كيف يتم إنشاء أنفاق المترو؟

كيف-يتم-إنشاء-أنفاق-المترو؟

||||

تخيل شكل الحياة في المدن الكبرى بدون مترو الأنفاق، فمع مايزيد عن قرنٍ على إنشاء أول محطة مترو في لندن عام 1863، وافتتاحه في باريس عام 1900، وبدء العمل في نيويورك عام 1904، أصبح من المستحيل الاستمرار في الحياة في المدن الكبرى بدون هذا المشروع. على الرغم من وجوده في كل مدينة في فترة زمنية مختلفة، إلا أن سببًا رئيسيًا دفع هذه المدن للتفكير في افتتاحه، وهو زيادة السكان في المدن بشكل لاتتحمله طُرقها.

بدأ تدفق السكان إلى المدن خلال الثورة الصناعية في القرنين الـثامن عشر والتاسع عشر؛ ونتيجةً للتغير الحادث في هذة الفترة تَغيَّر نمط حياة الناس، فبدلًا من العمل في المزارع، تحوَّلوا للعمل في المصانع الجديدة في المدن، بالإضافة للهجرة من أوروبا للولايات المتحدة؛ مما جعل مدينة نيويورك يرتفع تعداد سكانها في ثلاثين عامًا من 1870 :1900 ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة.

وبسبب هذا التدفق لم تستطع الطرق في المدن مواكبة هذة الزيادة، فأصبحت الطرق والتقاطعات خطيرة، والتنقل من مكان لآخر أصعب ويستهلك الكثير من الوقت. رأت الإدارات في المدن حلًا لهذة الأزمة بإنشاء وسائل للنقل الجماعي، لكن هذة الوسائل لم تُساهم بحل الأزمة بشكلٍ كبير مع زيادة استخدام السيارات، أما في لندن فقد رأوا أنه لاتوجد مساحة على سطح الأرض لإنشاء نظامٍ جديد للنقل، فكان الحل هو إنشاء هذا النظام للنقل تحت سطح الأرض، واتبعت لندن حتى الآن 160 مدينة بإنشاء مترو للأنفاق، كان أغلبها بسبب الزحام والتلوث والزحف العمراني.

لكن عند التحدث عن مترو الأنفاق يجب أن نعرف: كيف يتم حفر هذا النفق؟، وكيف يسير القطار في الأنفاق؟

توجد طرقٌ عدة لحفر الأنفاق بدايةً بالطرق اليدوية، واستخدام المتفجرات، والتسخين والتبريد السريع، وطريقة الحفر والردم، والآلات العملاقة، أو يتم الحفر باستخدام مزيج من هذة الطرق.

الأهم في عملية الحفر أن يبقى النفق في حالة اتزان في القوى المؤثرة عليه، ولكي يتم الاتزان يجب أن تتعادل الأحمال المؤثرة على النفق والتي تتمثل في: أحمال ميتة؛ وتكون وزن الهيكل نفسه، وأحمال حية: وهي عبارة عن وزن المعدات والأفراد المتحركين داخل النفق.


هناك عدة تقنيات لإنشاء الأنفاق، لكن من الطرق الأكثر شيوعًا:

  • طريقة الحفر والردم (cut-cover-method )

تُستخدم هذه الطريقة لإنشاء الأنفاق التي تكون قريبةً من السطح، وهي عبارة عن حفر خندق عميق ثم يقوموا بتغطيته بغطاءٍ متزن أعلى مكان الحفر، ويتم وضع أساسات عميقة (piles) على جانبي الخندق وتكون مصنوعة من الصلب أو من الخرسانة، ويتم وضع جمالونات (trusses) وكمرات (Beams) على طول الخندق باستخدام هذه الأساسات لدعمها، ويتم استخدام هذه الطريقة في أغلب مشاريع الأنفاق في حفر المدخل أو المخرج، ثم قد تُستخدم طريقة أخرى لحفر بقية النفق.

  • طريقة الثقب والتفجير (DRILL AND BLAST):

يتم في هذة الطريقة استخدام آلات ضخمة –هيدروليكية وكهربائية– تقوم بعمل ثقوب في واجهة النفق الصخرية وبعمق أفقي يصل إلى بضعة أمتار، ثم يتم ملء هذه الثقوب بالمتفجرات، حين تتم عملية التفجير تنهار الصخور مما يتيح عملية استخراجها من موقع النفق، ولكنها ليست من الطرق المُفضَّلة في حفر الأنفاق؛ حيث أنها تسبب إزعاجًا كبيرًا، وقد تُسبب ضررًا للمنشآت المجاورة.

  • آلات  (Tunnel-Boring-Machine):

وهي آلة كبيرة تُستخدم في حفر الأنفاق التي يصل قطرها لـ17 متر، ومع كبر حجمها تكون هناك صعوبة في نقلها ونقل غرفها؛ حيث تتم عملية النقل على أجزاء. تُستخدم كاشطات فولاذية حادة لإزالة الصخور والحطام، وأثناء عملية الحفر، يعبر الحطام من خلال القرص الدائري إلى داخل الآلة، ويقوم الناقل بإزاحة الحطام من النفق ليتم التخلص منه عن طريق شاحنات، ويمكن لهذة الآلة الحفر في التربة الصخرية والطينية، كما تقوم الآلة أيضًا بدعم النفق أثناء عملية الحفر، وتتكون الآلة من القاطع وغرفة ناتج الحفر وعدة غرف تحتوي على الوحدات اللازمة للحفر، مثل وحدة الاتزان، وغرفة التشغيل، ووحدة تركيب الحلقات، ومكان تفريغ حلقات النفق القادمة للتركيب، وخزان حول النفق ووحدات وخزانات هيدروليكية،كما توجد غرف تضم المكابس والخراطيم وطلمبات التهوية والتشحيم للأجزاء المنفصلة للماكينة وطلمبة مادة الفوم المستخدمة لنقل الأتربة، كما يُوجد مولِّدات القُدرة والمحولات، وسير نقل المخلفات والأتربة، كما تحتوي مؤخرة العربات على تحويلات السكة لعربات التغذية بالحلقات والمؤن، ومولدات الطوارئ والورشة والتخزين، واستخدمت مصر في حفر المرحلة الرابعة من الخط الثالث للمترو نوعًا من ماكينات TBM عُرفت باسم «إيمحوتب»، بطول إجمالي 175 مترًا، وقُطر 9.47 مترًا.

لكن مثل هذة الطرق المستخدمة في الحفر لم تكن قد وُجِدَت عند بداية حفر أول نفق في لندن، واضطروا للحفر يدويًا، وكانت هذة الطريقة بطيئة وخطيرة، وتم استخدام حواجز قابلة للحركة وهي عبارة عن أسقف لحماية العمال أثناء الحفر.


أما في نيويورك، تطلب الأمر ما يزيد عن ثمانية آلاف عامل، أُصيب معظمهم أثناء العمل، وتُوفِّيَ ما يزيد عن الستين، لكن مع هذا التطور الحادث لم يتم تجنب الأخطار بشكلٍ كامل، ففي يناير 2007 حدث انهيارٌ في مدينة ساوباولو في البرازيل، مما أدى إلى خسائر مادية كبيرة.

تزيد الصعوبات أثناء عملية الحفر، فَيوجد تَحْت الشوارع في المدن الكبيرة وصلاتٍ للمياه، والتوصيلات الكهربية، والكابلات، وعلى الرغم من أن آلات الحفر الحديثة يمكنها الحفر تحت هذه العقبات، إلَّا أنه في بعض المناطق مثل مخارج الطوارئ ومناطق الدخول والخروج يكون من الصعب تجنب البنية التحتية أثناء الحفر فيها، في بعض الأحيان يقوم عمال الحفر بتغيير مسارات الكابلات والأنابيب لاستمرار الحفر، وأحيانًا يقومون بالحفر من تحتها مع دعمها من الأعلى.

لكن الحَفر حول البنية التحتية للمدن قد يكون أسهل بالنسبة لحالاتٍ أخرى مثل: تسرب المياه الجوفية أثناء الحفر، فقد يضطر الحفارون لاستخدام مضخاتٍ أو آبارٍ لنزح المياه، وفي بعض العمليات يكون الأمر أكثر تعقيدًا، مثلما حدث أثناء حفر مترو باريس؛ حيث تم استخدام أنابيب منخفضة الحرارة من كلوريد الكالسيوم لتجميد الطمي وإزالته بعد ذلك ككتلةٍ صلبة.

لكن الأصعب هو الاضطرار للحفر تحت مياه الأنهار، فالتربة تحت الأنهار تكون مبللةً وضحلة بحيث يصعب التحكم بها، ففي ستينات القرن الماضي قام الحفارون باستخدام طريقة الحفر والردم (cut-cover-method) أثناء حفر نفق تحت خليج سان فرانسيسكو عن طريق حفر خندق ووضع فيه أجزاءً مصنوعةً مسبقًا من النفق، ويقوم الغطاسون بوضعها في الأماكن المخصصة لها وربطها ببعضها عن طريق المفصَّلات المرنة التي تساعد على حماية الأنفاق من الهزات الأرضية.

قد تبدو فكرة مترو الأنفاق بعد إتمام الحفر أنها بسيطة، قطار يسير خلال نفق، يتكون من عدد من العربات التي يوجد بها مقاعد، وحلقات وأعمدة للإمساك بها في حالة امتلاء العربات، يسير القطار على قضبان يكون لها نفس المقاس بطول المدينة، فمثلًا في نيويورك يكون مقاس المسار بين قضيبي القطار (1.4) مترًا.

لكن بالرغم من ذلك، يوجد في مترو الأنفاق بعض الأنظمة المهمة التي لايراها الركاب ولا يهتمون بوجودها رغم أهميتها في حركة القطارات، قد تكون حركة القطارات أوتوماتيكية بشكلٍ كامل. ففي كوبنهاجن مازال يتم إنشاء المترو، واُستخدِم فيه قطاراتٍ آلية بشكلٍ كامل دون سائقين، في الغالب تحتوي القطارات الأوتوماتيكية على أنظمة مُراقبة، مثل دوائر –تلفزيونية– مُغلقة؛ للسماح للأفراد بمراقبة حركة القطار من غرف المراقبة، تقوم أجهزة الاستشعار بالكشف عن الأشياء القريبة من القطار أو في اتجاه الأبواب، لكي لايَعلَق الناس أو يتعرضوا لأي خطرٍ أثناء الصعود والهبوط.

أما الأنظمة التي لا تُستخدم فيها قطاراتٍ آلية، فتحتوي على علاماتٍ وإشارات لمساعدة السائقين على القيادة بأمان، يتم استخدام العلامات لبيان كل شيء، بدايةً من حدود السرعة، لأماكن طفايات الحريق، وتُستخدم الأضواء لتُبيِّن للسائقين متى يجب علىهم التوقف، ومتى يكون المسار أمامهم مشغول، للتحرك بحذر، وتُستخدم أجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء لبيان موقع القطار، ويُمكن للإشارات التواصل مع الإشارة المجاورة لتجنب وجود قطارين على نفس المسار في نفس الوقت، بعض الإشارات تقوم بشكلٍ آلي بتفعيل مكابح الطوارئ في حالة لم يتوقف السائق في المكان المخصص له.

كيف يسير القطار داخل النفق ؟

في بادئ الأمر، كانت قطارات المترو تسير بواسطة محركاتٍ بخارية، لكن مع مشاكل التهوية التي كانت تسببها الأبخرة، تم الاعتماد على استخدام الكهرباء بشكلٍ كامل في تسيير القطارات، وإدارة الأنوار في الأنفاق ومعدات المحطات.

ويتم تسيير القطارات بالاعتماد على الكابلات المعلقة، أو القضيب المكهرب المعروف بالقضيب الثالث، ويكون على أحد جانبي أو بين قضيبي مسار القطر، وتقوم النواقل الموجودة أسفل عربة القطار، بنقل الطاقة من القضيب للموتور الكهربي، في نيويورك مثلًا؛ يحمل القضيب الثالث (625) فولت، وتحتاج القضبان والكابلات لمحطات توليد الكهرباء لمدها بالطاقة، ويقوم عدد من الكابلات والمحطات بنقل الكهرباء من محطات التوليد الرئيسية للقضبان، ففي مترو القاهرة يغذي خطوط مترو الأنفاق الثلاثة 4 محطات كهرباء، بينهم محطتان للخط الأول، ومحطتان لكلٍّ من الخطين الثاني والثالث، حيث يعتمد مترو الأنفاق في تسيير حركة قطارات على هذه المحطات، ويعتمد الخط الأول على محطتي كهرباء أحدهما محطة طرة البلد، والأخرى هي محطة كهرباء رمسيس، فيما يغذى الخط الثاني محطة كهرباء برمسيس، ويغذي الخط الثالث محطة كهرباء بالعباسية.


التطور المستمر لطرق الحفر والقطارات يكون دائمًا بغرضٍ واحد، وهو تسهيل حياة سكان المدن، وتوفير راحةٍ أكبر لهم.

ربما قد نرى في المستقبل وسيلةً أكثر راحة لمشكلة الزحام هذه التي تجعل من الحياة أمرًا شاقًا.

 

إعداد: عمرو الديهي

مراجعة علمية: Mahmoud Mohamed Ouf

مراجعة لغوية وتصميم: Mohamed Sayed Elgohary

المصادر :

TBM videos:

http://sc.egyres.com/U6cLB

http://sc.egyres.com/sdg8i

Cut-cover-method video:

http://sc.egyres.com/kOmTt

Drill and blast video:

http://sc.egyres.com/nvyI5

  1. http://sc.egyres.com/ZN0UO
  2. http://sc.egyres.com/E7EKz
  3. http://sc.egyres.com/6FAeM
  4. http://sc.egyres.com/rXHBU


شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي