كيف غيرت نظرية الألعاب في الاقتصاد الحديث؟

image-1

 

يمكن أن يكون قد سمع بعضنا عن نظرية اللعبة، والبعض الآخر قد يعرف هذا المصطلح للمرة الأولى ولكن ما هي نظرية الألعاب وفيم تفيد وكيف غيرت مجريات الاقتصاد الحديث، هذا ما سنعرضه في هذا المقال.

نظرية الألعاب Game theory وتسمى أيضاً نظرية المباراة، وهي تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح بغرض الإشارة إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ قرارات في ظل الظروف المعطاة تؤدي إلى الحصول على النتيجة المرغوبة. بالرغم من ارتباط نظرية الألعاب بالتسالي المعروفة كلعبة الداما، إكس أو، والبوكر، إلا أنها تخوض في معضلات أكثر جدية تتعلق بـ علم الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، بالإضافة إلى العلوم العسكرية.
فنظرية الألعاب هي مجال من مجالات إهتمام الرياضيات ولها أهمية كبيرة فيما يسمى بالبحوث العملياتية (Operation Research) وفي العلوم الإقتصادية، وتهتم بدراسة إستراتجيات التصرف أو العمل في ظل نظام أو منظومة ذات قواعد معينة ( هذه القواعد تسمى اللعبة)

وهذه النظرية مفادها أن الأطراف الاقتصادية كالمؤسسات الإنتاجية في أحيانٍ كثيرة تتخذ قراراتها وفقاً لتوقعاتها عن قررات المؤسسات المنافسة.. كلاعب البوكر الذي يُقيّم قوة أوراقه بناءً على توقعه لقوة الأوراق في يد اللاعب الآخر، وسلوك اللاعبين هذا لا يجعل من المنافسة الإقتصادية ضمانه كافية للوصول لأفضل نتيجة ممكنة

أهم عناصر اللعبة:
-وجود مجموعة من اللاعبين يهدف كل لاعب إلى تحقيق الربح أكثر من غيره ـ مثل حالة اللعبة الصفريةـ أو تحقيق وضع حسن للجميع
-نظرة كل طرف للربح وللخسارة قد تختلف حسب القيم التي تسيطر على سلوك كل طرف في اللعبة.
وفي عام 1944م تم بلورة مفهوم اللعبة إلى نظرية من خلال كتاب بعنوان “نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي” من تأليف فون نيومان وأوسكار مورقينسترن، وقد يختلف بعض المختصين حول جذور هذه النظرية ويرجعون ببدايات هذه النظرية إلى العام 1713 م عندما ظهرت رسالة كتبها جيمس ولدقريف يناقش فيها الحلول المتاحة في لعبة ورق بين شخصين.
وتحاول نظرية اللعبة عرض السلوك لفرد أو منشأة حيال قرار استراتيجي ما بصيغة رياضية حيث يعتمد نجاح هذا الفرد في اختياراته على اختيارات الآخرين.
وتعتبر نظرية اللعبة فرعاً من فروع علم الرياضيات التطبيقية فما هي إلا تطبيق لطرق رياضية على لعبة معينة أو حالة معينة خاصة في العلوم الاجتماعية كعلم الاقتصاد. وقد فاز بجائز نوبل للاقتصاد 8 من الاقتصاديين الذين تخصصوا في نظرية اللعبة كان من أشهرهم جون ناش الذي كان من ابداعه أنه اقترح طرق لتحديد الاستراتيجيات المتوقعة للاعبين بناءً على العقلانية (Rationality) وإيجاد نقاط اتزان أو حل للعبة (Equilibrium Points). من عجائب إنجازاته أنه قام بها بالرغم من مرضه العقلي حيث أنه كان مصاب بانفصام في الشخصية، وهي حكاية مروية في فلم مستوحى من حياته اسمه عقل جميل (A Beautiful Mind).
ومن أشهر تطبيقات هذه النظرية اللعبة المعروفة بـ لغز السجناء حيث يتم القبض على سجينين اشتركا في جريمة سرقة ما ويتم التحقيق مع كل منهما في غرفة منعزلاً عن الآخر وبالتالي فكل منهما لديه خيارين إما الاعتراف أو الإنكار، ولكن أفضل خيار أمام أحدهما هو الاعتراف لأن المحققين وعدوه بتخفيف العقوبة إن هو اعترف بالجريمة وأعاد المسروقات، فهو يريد الاعتراف أملاً بتخفيف العقوبة، كما أن إنكاره للجريمة في حالة اعتراف المجرم الآخر سيجعله عرضة لتحمل عقوبة مغلظة.

 

تنظر نظرية الألعاب للاقتصاد على اساس ان التعاملات التجارية عبارة عن لعبة يحاول كل لاعب فيها تحقيق اكبر قدر من النقاط (المال) و تفترض ان كل اللاعبين يتعاملون بعقلانية و منطق معين يجعل كل التعاملات و الارباح و الحسائر الحالية توجه بشكل يحقق ارباحا اكبر في المستقبل الفريب او البعيد حسب الخطة الاستراتيجية و السياسية للاعبين( الاقتصاديين) وتفترض نظرية الألعاب ان اللاعبين (الاقتصاديين) يتكهنون بحركات او قرارات الخصم و يدخلونها في حساباتهم لاتخاذ قرارات افضل في المستقبل.

كما ترتبط نظرية الألعاب بنظرية سلوك المستهلك، وتفترض ان المستهلك يتخذ قرارات مدروسة وعقلانية وهذا ضعف في النظرية ولكنه يخدم اتخاذ قرارات اكثر محافظة. إن نظرية الألعاب من النظريات الرياضية الاكثر استخداما في الاقتصاد و السياسة و تحتاج الى فهم و تحليل للاستفادة منها و من معطياتها، ويجب على من يتولى ادارة الاقتصاد ان يعي و يفهم هذه النظرية و اسسها و نظريات اخرى ليتمكن من دراسة و تحليل و اتخاذ قرارات اقتصادية مناسبة و صحيحة و لو بشكل نسبي.

صممت نظرية المباريات في الأساس في المجال الإقتصادي ثم تم إستخدامها في كثير من المجالات. فتعتبر نظرية اللعبة جزءاً من التأثير السلوكي على دراسة العلاقات الدولية، غير أن البعض قد تحفظ على استعمال تسمية اللعبة “المباراة” على اعتبار أن ذلك اختزال أو استهانة بتعقيد الظواهر الإنسانية إلا أن هذا التحفظ لم يجد مبررا له، وتتمثل علاقة هذه النظرية بموضوع اتخاذ القرار كونها من النظريات التي حاولت تقديم البدائل العقلانية أمام متخذ القرار.

 

كما يستعمل العسكريون اللعبة لوصف القدرة على معرفة الحركة القادمة للخصم في الحرب، ونفس الشيء بالنسبة للأحزاب السياسية الذين يصفون نشاطهم على انه لعبة السياسة وفي نفس المعنى يرى المؤرخ الهولندي”جوهلن هوزينجا” أن النظر إلى الإنسان على انه لاعب يسهل من فهم الثقافة والظواهر الإنسانية، حيث يعيش الإنسان في جو من اللعبة منذ طفولته و في كل جوانب حياته.
و تقوم النظرية على التفسير العقلاني وتجريد لسلوك اللاعبين، وعليه فهي لا تهتم بأهداف اللاعبين ودوافعهم بقدر اهتمامها بإعطاء طرف تحقيق اكبر قدر ممكن من الربح و إلحاق نفس القدر من الخسارة بالخصم فهي تقدم”العمليات الذهبية” لتحديد السلوك الملائم للفوز على طرف آخر يحسب سلوكه بنفس الطريق، أي بطريقة عقلانية يهدف تحقيق الفوز لأن السعي إلى الفوز في اللعبة يعني أن السلوك غير سوي أو غير عقلاني.

إعداد: Aml Hussein
مراجعة: Ahmed Hosiny
تصميم: Ahmad E.jad
المصدر:
http://sc.egyres.com/lTqBj

 

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي