يستمر جارنا الكوكب الأحمر في إثارة فضولنا، ويستمر التساؤل حول وجود أي شكل من أشكال الحياة على كوكب آخر غير كوكب الأرض. فهل نجد في المريخ ضالتنا؟ حسنًا، لم يجد مسبار (كيوريوسيتي) المريخي التابع لوكالة ناسا علامات على وجود حياة فضائية، ولكن قد يتمكن أحد إخوته من فعل ذلك بعد سنوات قليلة من الآن.
ففي 7 يونيو 2018، قام علماء مهمة كيوريوسيتي بضربة في علم الأحياء الفلكي، فقد أعلنوا أن المسبار قد رصد جزيئات عضوية في صخور قديمة للكوكب الأحمر، بإلاضافة إلى تحديد تغيرات موسيمية في تركيز الميثان ضمن غلافه الجوي، مما يوحي بأن الغاز يتسرب من خزانات جوفية.
هذه أشياء مثيرة، ففي الحياة كما نعرفها الكربون هو اللبنة الأساسية للكائنات العضوية، ونحو 95 في المائة من الميثان في هواء الأرض ينبعث من الميكروبات وغيرها من الكائنات الحية. ومع ذلك، لا يعتبر هذا دليل قوي يثبت وجود حياة على المريخ، وقد حرص أعضاء فريق كيوريوسيتي على التأكيد على ذلك؛ حيث يمكن انتاج المواد العضوية وغاز الميثان عن طريق العمليات الجيولوجية، وهكذا تبقى حقيقة الأشياء التي اكتشفها كيوريوستي مجهولة.
في الواقع، لم يتم إعداد مسبار كيوريوسيتي للبحث عن الحياة الفضائية؛ فهدفه الرئيسي هو تحديد ما إذا كان المريخ كان قادرًا على دعم وجود ميكروبات يومًا ما، وقد نجح المسبار في تحقيق هذا الهدف، حيث بين أن موقع هبوطه، وهو أرضية فوهة ضخمة تسمى Gale، كان يؤوي نظامًا من المحتمل أنه كان قابلًا لدعم الحياة منذ فترة طويلة.
ولكن البعثات المريخية للبحث عن الحياة الفضائية قادمة، وقريبًا أيضًا. ففي عام 2020، تهدف ناسا لإطلاق مسبار مهمته البحث عن المواد العضوية بإلاضافة إلى العلامات الكيميائية للحياة في صخور الكوكب الأحمر القديمة. كما سيقوم مسبار (المريخ 2020)، والذي يعتمد هيكله بشكل كبير على هيكل كيوريوسيتي، بجمع وتخزين عينات للعودة بها إلى الأرض في نهاية المطاف، حيث سيتمكن العلماء من دراستها وفحصها بحثًا عن أي دليل على وجود سكان المريخ الأصليين. (ويعد الجزء الأخير هو الأكثر روعة، حيث أنه وحتى الآن لا توجد مهمة استرجاع عينة بشكل رسمي في تاريخ ناسا)
ومن المقرر أيضًا أن يتم إطلاق مسبار (إكسو مارس-ExoMars) بقيادة أوروبية في عام 2020. هذه المركبة مهمتها البحث عن الحياة أيضًأ، حيث ستأخذ عملية البحث عميقًا تحت الأرض، مستخدمةً مثقاب يمكنه أن يحفر لامتداد يصل إلى حوالي مترين لأسفل. (في حين أن مسبار المريخ 2020 سيستخدم –مثله مثل كيوريوسيتي- مثقاب يمكنه الحفر حوالي 6 سنتيمترات في الصخور.)
وقالت جينيفر إيجينبرود، وهي عالمة في قسم استكشاف النظام الشمسي في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا، والتي قادت دراسة الكشف عن الكائنات العضوية لمسبار كيوريوسيتي التي تم نشرها حديثا:
«من خلال القيام بذلك، يمكن الإفلات من البيئة الإشعاعية (المريخية)، والتي قد تكون ضارة جدًا للجزيئات العضوية.»
(حيث يتعرض كوكب المريخ للإشعاع الكوني والشمسي بقوة، ويعود ذلك إلى امتلاكه غلاف جوي رفيع وافتقاره إلى مجال مغناطيسي). كما ذكرت إيجينبرود:
«يمكن حتي لإكسو مارس أن يصل إلى أشياء تمَّ الحفاظ عليها بشكل أفضل، مما سيسمح له باستخراج بعض المعلومات عن المصدر.»
وقال كريس ويبستر، الذي قاد دراسة غاز الميثان الحديثة لكيوريوستي: «يمكن لإكسو مارس أن يلقي الضوء على مصادر الميثان في الكوكب الأحمر، فمن المرجح أن يكون مسبار إكسو مارس قادرًا على تصنيف الكربون في جزيئات الميثان، وتحديد نسبة الكربون-13 منه، الذي يحتوي في نواته على نيترون زائد عن ذرة كربون-12 الطبيعية -حيث يتكون جزيء الميثان من ذرة كربون واحدة مرتبطة بأربع ذرات هيدروجين-».
وحتى في الكميات المنخفضة نسبيًا من الميثان، ينبغي أن نكون قادريين على الحصول على نسبة الكربون(13). حيث ستكون هذه النسبة مهمة جدًا لعلماء الأحياء الفلكية؛ لأن الميثان المنتج بيولوجيًا هنا على الأرض ينضب بشكل أكبر من الكربون (13).
وتُعد بعثة المسبار إكسو مارس هي المرحلة الثانية من برنامج إكسو مارس المتكون من جزئين، والذي تقوده وكالة الفضاء الأروبية، مع روسيا كشريك أساسي. كما أن ناسا مشاركة كذلك؛ فعلى سبيل المثال: تزود وكالة الفضاء الأمريكية المسبار بمكونات أساسية في أداته الرئيسية المختصة بعلم الأحياء الفلكية، وهو جهاز تحليل الجزيئات العضوية المريخية.
أُطلق في المرحلة الأولى من إكسو مارس متتبع الغازات المداري (TGO) بالإضافة إلى مركبة هبوط تدعى (شياباريلي-Schiaparelli) في اتجاه الكوكب الأحمر. انتهى الأمر بشياباريلي بالاصطدام بسطح المريخ، ولكن TGO وصل بأمان واستقر مؤخرًا في مداره النهائي. وقال المسؤولون في وكالة الفضاء الأروبية أن قياسات المسبار يجب أن تسمح للباحثين بصنع خرائط شاملة للميثان وغازات أخرى منخفضة الوفرة في هواء المريخ. حيث يمكن لهذه الخرائط أن تساعد في توجيه سفن الفضاء المستقبلية الباحثة عن الحياة إلى مناطق واعدة.
وقال ويبستر: «اذا كان بإمكانهم إخبارنا بوجود منطقة في المريخ حيث يبدو أن الميثان يأتي منها، فإن ذلك سيكون ضخماً. حيث سيمكننا حينها توجيه البعثات المستقبلية في هذا الاتجاه.»
لا أحد يعرف، بالطبع، ما إذا كانت الميكروبات أو أي كائنات أخرى دعت المريخ بالمنزل. ولكن اكتشافات كيريوسيتي هي سبب لبعض التفاؤل في هذا الصدد.
وقال توماس زوربوشن المدير المساعد لمديرية المهام العلمية في مقر ناسا في بيان: «مع هذه الاكتشافات الجديدة، يخبرنا المريخ ان نواصل المسيرة ونستمر في البحث عن دليل على الحياة. انا واثق من أن مهماتنا المتواصلة والمخططة ستكشف المزيد من الامور المذهلة عن الكوكب الأحمر.»
ترجمة: Hadeer Sabry
مراجعة: آية غانم
المصدر: http://sc.egyres.com/LsPOE