كيف تكوَّن المريخ؟

المريخ

كيف تكوَّن المريخ؟

كيف تكوَّن المريخ؟

تكوَّن المريخ مع باقي كواكب المجموعة الشمسية منذ حوالي 4.6 بليون عام. ولكن كيفية تكوّن الكوكب تظل حتى الآن نقطة جدل، حاليًا تتنافس نظريتان على دور البطولة. النظرية الأولى والتي لاقت قبولًا أكبر هي نظرية «التراكم الأساسي-Core accretion»، وتفسر كيفية تكوّن الكواكب الصخرية كالمريخ، ولكنها فشلت في تفسير طريقة تكوّن الكواكب الغازية العملاقة. أمَّا النظرية الثانية هي نظرية «القرص الغير المستقر-Disc instability»، بإمكانها شرح تكوّن الكواكب الغازية العملاقة. يتابع العلماء دراسة الكواكب الخارجية والداخلية على أمل معرفة أي من تلك النظريتين هي الأصح.

نظرية التراكم الأساسي

تلك النظرية هي الرائدة والأكثر شهرة، تقول أنَّ النظام الشمسي بدأ كسحابة ثقيلة وكبيرة من الغاز البارد والتراب تُدعى السديم الشمسي، وانهار السديم بسبب جاذبيته متحولًا إلى قرص دوَّار، وانجذبت المادة إلى منتصف القرص مكوّنة الشمس.

اتحدت جزيئات أخرى من المادة مكوّنة كتل يُطلق عليها الكواكب المُصغرة، والتي اتحدت سويًا مكونة كويكبات ومذنبات وأقمار وكواكب. وجرفت الرياح الشمسية -جزيئات مشحونة خارجة من الشمس- العناصر الأخف مثل الهيليوم والهيدروجين؛ تاركةً عوالم صخرية صغيرة. ولكن في المناطق الخارجية، تكوّنت الكواكب الغازية العملاقة من الهيدروجين والهيليوم غالبًا لأنَّ الرياح الشمسية كانت أضعف.

ملاحظة الكواكب الخارجية تؤكد طريقة التراكم الأساسي كطريقة التكوين المسيطرة. فالنجوم التي تحتوي على معادن أكثر -مصطلح يستخدمه الفلكيون للعناصر غير الهيدروجين والهيليوم- في قلبها تحيط بها كواكب غازية عملاقة أكثر من تلك الفقيرة في المعادن. فوفقًا لناسا، فالتراكم الأساسي يرجح أنَّ العوالم الصغيرة الصخرية من المفترض أن تكون شائعة أكثر من الكواكب الغازية العملاقة.

اكتشاف الكوكب العملاق ذو الكتلة الضخمة الذي يدور حول النجم (HD149026)، والذي يشبه الشمس في عام 2005م، كان مثالًا لكوكب خارجي ساعد  في إثبات نظرية التراكم الأساسي.
يقول جريج هنري (Greg Henry)، وهو فلكيّ في جامعة تينيسي في ناشفيل(Tennessee state university in Nashville)، في تصريح صحفي عندما اكتشف النجم الخافت: «هذا تأكيد لنظرية التراكم الأساسي لتكوين الكواكب، ودليل على أنَّ الكواكب من ذلك النوع من المفترض أن يتواجد بكثرة».

في عام 2017م تُخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإرسال القمر الصناعي(CHaracterising ExOPlanet Satellite (CHEOPS))، والذي سيدرس الكواكب الخارجية التي تتراوح أحجامها ما بين الأرض الكبيرة ونبتون، فدراسة تلك العوالم البعيدة من الممكن أن يساعد في تحديد كيفية تكوّن كواكب المجموعة الشمسية.

يقول فريق (CHEOPS): «من وجهة نظر التراكم الأساسي، يجب أن يصل قلب الكوكب إلى كتلة حرجة قبل أن يستطيع الالتحام مع الغاز، وتعتمد الكتلة الحرجة على العديد من المتغيرات الفيزيائية، أهمها معدل نمو الكواكب المصغرة».

عن طريق دراسة كيف تنمو الكواكب ملتحمة مع المادة، ستوفر (CHEOPS) فكرة عن كيفية نمو العوالم. افتُرضت النظرية لأول مرة في القرن الثامن عشر بواسطة إيمانويل كانت (Immanuel Kant) وبيريه لابلاس(Pierre Laplace). وتساعد نظرية السديم في شرح كيفية تكوّن كواكب المجموعة الشمسية. ولكن مع اكتشاف الكواكب الأرضية الكبيرة والتي تدور حول نجوم أخرى، تمَّ طرح نظرية جديدة تُعرف بالقرص الغير مستقر.

نموذج القرص الغير مستقر

على الرغم من أنَّ نموذج التراكم الأساسي يتماشى مع الكواكب الأرضية، إلَّا أنَّ الكواكب الغازية العملاقة من المفروض أن تتطور بسرعة لتستطيع الاحتفاظ بالكتلة الكبيرة من الغازات الخفيفة التي تحتوي عليها؛ ولكن المحاكاة لم تستطع تفسير التكوّن السريع. فبالنسبة للنماذج تستغرق العملية الملايين من السنين، أكثر من المدة التي تواجدت فيها تلك الغازات الخفيفة في بداية النظام الشمسي. وفي نفس الوقت، يواجه نموذج التراكم الأساسي مشكلة هجرة، حيث أنَّ الكواكب الصغيرة من المحتمل أن تتوجه نحو الشمس حلزونيًا في وقت قصير.

بحسب نظرية جديدة نسبيًا، وهي نظرية القرص الغير مستقر، فإنَّ كتل من التراب والغاز مقيدين سويًا من بداية حياة النظام الشمسي وعلى مر الوقت، اندمجت ببطء مكونة كواكب عملاقة، تلك الكواكب تتكوّن أسرع من منافسيها في نظرية التراكم الأساسي، وأحيانًا في وقت قصير كألف عام، سامحةً لهم بالاحتفاظ بالغازات الخفيفة التي تختفي بسرعة. ويصلوا أيضًا إلى كتلة كافية ليستقروا في مداراتهم، التي تمنعهم من الانجذاب نحو الشمس ليلاقوا حتفهم.

طبقًا للفلكيّ المتخصص بالكواكب الخارجية بول ويلسون(Paul Wilson)، إن سيطرت نظرية القرص الغير المستقر على كيفية تكوّن الكواكب فيجب أن يُنتج عدد كبير من الكواكب في مجموعات كثيرة؛ وتعطي الأربعة كواكب الضخمة التي تدور على بعد مسافات كبيرة من النجم (HD9799) أدلَّة ملحوظة على نظرية القرص الغير مستقر، وكذلك الكوكب الخارجي (formalhaut b) الذي يمتد مداره لألفي عام حول نجمه، هو مثال لكوكب تكوّن عن طريق القرص الغير مستقر، ولكن من الممكن أن يكون تكوّن نتيجة لصدام بين جيرانه.

«تراكم الحصى-Pebble accretion»

التحدي الأكبر للتراكم الأساسي هو الوقت؛ تكوّن الكواكب الغازية العملاقة بسرعة كافية للاحتفاظ بالعناصر الأخف المكوّنة لأغلفتها. الأبحاث الأخيرة عن كيفية انصهار المواد الصغيرة التي في حجم الحصاة معًا لتكوّن الكواكب الغازية العملاقة أسرع ألف مرة من الدراسات السابقة.

يقول هارولد ليفيسن(Harold Levison) الكاتب الرئيسي للنظرية والفلكيّ بمعهد البحث الجنوبي الغربي بكولورادو (Southwest Research Institute in Colorado SWRI) لموقع (space.com): «هذا أول نموذج نعرفه يبدأ بتركيب بسيط للسديم الشمسي الذي يتكوّن منه الكواكب وينتهي بنظام الكواكب العملاقة الذي نراه».

في عام 2012م اقترح الباحثان مايكل لامبرتس(Michiel Lambrechts) وأندري جونسن(Andres Johansen) من جامعة لاند بالسويد(Lund University in Sweden) أنَّ الحصوات الصغيرة هي المفتاح لتكوّن الكواكب العملاقة بسرعة؛ يقول ليفسين: «فقد أوضحوا أنَّ بقايا الحصوات من عملية التكوين والتي ظُن أنَّها غير مهمة قد تكون الحل لمشكلة تكوّن الكواكب».

بنى ليفسين وفريقه على هذا البحث نموذج أكثر تحديدًا عن كيفية تكوّن الكواكب التي نراها في المجرة اليوم من حصوات صغيرة. ففي المحاكات السابقة، كلًا من الأجسام الكبيرة والمتوسطة استهلكت أقاربها الذين في حجم الحصى بمعدل ثابت نسبيًا، ولكن محاكاة ليفسين تقترح أنَّ الأجسام الأكبر تتصرف كالمتنمرين، فتخطف الحصوات من الكتل المتوسطة لتنمو بمعدل أسرع بكثير.

تقول كاثرين كريتك (Kathrine Kretke)، وهي كاتبة مساعدة في النظرية أيضًا من (SwRI) لموقع(space.com): «الأجسام الكبيرة الآن تحاول أن تبعثر الأجسام الصغيرة أكثر من بعثرة الأجسام الصغيرة لها، لذلك تنتهي الأجسام الصغيرة مبعثرة خارج قرص الحصوات. فالرجل الكبير في الأساس يتنمر على الرجل الصغير حتى يستطيع الاحتفاظ بالحصوات لنفسه، ويستطيع أن يكمل نموه ليكوّن قلب كوكب عملاق».

التسخين والتبريد

ككل الكواكب، كان المريخ ساخنًا عندما كان يتكوّن بسبب الطاقة الناتجة عن التصادمات. وذاب بطن الكوكب، وهبطت العناصر الأكثر كثافةً مثل الحديد مكوّنة قلب الكوكب، أما السيليكات الأخف كوّنت الوشاح، والسيليكات الأقل كثافة كوّنت القشرة. ومن المحتمل أنَّه كان للمريخ مجال مغناطيسي لمدة ملايين السنين، ولكن كلما برد الكوكب كلما قلَّ ذلك المجال.

كان للمريخ الشاب براكين ثائرة كانت تضخ الحمم البركانية على السطح، والماء، وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ولكن لا توجد قوى تكتونية على المريخ لذلك بقيت البراكين ثابتة وكبرت مع كل ثوران جديد.

غالبًا أعطى النشاط البركاني للمريخ غلاف جوي أسمك، وحمى المجال المغناطيسي الكوكب من الإشعاعات والرياح الشمسية، ومع زيادة الضغط الجوي فمن المحتمل أن تكون المياه تدفقت على سطح الكوكب، هذا ما تشير إليه الدراسات. ولكن من حوالي 3.5 بليون عام، بدأ المريخ في البرود، وثارت البراكين أقل فأقل، واختفى المجال المغناطيسي، وتمّ تدمير الغلاف الجوي الغير محمي بالرياح الشمسية وقُصف السطح بالإشعاع.

تحت تلك الظروف، لا تستطيع المياه السائلة التواجد على السطح. وترجح الدراسات أنَّ الماء محجوز أسفل السطح على كلا الحالتين السائلة والثلجية، وفي رقائق الثلج في القطبين الشمالي والجنوبي. كل الحياة كما نعرفها تتطلب المياه السائلة، لذلك يوجد اهتمام متزايد في دلائل وجودها على المريخ.
ترجمة وتصميم: Nada Ahmed

تدقيق لُغوي: أمنية أحمد عبد العليم

المصدر:

http://sc.egyres.com/kTUIW

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي