوق أفواههم وأنوفهم.

غاز الفوسجين

اُستخدم عامل كميائي آخر سام وهو الفوسجين. غاز الفوسجين هو غاز عديم اللون له رائحة تشبه عفن التبن. ولكن قد لا يُعرف من رائحته إلا في حال زاد التركيز على 0.4 جزء في المليون. إلَّا أنَّ التعرض لتركيزاتٍ أقل بكثير يمكن أن تسبب آثارًا صحيةً بالغة. فله القدرة على التفاعل مع البروتينات الموجودة في الحويصلات الهوائية داخل الرئتين، مما يؤدي إلى تعطيل عملية تبادل الغازات الموجودة في مجرى الدم، مؤديةً إلى الاختناق.

تفوق فعالية غاز الفوسجين بالنسبة لغاز الكلورين من حيث قدرته على القتل، إلا أن أعراض الفوسجين تستغرق 48 ساعة للظهور، يبدأ تأثيره المباشرة بالسعال وتهيج كلٍّ من العينين والجهاز التنفسي. وفي وقتٍ لاحق، يتسبب تراكم السوائل في الرئتين إلى الوفاة.

غاز الخردل

يعتبر غاز الخردل من أكثر الغازات السامة المستخدمة في الحرب العالمية الثانية بجانب غاز الكلور، الذي يُطلق عليه كبريت الخردل، كما يعتبر بذاته فئة تشمل مركبات مختلفة عديدة. هو سائل عديم اللون في شكله النقي ولكن الصورة غير النقيّة (المُستخدمة في الحروب) التي تتسم بلونها الأصفر أو البني مع رائحة الثوم أوالفجل. في بداية التعرض للخردل لا تظهر أي أعراض، لكن بمرور الوقت يبدأ الشعور بتهيج في الجلد ثم تتكوّن حروق كيميائية مع ظهور حويصلات حاملة سائل أصفر بداخلها. توصف فعالية الخردل بأنها منهكة برغم من أن معدل الوفيات يصل إلى نسبة 2-3% فقط، إلا أنَ أولئك الذين عانوا من الحروق الكيميائية ومشاكل في الجهاز التنفسي لم يتمكنوا من العودة إلى صفوف المقاتلين لاحتياجهم لرعاية مكثفة حتى التعافي، والأسوأ أن الذين تعافوا كان أكثر عرضةً للإصابة بالسرطان فيما بعد بسبب خصائص هذا الغاز السام.

حظر استخدام الغازات السامة

أثناء الحرب العالمية الثانية، لم تستخدم الغازات السامة على نطاقٍ واسعٍ كما رأينا في الحرب العالمية الأولى، لكنها كانت توظف في بعض الحالات. وفي وقتٍ لاحق في عام 1925م، وُضعت ضوابط تَحظر استخدام الغاز السام كسلاح، وقامت معظم الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى بالتوقيع على تلك الاتفاقية. ومع ذلك فإن العوامل الكميائية المشار إليها في الحظر ما تزال تُستخدم في بعض الصناعات، على سبيل المثال، الفوسجين هو كاشف صناعي مهم يُستخدم في تخليق المستحضرات الصيدلانية، وغيرها من المركبات العضوية المهمة.

المصدر

ترجمة: هاجر عبد العزيز
مراجعة علمية: إنجي شمس الدين
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي