في ظل أزمة كورونا، هل يدفع العالم ضريبة حماقات رجل البيت الأبيض؟

يبورا

بنظرات استنكارية، وابتسامة تحاول ألا ترى النور، تأتي تعبيرات وجه الطبيبة (ديبورا بيريكس) -والتي تشغل منصب «منسقة لفريق عمل البيت الأبيض لمكافحة فيروس كورونا» بدايةً من (مارس 2020)- كرَدَّةِ الفعل المُثلَى على تصريحات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)؛ بشأن أزمة فيروس كورونا.

حيث اقترح الرئيس الأمريكي: حقن المصابين بمُطَهِّرات، أو تعريض جلودهم لكميات هائلة من الأشعة فوق البنفسجية لقتل الفيروس، أو تـفـتـيـتـه بالحرارة(1).
وقد أثارت هذه التصريحات جدلًا في الأوساط العلمية والطبية.

حيث صرَّح (ستيفن هان – Stephen Hann) المفوض لـ«منظمة الأغذية والأدوية» (FDA) في تصريح رسمي لشبكة (CNN): «بأن السؤال الذي طرحه الرئيس الأمريكي عن مدَى فعالية الأشعة فوق البنفسجية يُعد سؤالًا متوقَّـعًا، يُطرح مرارًا على الأطباء.

وأوْضَحَ أنه على الرغم من فعالية الأشعة فوق البنفسجية في علاج بعض الأمراض، إلا أنه لم تثبت فعاليته في علاج الأمراض الفيروسية».

كما شدد على عدم استخدام أيِّ علاجات دون استشارة طبيب، أو إجراء تجارب علمية في أماكن غير مخصَّصَة من قِـبَـل أشخاص غير مصرَّح لهم بذلك(2).

ومن الجدير بالذكر، أن «منظمة الأغذية والأدوية» كانت قد أرسلت خطابًا تحذيريًّا لموقع إلكتروني يطرح عقارًا لعلاج فيروس كورونا؛ يُسمَّى: (Miracle Mineral Solution)، ويُشار إليه بـ(MMS).

وكان الموقع الذي يَدَّعِي امتِلاكه للسر المقدس لعلاج الأمراض، ويسمِّي نفسه بـ«كنيسة الشفاء» قد طَرَحَ  في الأسواق الأمريكية عقارًا يحتوي على مادة (ثاني أكسيد الكلورين-Chlorine Dioxide) التي تُستَخدَم كمادة مُـبـيِّضَة.
وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة؛ مازالت تلك العقاقير تَحظَى بشعبية بالغة في الأسواق الأمريكية، وتسعَى الجهات المَعنِيَّة لأخذ خُطُواتٍ لمنع تداولها(3).

وكان ترامب قد تراجع عن تصريحاته التي أدْلَى بها يوم (الخميس 23 إبريل) في مؤتمره اليومي لبحث مستجدات فيروس كورونا، والتي قُوبِلَت بعاصفةٍ مِن الانتقادات من الأطباء، والصحفيين، والساسة على حدٍّ سواء.

ولكن، هل يكون التراجع كافيًا عندما يتعلق الأمر بحياة المواطنين؟

من جانبه، صرَّحَ الدكتور (دونالد ملتون-Donald Milton) أستاذ الصحة العامة، بجامعة «ماريلاند» لشبكة (CNN) الإخبارية؛ بشأن استخدام تقنية الأشعة فوق البنفسجية في قتل الفيروسات العالقة في الهواء:

«يجب التأكد من أن الغرفة فارغة قبل استخدام لمبات الأشعة فوق البنفسجية»

موضحًا أنه أُصِيبَ بالذهول عندما سمع الرئيس ترامب يسأل عن استخدام مثل هذا الضوء لتطهير أجساد المرضى(4).

أضرار الاستخدام المباشر للأشعة فوق البنفسجية:

على الرغم من استخدامها في علاج بعض الأمراض المَوْضِعيَّة، إلا أنها تُشكِّل خطرًا على الجلد، حيث أن التعرض المستمر لهذا النوع من الإشعاع يُحدث تغيـيرات في أنسجة الجلد تؤدي إلى فقدان نضارته؛ ومِن ثَمَّ الشيخوخة المبكرة، والأخطر أنها قد تؤدي إلى أورام سرطانية (Melanoma & non-melanoma skin caners).
بالإضافة أيضًا إلى تأثيرها على الجلد.؛ فإن الـتَّـعرُّض لكمية كبيرة من الإشعاع يمكن أن يُسبِّبَ التهابات في مُلْتَحِمَة العَيْن.

وهناك دراسات تشير إلى أنها تعمل على تثبيط الجهاز المناعي؛ فـتَقِل قدرته على مقاومة الفيروسات(5).

وبِغَضِّ الطَّرف عن أضرار الأشعة فوق البنفسجية، فإن تَصريح الرئيس الأمريكي بشأن حَقْن المُطَهِّرات والمنظفات المنزلية كان أكثر خطورة. فبجانب توافرها وأسعارها التي جعلتها في متناول أيدي الجميع؛ تحتل المنظفات المنزلية، ومواد التبـيـيض المرتبة (الثانية) ضمن أسباب إصابات الأطفال بالتسمم في «الولايات المتحدة»، حيث بلغ عدد الحالات (103,387) بنسبة (10,7%) في الأطفال، و(64,340) بنسبة (5,5%) في البالغين؛ وفقًا للتقرير الصادر من «المركز الوطني لمكافحة السموم» عام (2018)(6).

أضرار المنظفات:

وإلى جانب قدرتها الفائقة على قتل الميكروبات خارج الأنسجة الحية، فإن لها قدرة تدميرية هائلة عند تعرضها لأنسجة حية.

فنجد (هيبوكلوريت الصوديوم-NaOCl)، وهي مادة كيميائية شائعة جدًّا، وتعتبر العنصر النشط في المنظفات المنزلية، وقد أُشيع استخدامها في الحالات الطبية منذ القرن (الثامن عشر) لخصائصها المطهرة؛ ولذلك فقد ثبت أنها مادة كيميائية فعالة وآمنة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن تعرُّض الأنسجة لهذه المادة بخلاف الاستخدام الموضعي سواء كان تعرضًا مقصودًا أو عرَضِيًا يمكن أن يسبب مخاطر كبيرة بسبب خصائصها المُؤَكْسِدَة القوية، ويمكن توقُّع أكثر من سيناريو لإلحاق الضرر، مثل: الابتلاع، أو الاستنشاق، أو التَّرَسُّب في الأنسجة الرئوية، أو الحَقْن في مَجْرَى الدم؛ تعددت السيناريوهات، ولكن جميعها يمكن أن يؤدي إلى اعتلال كبير حتى الوفاة(8).

ابتلاع المبيضات:

غالبًا ما ينتج عن ابتلاع المنظفات المنزلية والمبيضات -والتي تعتبر مواد قاعدية قوية- حروقًا في المَرِّيء.

وعلى الرغم من قاعدية (هيبوكلوريت الصوديوم- NaOCl)؛ فإن ابتلاعه يسبب في العادة ضررًا طفيفًا للمريء (حروقًا من الدرجة الأولى تظهر في صورة التهاب الغشاء المخاطي المبطن له، ونادرًا ما يسبب مضاعفات أكثر خطورة مثل ضيق المريء). 

تـتـضمَّن التوصيات المتعلقة بعلاج حروق المريء من الدرجة الأولى الملاحظة حتى تمام الاستشفاء، والمتابعة الدورية بالكشف الإكلينيكي والأشعة؛ كَيْ نَـتمكَّن مِن التشخيص المُبكِّر لحالات ضيق المرِّيء، والتي يمكن أن تَحْدُث بعد (3-6) أسابيع من الإصابة، والتي تؤدي إلى عُسْر البَلْع، وسوء التغذية، والجفاف.

ولكن، عند ابتلاع كمية كبيرة من هذه المواد تحدث مضاعفات خطيرة، مثل: (ثقب المريء-Esophageal perforation)، و(تَجَمُّع الهواء داخل تجويف الصدر-Pneumothorax)، وحتى (تلوث الدم-Septicemia)، وقد يؤدي إلى الوفاة(9).

استنشاق المبيضات(10):

يمكن أن تصل المواد المبيضة إلى الرئة عن طريق استنشاق أبخرتها مباشرة (Inhalation)، أو شفطها بعد البلع (Aspiration after ingestion).

إذا أُصيب المريض بتلف شديد في الجهاز التنفسي؛ فقد يَتطـلَّب تركيب أنبوب القصبة الهوائية كي يتمكن من التـنـفُّس، أو اللجوء إلى تهوية ميكانيكية إذا حدثت متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (Acute Respiratory Distress Syndrome).

الحقن العضلي للمنظفات والمبيضات:

لعل أشهر مثال على ذلك، هو: حَقْن مادة (هيبوكلوريت الصوديوم) خطأً في عضلات الفك، أو الأنسجة المحيطة بالفم أثناء الحشو، أو التنضيف العميق للأسنان؛ حيث إن هذه المادة مطهرة وآمنة في حالة الاستخدام الموضعي.

ولكن عند حقنها في العضلات تحدث ما يسمى (إصابة طبية-Iatrogenic injury) تتسبب في التورم والألم العميق(11).


الحقن الوريدي للمنظفات:

ولعل أغرب الحالات كانت لفتاة تبلغ من العمر (18 عامًا) أُحضِرَت إلى غرفة الطوارئ مِن قِبَل والدتها، بعد أن لاحظت تحوُّل لون البول إلى الأسود بعد ساعتين من الحقن الذاتي لـ (100 مل) من كلوركس (بالإنجليزيَّة: Clorox)، وهو أحد الأسماء التجارية لمادة (هيبوكلوريت الصوديوم) من خلال قسطرة نفَقِيَّة مخصَّصَة لعلاج مرض لايم (بالإنجليزيَّة: Lyme disease)؛ وهو مرض بكتيري مزمن تظهر أعراضه في أجزاء مختلفة من الجسم، وتتدرج في حِدَّتها من الحُمَّى الخفيفة لاعتلال الجهاز العصبي، وقد يصاحبها ضعف  التركيز، أو فقدان الذاكرة، وعدم الاتزان، والذي يُعرف باسم (ضباب لايم).
أوضحت المريضة أنها حقنت نفسها بالمادة المبيضة في إحدى نوبات لايم الضبابية دون نِيَّة لإيذاء النفس، وعند وصول الأم للمنزل وجدت حاوية مفتوحة من (الكلوركس)، وحقنة يفوح منها رائحة المبيض؛ فطلبت المساعدة على الفور.
وعند فحص الفتاة، وإجراء التحاليل اللازمة؛ وُجد أنها تعاني من تكسير في الدم، تسبب في حدوث (قصور كُـلَوِي حاد-Acute kidney injury)؛ مما أدى إلى تغيُّر لون البول، وحدوث خلل في بعض العلامات الحيوية، وفَوْرَ أنْ قام الأطباء بإجراء غسيل كلوي، استعادت الكُـلَى وظائفها، وعادت الفتاة إلى حالتها الطبيعية(12).

استنكار عالمي:

“باعتبارنا شركة عالمية رائدة في مجال الصحة ومنتجات النظافة الصحية، يجب أن نوضح أنه لا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف تعرُّض الجسم للمطهرات، عن طريق (الحقن، أو الابتلاع، أو أي طريق آخر)، كما هو الحال مع جميع المنتجات، يجب أن تستخدم منتجاتنا للتنظيف والتطهير على النحو المنشود، وتماشيًا مع إرشادات الاستخدام».

هذا أهم ما جاء في بيان شركة «ديتول»؛ لتحذير عملائها من استخدامه بأي طريقة أخرى خلاف الاستخدام الموضعي، وتطهير الأسطح، والذي يَـنُمُّ عن وَعْيٍ ومسئولية مُجتمَعِية(7).

 

ولكن، هل الرهان على الوعي الجمعي كافيًا؟ أم يجب اقترانه بقرارات حازمة؟
هل أصبح لزامًا علينا انتظار المصل؟ أم تنقذنا مناعة القطيع؟
هل تُحَرِّكُنا مؤشرات الصحة؟ أم يكون للاقتصاد اليد العليا؟

أسئلة كثيرة يُزاح الستار عن إجاباتها في الأيام القادمة.

 

وصلات:

  1. https://youtu.be/d57zJr82dhQ
  2.  https://edition.cnn.com/videos/health/2020/04/24/doctor-hahn-trump-disinfectant-inject-town-hall-gupta-vpx.cnn/video/playlists/this-week-in-politics
  3. https://www.fda.gov/news-events/press-announcements/coronavirus-covid-19-update-fda-warns-seller-marketing-dangerous-chlorine-dioxide-products-claim
  4. https://edition.cnn.com/2020/04/25/health/uv-coronavirus-lamps/index.html
  5. https://www.who.int/uv/health/uv_health2/en/
  6. https://www.poison.org/poison-statistics-national
  7. https://www.livescience.com/disinfectant-injections-coronavirus-dangerous.html

:المراجع

8) Bruch, Mary K. “Toxicity and safety of topical sodium hypochlorite.” Disinfection by Sodium Hypochlorite: Dialysis Applications. Vol. 154. Karger Publishers, 2007. 24-38.

9) Contini, Sandro, and Carmelo Scarpignato. “Caustic injury of the upper gastrointestinal tract: a comprehensive review.” World journal of gastroenterology: WJG 19.25 (2013): 3918.

10) Kuiper, Jan Willem, et al. “Mechanical ventilation and acute renal failure.” Critical care medicine 33.6 (2005): 1408-1415.

11) Mohammadi, Zahed. “Sodium hypochlorite in endodontics: an update review.” International dental journal 58.6 (2008): 329-341.

12) Verma, Ashish et al. “Acute kidney injury due to intravenous bleach injection.” Journal of medical toxicology : official journal of the American College of Medical Toxicology vol. 9,1 (2013): 71-4. doi:10.1007/s13181-012-0259-6.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي