كيمياء الغلاف الجوي

sunrise-1756274_1920

|

تستيقظ في الصباح المبكر لأحد الأيام، تصطحب كوب القهوة الساخن الخاص بك إلى شرفة منزلك لتشاهد شروق الشمس وسط غيوم الشتاء المعتدل، تأخذ نفسًا عميقًا من الهواء البارد والمنعش وتحتسي القليل من قهوتك وتتسائل بداخلك؛ ماذا يوجد في هذا الهواء، وما الذي يتكون منه هذا الغلاف الجوي الذي درسناه في المرحلة الابتدائية، حسنًا؛ بقراءتك لهذا المقال فأنا أوعدك أن تستمتع المرة القادمة بقهوتك في هذه الأجواء دون أن يدور بخلدك مثل هذه الأسئلة.

ما هو الغلاف الجوي؟

الغلاف الجوي عبارة عن منطقة مليئة بالغازات وبعض جزيئات الغبار (aerosol)، وتمتد نلك المنطقة بدايةً من سطح الكوكب نفسه (شاملًا الأراضي البرية والمحيطات والأماكن المغطاة بالثلوج) وانتهاءً بالفضاء الخارجي، وتنخفض كثافة هذا الغلاف بزيادة البعد عن سطح الكوكب؛ حيث تستطيع الغازات وبعض الأغبرة من الأفلات من الجاذبية الأرضية عند الارتفاعات الكبيرة
تمتلك العديد من الكواكب مثل الزهرة والأرض والمريخ والكواكب الخارجية الضخمة في المجموعة الشمسية أغلفة جوية، ولكن يتميز الغلاف الجوي الأرضي بقدرته على احتواء الماء بجميع حالاته (الصلبة والسائلة والغازية)، مما ساهم بصورة كبيرة في ظهور الحياة على كوكب الأرض.

ممَّ يتكون؟

الغلاف الجوي للأرض حاليًا عبارة عن خليط من (نيتروجين ثنائي الذرة – Diatomic nitrogen) بنسبة تصل إلى (78.08%) و(أكسجين ثنائي الذرة – Diatomic oxygen) بنسبة (20.95%) و(أرجون – Argon) بنسبة (0.93%) و(ثاني أكسيد الكربون – Carbon dioxide) بنسبة (0.04%)، بالإضافة للعديد من الغازات الخاملة كالنيون والهيليوم والكريبتون)، كما تتواجد بنسب ضئيلة بعض المركبات الأخرى مثل مركبات الكبريت ومركبات الأوزون،
يدخل أيضًا في تركيب الغلاف الجوي بعض الانبعاثات الغازية للبراكين مثل (كبريتيد الهيدروجين – Hydrogen sulfide) و(أول أكسيد الكربون – carbon monoxide) وكلًا من غازي الكلور والفلور، ولكن بخار الماء يشكل حوالي (85%) من تلك الانبعاثات، ولكن .. هل هذه هي صورة الغلاف الجوي منذ الأزل؟!

التطور الكيميائي للغلاف الجوي

تطور الغلاف الجوي إلى الصورة الحالية هو أمر غير مفهوم بصورة كاملة، ولكن يُعتقد أن البداية كانت مع انطلاق الغازات الداخلية للكوكب نفسه ومن عمليات التمثيل الغذائي لبعض الكائنات الحية، ومع افتراض وجود المحيطات منذ ثلاثة مليارات سنة وانبعاثات شمسية تمثل (60%) مما هي عليه الآن؛ فإن الماء ولا بد أنه كان مكونًا أساسيًّا للغلاف الجوي في مثل هذا الوقت، ومع تطور كائنات حية قادرة على إتمام عمليات البناء الضوئي فقد ظهرت كميات كبيرة من الأكسجين في الغلاف الجوي كافية لتكوين طبقة الأوزون.


بعض المشاكل (ثاني أكسيد الكربون)

وصلت نسبة ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي في السنوات الأخيرة إلى أعلى معدلاتها منذ أربعة ملايين عام، تلك المعدلات التي دخلت في مرحلة اللاعودة؛ بمعنى أننا لن نستطيع إعادة كمية ثاني أكسيد الكربون إلى النسب الآمنة مرة أخرى؛ حيث أن معدلات الزيادة في السنوات الـ (70) الأخيرة بلغت (100) ضعف ما كانت علية في نهاية آخر العصور الجليدية. إن مثل هذه التغيرات في معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي غير معهودة، ففي الصورة التالية يتم توضيح مدى الجنون التي وصلت لها تلك المعدلات، فالرسم البياني على اليسار يمثل محتوى ثاني أكسيد الكربون في نهايات العصر الجليدي الأخير، وعلى يمين محتوى هذا الغاز في العصر الحديث، وتمثل المنطقة الرمادية على يسار الرسم البياني الأخير الـ (70) سنة الماضية.


يمكننا نسب العوامل المؤثرة في هذه الزيادة الجنونية إلى قطع الأشجار من الغابات والزيادة في استخدام الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع وعمليات الزراعة المكثفة، تلك العوامل التي بدأت مع الثورة الصناعية عام (1705م)، والتي ساهمت في وصول تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عام (2016م) إلى (400) جزيء من المليون/لتر.

حل يلمع في الأفق

تخيل معي عزيزي القارئ ماذا سيحدث لو اكتشف العلماء طريقة لتحويل ثاني أكسيد الكربون المتواجد في الغلاف الجوي إلى وقود؟ بل وبطريقة صناعية أيضًا! على الأقل سنتمكن من تقليل تلك النسب العالية منه، والاستفادة به كمصدر وقود متوفر بكثرة، وهذا ما فعله الباحثون منذ فترة، حيث قاموا بتطوير طريقة للتحقيق ذلك، وبعامل حفاز وحيد، أظن أنها ستكون فرصة جديدة للعالم.
«اكتشفنا بالصدفة وبطريقة ما أن هذه المادة تعمل»، هكذا صرح (آدم روندينون – Adam rondinone) أحد الباحثين في مختبر (أوك ردج الوطني – Oak Ridge National Laboratory) التابع لإدارة الطاقة الأمريكية، وأضاف قائلًا: «كنا نحاول دراسة الخطوات الأولى من التفاعل المقترح، وحينها أدركنا أن هذا العامل الحفاز قام بالتفاعل كاملًا من تلقاء نفسه»، ولكن ماذا فعلوا؟
قام روندينون وزملاؤه بتصميم ذلك العامل الحفاز، مستخدمين الكربون والنحاس والنيتروجين، وذلك عن طريق دمج أجزاء نانوية «Nano Partical» من النحاس داخل ثغور مكونة من الكربون الممزوج بنسبة عالية من النيتروجين، حيث يبلغ طول تلك الثغور (50-80) نانومتر، (1 نانومتر= جزء من المليون من المليميتر)، وعند أمرار تيار كهربي قوته (1-2) فولت، قام العامل الحفاز بتحويل محلول ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى إيثانول، وبنسبة تصل إلى (63%)،  نتيجة التجربة كانت مفاجئة لسببين مهمين:

  • استطاعت عكس عملية الاحتراق (الناتج عنها ثاني أكسيد الكربون من الأساس) بطريقة فعالة وبأقل كمية من الكهرباء
  • تمكنت من إنتاج كميات كبيرة وغير متوقعة ويضيف روندينون معلقًا على التجربة: «نحن استطعنا تحوي من الإيثانول (حيث كانوا يتوقعون تكون مواد كيميائية منخفضة القيمة بالأضافة إلى الميثانول). لثاني أكسيد الكربون، تلك المادة التي تعتبر من النفايات الناتجة من عملية الاحتراق إلى وقود ذو استخدام عالي»، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الإيثانول؛ حيث تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية سنويًا إلى مليارات الجالونات من الإيثانول لخلطة بالجازولين، ويضيف قائلًا: « الإيثانول كان حقًا مفاجئة، حيث من الصعب الحصول عليه مباشرةً من ثاني أكسيد الكربون، بل وبعامل حفاز واحد. هذا النوع من التفاعلات الكهروكميائية عادة ما تُنتج خليط من المواد المختلفة وبكميات قليلة مثل الميثان والإيثيلين وأول أكسيد الكربون، تلك المواد التي لاتتمتع أيًا منها بنسبة عالية من الطلب والتداول» هكذا علق كولن جيفري من موقع نيو أطلس «New Atlas» على تلك التجربة.

إعداد: Ahmed Fahmy
تدقيق: Wael Yassir
المصادر:
(1)

(3)

(4)
http://sc.egyres.com/XDhgt
(5)
http://sc.egyres.com/bFsoG

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي