كيمياء الدماغ

الدماغ

قبل أنْ تبدأْ في قراءةِ المقال، قمْ برفعِ يدِكَ اليُمنى لأعلى، فعلت؟ حسنًا، ما الذي دفعك لرفعِ يدك اليُمنى لأعلى؟ نعم، أنا من وجهتُ لك هذا الأمر، ولكن من الذي أخبرَ يدَك اليُمنى أنْ ترتفع لأعلى؟ لا، ليس أنت من وجهتَ لها الأمر؛ فيدك اليُمنى لا تفهمُ اللغةَ التي تتحدثُ بها، بالإضافة إلى أنَّك لمْ تتحدثْ لكي تُخبِرَها، إذنْ من أخبرها؟

إنَّ جسدَكَ يحتوي على شبكةٍ كبيرةٍ من الخلايا العصبية التي تحملُ الإشاراتِ الكهربيةِ من وإلى دماغك، الموادُ الكيميائية الموجودة في الدماغِ تتحكمُ في عضلاتِك؛ مما يُؤدي إلى قدرتِكَ على الحركة، التحدث والإتزان…الإشاراتُ القادمةُ من جسدِكَ إلى دماغِكَ تعطي المعلوماتِ عن العالمِ الخارجي، وعندما يعالجُ الدماغُ هذه المعلوماتِ؛ فهذا يسمحُ لك بالرُؤَية والشعور بمختلف المشاعر وبأن تسمع، تشم وتتذوق.

إذا نظرت إلى الدماغِ نظرةً ميكروسكوبية؛ فإنك سترى أنه مُكونٌ من أكثرِ من تريليون خلية، وهناك نوعين من أنواع خلايا الدماغ: الخلايا الدبقية، والخلايا العصبية (neurons).

«الخلايا الدبقية» هي الشبكةُ الداعمةُ للدماغ، فهي تُساعدُ في الحفاظِ على الخلايا العصبيةِ في البيئةِ المحيطة، وهي المسؤولة عن الميلان (Milan) -مادة دهنية تقومُ بعزلِ الخلايا العصبية لزيادةِ سرعة الاتصال-.

«الخلايا العصبية» فهي خلايا نفس بِنيَّةُ باقي الخلايا، ولكن لديها سحر كهروكيميائي يتيحُ لها نقلَ الرسائلِ لبعضِها البعض؛ لذلك فهي «رسول الدماغ»: فوظيفتها هي نقلُ المعلوماتِ بسرعةٍ من خليةٍ إلى إخرى…هناك البلايين من الخلايا العصبية التي ترسلُ وتستقبلُ المعلوماتِ التي تشكلُ تفكيرَنا، تتحكم في سلوكنا وأكثر.

لكي نعرفّ كيفّ نحلمُ ونشعر؛ يجبُ أنْ نتعرفّ على هذه الخلايا عن قرب، تحتوي أجسامُنا على أعدادٍ مهولةٍ من الخلايا العصبية التي يبدأُ طولها من بضعِ مللي مترات إلى خلايا تمتدُ بطولِ الساق، فمهما كان حجم العصب، فكلها تتكونُ من ثلاثةِ أجزاء أساسية: البدن، التغصنات والمحوار.

«البدن» أو جسد الخلية:

هو باختصار الداعم لحياة الخلية العصبية، ويحتوي على كل عمل الخلية الضروري كالنواة، الحمض النووي، الريبوستات وغيرها، لذا إذا مات البدن؛ تموتُ الخليةُ العصبيةُ كلها معه.

«التغصنات»:

ولها زوائد وفروع مثل الأشجار؛ لذلك سميت بهذا الاسم، وهي التي تتلقى الرسائل من الخلايا الأخرى، أما «المحوار»: فهو ذلك الحبلُ الطويلُ الذي ينقلُ الإشاراتِ الكهربيةِ من الخليةِ العصبيةِ إلى خلايا عصبية أُخرى وغدد وعضلات أخرى.

حسنًا، كيف تتمكنُ هذه الخلايا العصبيةُ من نقلِ الرسائل؟

تنقلُ الخلايا العصبيةُ الإشاراتِ إمّا عندما تتحفزُ بواسطةِ الدخلِ الحسي، أو عندما يتمُّ تنبيهَهَا بواسطةِ خلايا عصبية أُخرى، فهي تفعلُ ذلك من خلالِ مجموعةٍ من الإشاراتِ الكهربيةِ والكيميائية، فعندما تنشطُ الخليةُ العصبيةُ فإنَّ الإشارةَ الكهربيةَ تُرسَلُ من إحدى نهاياتِها إلى النهايةِ الأُخرى، وبمجردِ ما تصبحُ قريبةً من النهايةِ الأخرى تنقسمُ الخليةُ العصبيةُ للعديدِ من الفروعِ الناعمة، وفي نهايةِ هذه الفروعِ هناك مواد كيميائية تُسمى «الناقلاتُ العصبية» تُخزن في انتفاخاتٍ مخصصة، وعندما تصلُ هذه الدُفعةُ الكهربيةُ إلى هذه الانتفاخات فإنَّ ذلك يشيرُ إلى انطلاقِ الناقلات العصبية في الفراغِ الموجودِ بين الخليتين العصبيتين، هذا الفراغُ يُسمى «التشابكُ العصبي أو المشبك»…ومن الناحيةِ الأُخرى يكونُ السطحُ الخارجي للخليةِ العصبيةِ الأُخرى مُغَطى بمستقبلاتِ، فتعبرُ الناقلاتُ العصبية التشابكَ العصبي ثمَّ تقومُ بمِلء فراغات المستقبلات، وعندما يحدثُ هذا الاتصال؛ فإنَّ الإشارةَ تصلُ إلى الخليةِ العصبيةِ الأُخرى.

متوسطُ اتّصالِ الخلايا العصبية يصلُ إلى 1000 اتّصالٍ كهربي مع باقي الخلايا العصبية، مما يشيرُ إلى أنَّ هناك العديد من الموادِ الكيميائيةِ المختلفةِ التي تطوفُ في التشابكِ العصبي.

حسنًا، كيف تعرفُ هذه الخلايا العصبية ما عليها فعله عندما تنشطُ مستقبلاتُها؟

المستقبِلُ يتصلُ بنوعٍ محددٍ من الناقلاتِ العصبية التي لها الشكل الكيميائي الصحيح، أما الناقلات العصبية التي ليس لها الشكل المناسب لا ترتبط بالمستقبِل؛ وبالتالي لا يسببُ استجابة، ولنْ تستجيبَ الخليةُ العصبيةُ إلّا إذا ارتبطت المستقبلات بكلِ الناقلاتِ العصبيةِ المناسبة لها، وترسلُ الخليةُ الإشارةَ طبقًا لكميةِ ونوعِ الناقلات العصبية التي اتصلت بمستقبلاتها…بمجرد ما تُنْهي الناقلاتُ العصبيةُ وظيفتَها، فإنَّ معظمها يعودُ إلى الخليةِ العصبيةِ مرةٍ أُخرى، مزيلةً للتشابكِ العصبي، وهذا ما يُسمى بـ«الإمتصاص».

بالرغمِ منْ أنَّ هذا يبدو مُعقدًا، إلَّا أنَّ عمليةَ إرسالِ المعلوماتِ التي تحدثُ داخلَ الدماغِ وفي باقي الأنظمةِ العصبيةِ تتمُ في خلالِ جزءٍ من الثانية.

أعتقدُ أنَّك عرفت الآن منْ أخبرَ يَدَك اليُمنى أنْ ترتفعُ، إنَّها هذه الخلية الصغيرة التي سرعان ما نقلَتْ الخبرَ إليها.

إعداد: Amira Esmail

مراجعة لغوية: Mahmoud ELdaoshy

تحرير: Hasnaa El-Debawy

المصادر:

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي