القمر هو ذلك الجسم اللامع الذي يسطع نوره ليلًا ليضيء السماء بلونه الفضي، لطالما أرشد ضوء القمر الكائنات الحية على مر التاريخ حيث تغيب الشمس ليلًا ويبقى القمر هو مصدر الاضاءة الوحيد الذي تهتدي به جميع المخلوقات على هذا الكوكب، يُساهم ايضًا القمر بجزء كبير من حركة المد والجذر، بالطبع القمر لا غنى عنه لاستمرار الحياة على هذا الكوكب بشكل عام. وسنتحدث في هذا المقال تحديدًا عن نشأة القمر.
نبذة عن القمر
يُعد القمر خامس أكبر أقمار المجموعة الشمسية حجمًا حيث يسبقه في المركز الأول القمر (جانيميد) لكوكب (المشترى)، يليه في المركز الثاني القمر (تيتان) لكوكب (زحل)، ثم (كاليستو) و (آيو) في المركز الثالث والرابع وهم أقمار تابعة أيضًا للعملاق الغازي (المشترى)، ليتربع قمرُنا في المركز الخامس.
القمر جسم صخري مُعتم يدور حول الأرض في مدار نصف قطرة يعادل 380 ألف كيلومتر تقريبًا، بسرعة تبلغ كيلومترًا واحدًا في الثانية تقريبًا ليتم دورته حول الأرض خلال 27 يومًا.
بدأ البشر في دراسة القمر وأطواره على مر التاريخ، ولكن بداية استكشاف القمر كانت في عام (1959م) عندما أرسل الاتحاد السوفيتي مركبة فضائية غير مأهولة الى القمر ضمن برنامج (لونا-Luna Programme)، وبالطبع كان السبق لوكالة (ناسا) بارسال اول مركبة فضائية مأهولة بالبشر للهبوط على سطح القمر وذلك في عام (1969م) ضمن البرنامج الشهير لاستكشاف القمر (أبوللو-Apollo Program).
نشأة القمر
منذ (4,5) مليار عام تقريبًا تكونت الأرض من القرص الكوكبي المُحيط بالشمس والذي يُعتقد أنه نتج من انهيار سديم عملاق أدى الى تكوين نجمًا لامعًا (الشمس) محاطا بسحابة من الغبار والغازات التي كونت قرصًا كوكبيًا أوليًا أدى بدوره الى تكون النظام الشمسي الذي نراه الآن. لذلك يعتقد العلماء أن القمر تكون في هذه الأثناء، حيث ترجح أغلب الأبحاث العلمية أن القمر تكون مع تكون كوكب الأرض او بعد تكونه بفترة بسيطة (نسبيًا).
وضع العلماء أكثر من فرضية لتكون القمر، أشهرها وأكثرها قبولًا في الأوساط العلمية هي فرضية (الأصطدام العملاق). وهناك أيضًا فرضيات أخرى مثل فرضية (التكوّن المُشترك)، وفرضية (الالتقاط بالجاذبية).
الأقراص الكوكبية الأولية
تحاط النجوم الحديثة بأقراص مُحيطية مكوّنة من الغازات وحبيبات الغبار والأتربة، ولكن معظم كتلة هذا القرص تكون ممثلة في الغازات، ونستطيع رصد هذه الأقراص عن طريق تتبع الانبعاثات الحرارية الصادرة، وايضًا عن طريق الضوء حيث ان حبيبات الغبار تكون مُعتمة أو أكثر عتمة مقارنةً بالغازات مما يسبب تشتت في الضوء نستدل منه على وجود هذه الأقراص.
تتكون الأنظمة النجمية كنظامنا الشمسي من هذه الأقراص حيث تتكون الكويكبات والكواكب الصخرية المحاطة بأغلفة غازية، وتتكون أيضًا الكواكب الغازية الخالصة، ولكن بعض من هذه الأقراص قد لا يكون نظامًا نجميًا، لذا فانه ليس من الضروري أن نتنبأ بنشأة نظام نجمي بمجرد رصدنا لأحد هذه الأقراص.
ولأن هذه الأقراص هي أصل الأنظمة النجمية فحتى الأقمار تكونت منها خلال فترة تكون الكواكب وهناك عدة فرضيات وضعها العلماء لتكون الأقمار، والتي قد تختلف في الآلية ولكن يظل الأصل في تكون الأقمار لهذه الأقراص التي وُلد منها النظام النجمي.
تبدأ الكواكب الصخرية عمومًا بالتكون عن طريق تراكم حبيبات الغبار والأتربة واحدةً تلو الأخرى عن طريق التصادمات محاطة بسحابة واغلفة من الغازات وقد تلعب ايضًا الجاذبية دورًا هامًا خلال هذه العملية خاصةً في المناطق ذات الكثافة العالية من القرص. وسنلقي الضوء هنا عن كيفية تكون الأقمار تحديدًا والتي سنقوم بسردها على هيئة عدة فرضيات وضعها العلماء مع توضيح أكثر الفرضيات قبولًا في الأوساط العلمية.
فرضية الاصطدام العملاق (أكثر الفرضيات قبولًا).
في عام (1871م)، قام السيد (ويليام طومسون) والذي يُعرف أيضًا بـ (اللورد كلفن) بمناقشة الأثر الناتج عن اصطدام جسمين بحجم الأرض في الفضاء، حيث توصل الى أنه سينتج من الاصطدام ذوبان جزء كبير جدًا من الجسمين واندفاعهما الى الفضاء، ربما لم يفسر هذا الطرح كيفية نشأة القمر بطريقة مباشرة ولكنه ساهم بشكل كبير في نجاح فرضية الاصطدام العملاق.
بعد تكون الأرض من القرص الكوكبي المُحيط بالشمس، كان فضاء المجموعة الشمسية حينها مكان عنيف جدًا حيث تتابع الأجسام والأجرام الفضائية الضخمة بالترسب والتكون والتي تسبح في فضاء المجموعة الشمسية باستمرار وبالتالي كانت تكثر الاصطدامات النيزكية، يعتقد العلماء أنه حدث اصطدام عنيف جدًا بالأرض حديثة التكون حيث اصطدم جرم سماوي عملاق بحجم كوكب المريخ بالأرض.
عُرف هذا الجرم العملاق بالاسم (ثيا-Theia)، بعد اصطدام (ثيا) بالأرض، انكشط جزء كبير من القشرة الأرضية مع الحطام الباقي من (ثيا) واندفعا معًا الى الفضاء حول الأرض حيث كونا قرصًا حطاميًا حول الأرض بفعل جاذبيتها، ومع الوقت بدأت حبيبات الغبار والحطام بالتجمع والترسب حول ما تبقى من نواة (ثيا) وباستمرار الترسب والتجمع والتلاصق بفعل الجاذبية تكون القمر من هذا القرص.
توصلت الدراسات الى ما يفيد أن سطح القمر في البداية كان ساخنًا جدًا مكونًا من حمم بركانية حيث ظلت البراكين تثور على سطح القمر بعد أن تكون على مدار 900 مليون سنة. يرجح العلماء أن السبب في هذا هو الكثير من الاصطدامات التي تعرض لها القمر حيث تعرض القمر للكثير من الاصطدامات العنيفة بعد تكونه والتي أدت الى اندفاع الحمم البركانية وباستمرار من باطنه مما ادى الى تكون السهول البركانية والتي تسبب بعض الرقع القاتمة التي تظهر على القمر الآن، لذلك يبدو سطح القمر مغطى بالعديد من السهول البركانية والفوهات النيزكية، والتي ظلت باقية على سطحة منذ بلايين السنين ولم تتلاشى حيث يفتقر القمر لغلاف جوي قوي ينتج منه عوامل تعرية تزيل آثار هذه الفوهات كما هو الحال على سطح كوكب الأرض. حيث يتكون الغلاف الجوي للقمر من طبقة رقيقة جدًا بسبب ضعف الجاذبية الخاصة بالقمر والرياح الشمسية المستمرة والأشعة فوق البنفسجية والتي تعمل على تأين غازاته وتحريكها بعيدًا عن سطحة، يتكون الغلاف الجوي للقمر من كميات ضئيلة جدًا من بعض الغازات كالهيليوم والهيدروجين والنيون، بالاضافة الى كميات أقل من الأرجون وبخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات، حيث تنبعث الغازات غالبًا من باطن القمر كما أن هناك الكثير من حبيبات الغبار والاتربة تغمر هذا الغلاف الغازي، ولكن بسبب ضعف جاذبية القمر فان الغلاف الجوي له يكون غير ثابت نسبيًا، لذلك يمكن اهمال تأثيرة على سطح القمر.
فرضية التكوّن المشترك
تتبنى هذه الفرضية فكرة تكون ونشأة القمر في أثناء تكون الأرض، حيث يفترض من وضعوا هذه النظرية، أن القمر نشأ بجوار الأرض اثناء تكونها (من نفس القطع في القرص الذي تكونت منه الأرض) وبفعل الجاذبية أصبح القمر المتكون يتبع الأرض ويدور حولها، ولكن بافتراض أن هذه الفرضية صحيحة، لابد أن يكون القمر متكون من نفس التركيب الجيولوجي للأرض حيث أنه نشأ مع الأرض من نفس الصخور التي تكونت منها، ولكن بعد الدراسات ورحلات استكشاف القمر وجد العلماء اختلاف كبير بين تركيب الأرض والقمر، على الرغم من وجود بعد التشابه بينهما الا أن هناك الكثير من الاختلافات الجيولوجية بين القمر والأرض، فعلى سبيل المثال نجد أن كثافة القمر أقل من كثافة كوكب الأرض. فاذا كان القمر تكون من نفس مواد الأرض سنجد أن الكثافة متساوية بينهما او على الأقل متقاربة ولهذا لم تحظى هذه النظرية بتأييد كبير في الأوساط العلمية خاصةً بعد التقدم التكنولوجي استكشاف العلماء للقمر.
فرضية الالتقاط بالجاذبية
تفترض هذه الفرضية أن الأرض التقطت أحد الأجسام العابرة وهو القمر بفعل جاذبيتها ليدور حولها كما هو الحال مع كوكب المريخ حيث التقط أقماره الاثنين لتدور حوله وهما (فوبوس) و (ديموس)، وبتطبيق هذه الفرضية نجد انها تفرض تكون القمر من قطاع من القرص الكوكبي محتلف تمامًا عن القطاع الذي تكونت منه الأرض لذلك قد تفسر هذه النظرية الاختلاف في التركيب الجيولوجي بين الأرض والقمر ولكن كيف تفسر التشابه الجيولوجي بينهما؟! كما أن هذه الأجسام الملتقطة غالبًا تكون أجسام ذات كتلة صغيرة نسبيًا مما يجعلها أجسامًا غير كروية كأقمار المريخ.
هناك أيضًا تقارب للمستوى المداري للقمر مع المستوى المداري للأرض مما يجعله يتبع نفس المسار تقريبًا الذي تتبعه الشمس في السماء كما هو الحال مع بقية كواكب المجموعة الشمسية، وهذا التطابق لن يحدث اذا فرضنا أن الأرض ستلتقط جرمًا فضائيًا عابرًا حيث سيتخذث مدارًا حول الأرض ليس بالضرورة أن يتقارب مع مسارها حول الشمس. لذلك نجد أن كواكب المجموعة الشمسية بالاضافة الى القمر عندما تظهر تتبع نفس المسار الذي نرى الشمس تتبعه في السماء وذلك بسبب تقارب المستويات المدارية لهذه الأجرام مع المستوى المداري لكوكب الأرض.
أسباب اقتناع العلماء بفرضية الاصطدام العملاق
في النهاية سنوضح أسباب قبول هذه الفرضية حيث لاقت قبولًا وتأييدًا واسعًا في الأوساط العلمية:-
- مركز الأرض يحتوي على عنصر الحديد بعكس مركز القمر، يرجع هذا الى اندفاع معظم الحديد في الطبقات العليا من الأرض الى مركزها نتيجة للارتطام الشديد مما أدى الى افتقار الجزء المكون للقمر من الأرض على الحديد.
- متوسط كثاقة الأرض (5,5 جرام لكل سنتيمتر مكعب)، بينما القمر (3,3 جرام لكل سنتيمتر مكعب)، تفسر نظرية الاصطدام العملاق هذا الاختلاف حيث أن القمر تكون من الاجزاء السطحية التي انكشطت من القشرة الأرضية وهي الاجزاء الفقيرة بالحديد حيث هاجر معظم الحديد عميقًا الى باطن الأرض نتيجة الارتطام الشديد.
- يحتوي القمر على نظير أكسجين مطابق تمامًا للأرض، بينما يحتوي المريخ مثلًا وباقي أجرام المجموعة الشمسية على نظائر مختلفة، مما يرجح صحة هذه النظرية حيث ساهمت الأرض بجزء من مكوناتها لتكوين القمر.
- هناك تشابه واختلاف بين تركيب القمر والأرض لذلك فان أكثر الفرضيات التي يرجحها العلماء هي هذه الفرضية لانها تفترض تكون القمر نتيجة لارتطام بين جسمين مختلفين هما (ثيا) وكوكب الأرض.
ومازال العلماء يعملون بجد لأكتشاف المزيد والمزيد من الأدلة لتقوية هذه الفرضية أو ربما دحضها ووضع فرضيات جديدة ولكن حتى هذه اللحظة تتفق الأوساط العلمية على صحة هذه الفرضية، حيث أن معظم الاكتشافات التي تم اكتشافها عن القمر ترجح صحتها وتدحض باقي الفرضيات الموضوعة فمثلًا نظرية الالتقاط قد تفسر الاختلاف في الكثافة ومحتوى الحديد ولكنها تفشل في تفسير التشابه خاصةً التشابه في نظير الأكسجين، مما يقوي ويدعم أكثر صحة هذه الفرضية.
اعداد وتصميم: Mohammed Sherif
مراجعة علمية: Mohamed S. El-Barbary
مصادر :-
http://sc.egyres.com/Wcmky
http://sc.egyres.com/eb3an
http://sc.egyres.com/3KpYG
http://sc.egyres.com/mtrpC
http://sc.egyres.com/Dfp2m
http://sc.egyres.com/JwsVa
http://sc.egyres.com/d8Tr8