كيف تستمتع بفنجان قهوة أكثر صحّيّة؟

قهوة

عند ركوبِك القطار والسَّفر لساعاتٍ طويلة قد تلجأ إلى قراءةِ كتابٍ أو روايةٍ أو وضعِ سمَّاعاتِ الأُذُنِ والاستماعِ لما تُفضِّله كوسيلةٍ لقتلِ الوقتِ والملل. والآن، وفي ظلِّ الأوضاعِ العالميَّة من حظرٍ للتّجوالِ والحجرِ المنزليّ بسببِ فيروس كورونا، نجدُ البعضَ يلجأ لشربِ الكثيرِ والكثيرِ من القهوةِ كوسيلةٍ أيضًا لتمضيةِ يومِهم والاستمتاعِ بالإقامةِ المنزليّة قدرَ المُستطاع. ومن أجل تجنُّب الأضرار الصِّحِّيَّة التي قد يُسبِّبُها التَّناولُ الخاطئُ للقهوة، أَعلنَ مجموعةٌ من العلماءِ عن الطَّريقةِ الصَّحيحةِ لإعدادِ القهوة وتجنُّبِ أضرارِها قدرَ الإمكان.

تُعَدُّ القهوةُ أحدَ أكثرِ المشروباتِ شعبيَّةً في العالمِ وأكثرَ المُنبِّهاتِ استخدامًا. فهي جزءٌ لا يتجزَّأ لكثيرٍ منَّا في حياتِه اليوميَّة. فالبعضُ لا يستطيعُ إكمالَ عملِه بدونِ فنجانِ قهوتِه، أو الاستماعِ لموسيقاه المُفضَّلةِ مع احتسائه لكوبٍ منَ القهوة، أو حتّى عند قراءَةِ كتابٍ أو روايةٍ تكونُ القهوةُ رفيقتَه، كما يعتمدُها البعضُ لزيادةِ تركيزِه عندَ المذاكرة. ولكنْ، هل فكَّرنا يومًا إذا ما كُنَّا نقومُ بإعدادِها بالطَّريقةِ الصَّحيحة (الصِّحِّيَّة)؟ أم إنَّنا فقط اعتمدْنا على الطُّرُقِ المُعتادَةِ في تحضيرِها غيرَ مدركين احتماليّةَ خطورتِها على صحَّتِنا!

أجرى العلماءُ الدّراسةَ الأولى من نوعِها التي تُوضِّحُ العلاقةَ بين طريقةِ إعدادِ القهوةِ والإصابةِ بالأمراض القلبيّة على وجهِ الخصوص، حيثُ أوضحتْ هذه الدّراسةُ أنَّ القهوةَ المُفَلتَرةَ هي الأكثرُ أمانًا، وقد تمَّ نشرُ هذا البحثِ في المجلّةِ الأوروبيّة لأمراضِ القلبِ الوقائيّة، وهي مجلّةُ الجمعيّةِ الأوروبيّةِ لأمراضِ القلبِ (ESC).

“تُقدِّم دراستُنا أدلَّةً قويَّةً ومُقنعةً على وجودِ صلةٍ بين طُرُقِ تحضيرِ القهوةِ والنوباتِ القلبيّة، وتأثيرِها على طولِ العُمر. حيث تحتوي القهوةُ غيرُ المُفلتَرةِ على موادَّ تزيدُ من نسبةِ الكوليسترول في الدَّم. ويُساعدُ استخدامُ ورقِ التَّرشيحِ في إزالة هذه الموادِّ والتَّقليل من احتماليَّة حدوثِ الأزماتِ القلبيّةِ والوفاةِ المُبكِّرة” هذا ما قالهُ مؤلِّفُ الدِّراسة البروفيسور داغ إس ثيل (Dag S. Thelle) من جامعة جوتنبرج بالسويد.

اكتشفَ البروفيسور ثيل قبل 30 عامًا تقريبًا أنَّ شربَ القهوةِ مُرتبِطٌ بارتفاعِ نسبةِ الكوليسترول الكُلّيّ والكوليسترول الضَّارّ (LDL) في الدَّم -هو بروتينٌ دٌهنيٌّ مُنخفِضُ الكثافةِ LDL، عبارةٌ عن موادَّ دُهنيَّةٍ ضارَّةٍ تتراكمُ على جُدرانِ الشَّرايين والأوعيةِ الدَّمويّة فتزيدُ من احتماليّةِ الإصابةِ بأمراضِ تَصلُّبِ الشَّرايين، والذَّبحةِ الصَّدريّة، وأمراضِ القلبِ والسَّكتةِ الدِّماغيّة، لدرجة أنَّهُ من المُحتَمَلِ أنْ تكونَ لهُ عواقبُ ضارَّةٌ على صحَّةِ القلب. حدَّدتْ الدِّراسةُ الموادَّ الضَّارَّةَ في القهوةِ، ووجدتْ أنه يُمكِن إزالتُها باستخدامِ مُرشِّحات، فأوضحتْ أنَّ فنجانًا من القهوةِ غيرِ المُفلتَرَة يحتوي على حوالي 30 ضعفَ تركيزِ الموادِّ التي ترفع الدّهون مُقارنةً بالقهوة المُفلتَرَة!

كما أضاف: “نتساءَلُ عمَّا إذا كانَ هذا التَّأثيرُ الإيجابيُّ على نسبةِ الكوليسترول الضَّارّ قد يُؤدّي إلى المزيدِ من النَّوباتِ القلبيّةِ والوفاة. ولكنْ كان من غيرِ الأخلاقيّ إجراءُ تجرُبةٍ عشوائيَّةٍ على النَّاسِ لشربِ القهوةِ أم لا. لذلك قرَّرْنا إعدادَ دراسةٍ سُكَّانيَّةٍ كبيرةٍ، وبعد عِدَّة عقودٍ سنقومُ بالإبلاغ عن النتائج”.

بين عامَي 1985 و2003، تمَّ تسجيلُ عيّنةٍ تمثيليَّةٍ من السُّكَّان النّرويجيّين؛ 508747 من الرِّجالِ والنِّساءِ الأصِحَّاء الذين تتراوحُ أعمارُهم بين 20 و79 عامًا. أكملَ المُشارِكون استبيانًا يشملُ كميَّةَ ونوعَ القهوةِ المُستَهلَكَة، وتمَّ جمعُ البيانات أيضًا عن المُتغيّرات التي يُمكنُ أنْ تُؤثِّرَ على استهلاكِ القهوةِ وأمراضِ القلب، بحيث يُمكن حسابُها في التَّحليلِ الإحصائيّ. على سبيلِ المثال: التَّدخين، التَّعليم، النَّشاط البدنيّ، الطُّول، الوزن، ضغط الدم والكوليسترول.

تمَّتْ متابعةُ المشاركين لمدَّة 20 سنة. تُوفِّيَ منهم 46341 مشاركًا. ومن بين هؤلاء، كان هُناك 12621 حالة وفاةٍ بسببِ أمراضِ القلبِ والأوعيةِ الدمويّة، ومن بينِ وفيَّات القلبِ والأوعيةِ الدمويّةِ 6220 حالة سببُها فقط نوبةٌ قلبيّة.

بشكلٍ عام، لم يكُنْ شربُ القهوةِ عادةً خطيرةً في يومٍ ما، ولكنَّ شربَ القهوةِ المُفلتَرةِ بالأخصِّ يُعدُّ أفضلَ من عدم تناوُلِ القهوة على الإطلاق. إذ تَبيَّن أنَّ شربَ القهوةِ المُفلتَرة ارتبطَ مع انخفاضِ خطرِ الوفاةِ بنسبةِ 15٪ من الأسبابِ العامَّة. أمَّا بالنِّسبةِ للوفاةِ من أمراضِ القلبِ والأوعيةِ الدمويَّة، ارتبطَ تَناوُلُ القهوةِ المُفلتَرة بانخفاضَ خطرَ الوفاةِ عند الرِّجالِ بنسبةِ 12٪، وانخفاضِ خطرِ الوفاةِ لدى النِّساء بنسبةِ 20٪ مُقارَنَةً بعدمِ تَناوُلِ القهوةِ إطلاقًا. وكانَ أقلُّ مُعدَّلِ وفاةٍ بين المُشاركين في التَّجربةِ يَتناوَلُ من 1 إلى 4 أكوابٍ من القهوةِ المُفلتَرةِ في اليوم.

قال البروفيسور ثيل:”إنَّ أولئك الذين يشربون المشروباتِ المُفلتَرةِ؛ صحَّتُهم أفضلُ قليلًا من أولئك الذين لا يشربون القهوةَ على الإطلاق، لا يُمكن تفسيرُه بأيِّ مُتغيِّرٍ آخرَ، مثل: العمر أو الجنس أو عادات نمطِ الحياة. لذلك نعتقدُ أنَّ هذه المُلاحَظَة صحيحةٌ.” فالمشروبُ المُصفَّى أقلُّ خطورةً أيضًا من المشروباتِ غيرِ المُصفَّاة “يُظهِرُ تحليلُنا أنَّ هذا يرجعُ جُزئيًّا إلى تأثيرِ القهوةِ غيرِ المُفلتَرَة على زيادةِ الكولسترول”.

وأشارَ البروفيسور ثيل إلى أنَّ القهوةَ غيرَ المُفلتَرة لا تزيدُ من خطرِ الوفاةِ مُقارنَةً بالامتناعِ عن القهوة -باستثناءِ الرِّجالِ الذين تتراوحُ أعمارُهم بين 60 سنةً فما فوق، حيث ارتبطَ الشَّرابُ غيرُ المُرَشَّحِ بمُعدَّلاتِ وفيّات القلبِ والأوعيةِ الدمويَّة المُرتَفِعة.

وأكَّد البروفيسور ثيل أنَّ هذه البياناتِ نتيجةُ دراسةٍ مَبنيَّةٍ على المُلاحَظَة، ولكن إذا طلبتْ سُلُطاتُ الصِّحَّةِ العامَّةِ نصيحَتهُ، فستكون: “بالنِّسبةِ لمرضى الكوليستيرول؛ الامتناعُ عن القهوةِ غيرِ المُفلتَرةِ حتى إنْ كانتْ من ماكيناتِ القهوةِ من أجلِ تحسينِ صِحَّتِكم. أمَّا بالنِّسبة لكُلِّ شخصٍ يعشقُ القهوةَ، فإذا أَرَدْتَ أنْ تشربَ قهوتَك وضميرُك مرتاحٌ، إذًا اذهبْ إلى التَّصفيةِ والتَّنقية”.

 

المصدر

 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي