كيف ستؤثر حرائق الأمازون على الحياة البرية؟

deforestation
https://www.newscientist.com/article/2214734-its-officially-now-the-worst-ever-august-for-amazon-deforestation/

تحتضن غابات الأمازون عُشر أنواع الكائنات على سطح الأرض. وحتى الأسبوع الثالث من أغسطس، اشتعل أكثر من (9000) حريق في نفس الوقت بدءًا من البرازيل، وإلى بوليفيا، والباراغواي، وحتى بيرو. الحرائق التي أُشعلت عمدًا لتهيئة الأرض للزراعة وتربية الماشية وقطع ونقل الأخشاب، زادت قوتها بفعل الجفاف، حتى امتدت بأعداد مهولة، وبزيادة تُقدر بـ(80%) أكثر من العام الماضي طبقًا للمعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء، فالحرائق تمت رؤيتها حتى من الفضاء.

بالنسبة لآلاف الأنواع من الثدييات، والزواحف، والبرمائيات، والطيورالتي تعيش في الأمازون، سيظهر تأثير الحرائق على مرحلتين: الأولي هي قصيرة الأمد، والثانية طويلة الأمد.

وقد صرح ويليام ماجنوسون (William Magnusson) الباحث المتخصص في رصد التنوع البيولوجي بالمعهد الوطني لبحوث الأمازون في البرازيل (INPA) قائلًا: «في الأمازون، لا شيء متأقلم مع النيران. في بعض الغابات، كالكثير من غابات الولايات المتحدة، تكون حرائق الغابات أساسية للحفاظ على النظام البيئي السليم. واعتادت الحيوانات على التأقلم مع الحرائق، بل إن الكثير منها يعتمد عليها لينجو. فمثلًا نقار الخشب أسود البطن (Black-bellied woodpecker) والذي يعيش في الغرب الأمريكي، يصنع أعشاشه فقط في أخشاب الأشجار المحترقة، ويأكل الخنافس التي تعيش في الخشب المحترق، ولكن الأمازون مختلف.»

وأكمل قائلًا: «الغابات المطيرة غنية ومتنوعة بشكل فريد لأنها في الحقيقة لا تحترق. وعلى الرغم من اشتعال النيران فيها أحيانًا، فإنها تكون صغيرة الحجم وقريبة من سطح الأرض. بالإضافة إلى أن الأمطار تقوم بإخمادها سريعًا.»

واستطرد: «لم تحترق غابات الأمازون خلال مئات أو آلاف بل ملايين السنين. فالأمازون ليست أستراليا مثلًا، والتي يموت فيها شجر الأوكالبتوس أو الكافور (Eucalyptus) بدون الحرائق المنتظمة. وفي السنوات الأخيرة، تزداد أعداد الحرائق التي يُشعلها البشر بالأمازون، ما يهدد النظام البيئي، فالغابات المطيرة غير مهيئة لوجود حرائق.»

كيف تؤثر الحرائق على الحيوانات الآن؟

«إنهم يعانون حاليًا من خسائر فادحة في الحياة البرية.»

صرح بذلك مازيكا سوليفان (Mazeika Sullivan) الأستاذ المساعد في كلية علوم البيئة والموارد الطبيعية في جامعة أوهايو، والذي قام بأبحاث ميدانية في الأمازون الكولومبي.

وأكمل قائلًا: «عامةً خلال الحرائق البرية، فللحيوانات خياراتٌ قليلة جدًا، يمكنها أن تحاول الاختباء بأن تحفر في الأرض، أو تدخل في المياه. يمكن أن تشرّد أو أن تهلك. وفي هذه الحالة، ستموت الكثير من الحيوانات، سواء باللهب أو بالحرارة الناتجة عنه، أو من استنشاق الدخان. في تلك اللحظة يكون لديك فائزون وخاسرون. وفي نظام غير معتاد على الحرائق، ستجد عدد الخاسرين أكثر بكثير من أي مكان آخر.

هل يمكن أن تتعامل بعض الحيوانات بطريقة أفضل من الحيوانات الأخرى؟

يقول سوليفان: «يمكن أن تكون بعض الخصائص نافعة في وسط الحرائق. فمثلًا الحيوانات الكبيرة وسريعة الحركة مثل النمور والفهود، إلى جانب بعض الطيور قد تستطيع الهرب. أما الحيوانات البطيئة مثل الكسلان وآكل النمل، أو الحيوانات الصغيرة الأخرى كالضفادع والسحالي، فمن المحتمل أن تموت لعدم قدرتها على الحركة بسرعة خلال الحريق. وإن استطعات الهرب ولكن اختارت الشجرة الخاطئة، فمن المحتمل أيضًا أن تموت.»

هل يمكن لبعض الأنواع المعرضة للخطر أن تصبح مهددة بالانقراض أو حتى أن تنقرض؟

يقول ماجنوسون: «من الصعب الجزم، الحرائق البرية في الأمازون مختلفة تمامًا عن مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، حيث نعلم مناطق توزع الكثير من الأنواع، وليس لدينا معلومات كافية عن نطاق معظم الحيوانات في الغابات المطيرة لتحديد أي الأنواع هي أكثر عُرضة للخطر. ومع ذلك، هناك بعض الأنواع نقلق بشأنها أكثر من الأخرى.»

ووضح كارلوس دوريجان (Carlos César Durigan) مدير جمعية الحفاظ على الحياة البرية في البرازيل: «تيتي ميلتون (Milton’s titi) هو نوع جديد من القرود اكتُشف في العام (2011)، ولم يوجد له أثر إلا في جنوب الأمازون بالبرازيل المشتعلة بالنيران وقتها. ومن القرود المكتشفة حديثًا الطمارين (Mura’s saddleback tamarin) والذي يعيش في  منطقة صغيرة في وسط البرازيل، وهو أيضًا مهدد بسبب النيران المقتربة. من المحتمل أن يكون هذا المكان الموطن الوحيد لتلك الحيوانات المهددة، وبالتالي يمكننا أن نخسر الكثير منها للأسف.»

ماذا عن الحيوانات المائية؟

يقول سوليفان: «غالبًا، فإن المساحات الواسعة من المياه في أمان على المدى القصير، ولكن الحيوانات في الأنهار الصغيرة أو جداول المياه -وعددها كبير وأنواعها كثيرة- قد تكون في خطر، ففي المجاري الأصغر، تكون النيران شديدة القرب، وأما البرمائيات والتي تحتاج للصعود على سطح المياه لتتنفس، فستتعرض بشدة للأذى، كما يمكن للحريق أن يغير من الخصائص الكيميائية للمياه، فتصبح -على المدى القريب- غير صالحة للحياة.»

آثار ما بعد الحريق على الكائنات الحية

يقول سوليفان: «هذه هي ثاني أكبر مشكلة، الآثار طويلة المدى هي الأكثر كارثية، سيتغير النظام البيئي لكامل المنطقة المحترقة من الغابات المطيرة. فمثلًا، كانت الغابات معروفة بالأشجار الطويلة الكثيفة، والتي كانت تعمل كالستائر وتمنع أو تقلل وصول أشعة الشمس للأرض. وقد قامت النيران بإحراق هذه الستائر، وبالتالي وصل الضوء للأرض وتغير تدفق الطاقة للنظام البيئي كاملًا، ما قد يسبب في تأثيرات متتابعة على السلاسل الغذائية (Food chains).

ستكون النجاة في نظام بيئي تغير جذريًا أمرًا صعبًا على الكثير من الأنواع. على سبيل المثال، لدى الكثير من البرمائيات جلود مموهة وشبيهة بلحاء الأشجار وأوراقها، ما يساعدها على التخفى. الآن وفجأة، تغيرت البيئة المحيطة بها، وأصبحت تلك الحيوانات مكشوفة ومعرضة للخطر.

والكثير من الأنواع التي تعيش في الأمازون قد تطورت تدريجيًا، وتأقلمت على العيش في تلك المنطقة بعينها. فطيور الطوقان (Toucans) على سبيل المثال تأكل أنواعًا من الفاكهة لا تستطيع الحيوانات الأخرى الوصول إليها، وذلك بفضل مناقيرها الطويلة التي تساعدها على الوصول إلى الشقوق الصغيرة. لذا، فالحرائق التي تقضي على تلك الفاكهة ستتسبب في انهيار أعداد الطوقان بصورة كارثية.

أما حيوانات السعدان العنكبوتية (Spider monkeys) فهي تعيش في أعالي الأشجار لتتجنب المنافسة مع الحيوانات الأخرى على وسائل العيش. ويسأل سوليفان: ماذا سيحدث عندما نفقد الأشجار بسبب الحريق؟ بالتأكيد ستُجبرعلى العيش في مناطق أخرى بها نسبة المنافسة مرتفعة.

وتعتبر الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة من أصحاب المكسب الوحيد من وراء حرائق الغابات، فالصيد يكون أسهل في الأراضي الخالية.

هل هناك مخاوف أخرى على الحياة البرية؟

أكثر ما يخيف ماجنوسون هو العواقب الكُلّية لفقدان الغابة، ويوضح قائلًا: «بمجرد أن تزيل الغابات المطيرة، ستفقد (99%) من أنواع الكائنات الحية. لو كانت هذه الحرائق لمرة واحدة، لم أكن لأقلق، لكني لاحظت تغييرًا جذريًا في السياسات البرازيلية، تغييرًا يُشجع على إزالة الغابات.»

كما يشير ماجنوسون إلى تعهد الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو (Jair Bolsonaro) بفتح أراضي الأمازون للأراضي التجارية قائلًا: «التصريحات السياسية الحالية تشير إلى أنه لم يعد هناك قانون، لذا يمكن لأي أحد فعل أي شيء.»

وشارك المواطنون والمهتمون بالبيئة قلقهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فمنهم من انتقد سياسات حكومة بولسونارو، ومنهم من عبر عن قلقه بسبب الطلب العالمي المتزايد على اللحوم البقرية، الأمر الذي شجع البعض على إزالة الأشجار وتهيئة الأرض لتربية المواشي. كما يدعوا البيئيون للحذر من عواقب حرائق غابات الأمازون -والتي يطلق عليها رئة الأرض- على المناخ.

كما يوضح ماجنوسون: «هناك منطقة على الحدود الجنوبية لغابات الأمازون المطيرة وتحديدًا في الولايات البرازيلية بارا، وماتو غروسو، وروندونيا يطلق عليها (منطقة إزالة الغابات). وهناك تدفع الحرائق المفتعلة حدود الغابة إلى الشمال، مغيرة الحدود إلى الأبد. نحن لا نعرف إلا القليل جدًا عن تلك المنطقة. وقد نخسر أنواعًا من الكائنات لم نعلم أبدًا بوجودها.

مراجعة علمية: الحسين إبراهيم
مراجعة لغوية: حمزة مطالقة

المقال الأصلي:

What the Amazon fires mean for wild animals [Internet]. Animals. 2019 [cited 2019 Sep 2]. Available from: https://www.nationalgeographic.com/animals/2019/08/how-the-amazon-rainforest-wildfires-will-affect-wild-animals/

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي