لماذا المضادات الحيوية غير فعالة في مقاومة الفيروسات؟

لماذا المضادات الحيوية غير فعالة في مقاومة الفيروسات؟

 

قبل اكتشاف المضادات الحيوية لأول مرة في العشرينيات من القرن الماضي، كانت الإصابة بعدوى طفيفة مثل التهاب الحلق قادرة على أن تسبب الوفاة، ولكن بعد أن أصبحت المضادات الحيوية متاحة في أربعينيات القرن الماضي، زاد متوسط العمر المتوقع للأفراد وأصبحت العمليات الجراحية أكثر أمانًا، وارتفعت معدلات النجاة مما كان يُعد في الماضي عدوى مميتة. [1]

تعمل المضادات الحيوية عن طريق استهداف آلات النمو في البكتيريا، [2] وهنا يقع سوء الفهم، فليست كل عدوى بكتيرية، وإنما قد تكون فيروسية، أو طفيلية، أو فطرية بناءً على نوع الكائن المسبب لها، وهو ما قد يُخطئ المرضى في تقديره مما يدفعهم لسوء استخدام المضادات الحيوية. [3]

مع الاستخدام غير الحكيم للمضادات الحيوية أصبحت البكتيريا أكثر ذكاءً، وطورت آليات تجعلها مقاومة للمضادات الحيوية، وهو ما أصبح مشكلة رئيسية في وقتنا الحالي، ففي الولايات المتحدة يُصاب (2.8) مليون شخص سنويًا بالبكتيريا أو الفطريات المقاومة للمضادات الحيوية، ويموت أكثر من (35000) منهم نتيجة لذلك. [2،4]

سيسهُل فهم آلية عمل المضادات الحيوية وسبب عدم فاعليتها في مكافحة الفيروسات عند النظر للأمر من الناحية الهيكلية.

البكتيريا كائنات دقيقة وحيدة الخلية، يمكن أن تنمو في ظروف قاسية، وتتكون الخلية البكتيرية من السيتوبلازم الذي يحتوي على المُغذيات، والبروتينات، والحمض النووي للخلية، ويُحاط السيتوبلازم بغشاء خلوي. [5]

بينما يُعد الفيروس جسيمًا غير حي، فهو لا يقوم بعملية التنفس ولا التمثيل الغذائي بعكس البكتيريا، ويحتاج إلى مُضيف لإتمام عملية التكاثر، ويُشار إلى الجسيم الكامل للفيروس بالفيريون (virion)، وهو يتكون من مادة جينية محاطة بغشاء واقي من البروتين، ويُحيط الغشاء البروتيني غشاء دهني مشتق عن الخلايا المضيفة. [5]

إنفوجرافيك يوضح تصنيف للمضادات الحيوية بناءً على آلية عملها.
المصدر: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5672523/

تعمل المضادات الحيوية عن طريق استهداف آلات النمو في البكتيريا، بهدف قتل الخلية البكتيريا أو منعها من إتمام عملية التكاثر، ويتم ذلك باستهداف إحدى العمليات البيولوجية الأساسية في الخلية والتي تشمل: تصنيع الجدار الخلوي، وتصنيع الحمض النووي للخلية، وتصنيع البروتينات، ويوضح هذا الشكل تصنيفًا للمضادات الحيوية وفقًا لآلية عمل كل منها. [2]

وبالتالي بمعرفة حقيقة الاختلاف بين الفيروسات والبكتيريا من حيث الهيكل، والتركيب، وطريقة التكاثر، سيصبح منطقيًا لنا أن استخدام المضادات في علاج العدوى الفيروسية لن يأتي بأي نفع. 

كيف نواجه العدوى الفيروسية؟

على الرغم من كون الفيروسات بسيطة للغاية من حيث التركيب، إلا أن هناك العديد من الأنواع المختلفة منها والتي يمكن أن تسبب أمراضًا تتراوح في خطورتها من نزلات البرد والإنفلونزا وجدري الماء إلى الإيدز أو متلازمة نقص المناعة المُكتسبة.

عند التعرض لعدوى فيروسية، تقوم الفيروسات بغزو الخلايا بغرض التكاثر، وتتحول كل خلية مُصابة إلى مصنع للفيروس، لتنفجر في النهاية مُطلقةً ما يصل إلى (10000) فيروس جديد، والتي تقوم بدورها بغزو الخلايا المجاورة. 

عندما يستشعر الجسم وجود الفيروس، يقوم بتحفيز الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة (B cells) لتقوم بالانقسام. وتستطيع كل خلية منها إنتاج (2000) جزيء مضاد في الثانية.

ترتبط الأجسام المضادة بالفيروسات حتى تستطيع خلايا الدم البيضاء التعرف عليها ومن ثم ابتلاعها وتدميرها، ويمكن الكشف عن وجود الأجسام المضادة بالدم بعد (4-7) أيام من العدوى. [6]

مضادات الفيروسات 

تُختصر الأسلحة التي في حوزتنا ضد غزو الفيروسات على اللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات.

اللُقاح

هو تركيبة بيولوجية تُحسن من استجابة الجهاز المناعي لمرض معين، ويُصنع من الفيروس المُسبب للمرض عن طريق إضعافه، أو قتله، أو استخدام أحد البروتينات السطحية للفيروس، مما يُحفز الجهاز المناعي على التعرف عليه وتدميره وإنتاج أجسام مضادة، وبالتالي عندما يتعرض الجسم للفيروس مرة أخرى سيكون من السهل مواجهته. ويُعد التطعيم هو الطريقة الرئيسية لمنع تفشي الأمراض الفيروسية. [7]

ومع ذلك فإن عمية التحور المستمرة للفيروسات قد تجعل التطعيم الفعال أمرًا صعبًا، فبعض مجموعات الفيروسات قد تحتوي على (50) فيروسًا أو أكثر، وعلى سبيل المثال في حالة الإنفلونزا، تُغير الفيروسات المسببة بروتيناتها باستمرار، وبالتالي فإن اللقاح المضاد لها يتغير سنويًا مما يجعل عملية إعادة التطعيم مطلوبة. [8]

الأدوية المضادة للفيروسات

مثلما تستهدف المضادات الحيوية البكتيريا، فإن هذه الفئة من الأدوية تُستخدم خصيصًا لعلاج العدوى الفيروسية، ولكن على عكس معظم المضادات الحيوية، فإنها لا تدمر الفيروسات المُستهدفة وإنها تمنع تطورها.

 وقد تم تصميم معظم الأدوية المضادة للفيروسات المتوفرة حالًيا للمساعدة في التعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية وفيروسات الهربس وفيروسات التهاب الكبد الوبائي (B،C) التي يمكن أن تسبب سرطان الكبد، وفيروسات الإنفلونزا. [7]

تعمل مضادات الفيروسات على واحدة من الخطوات الخمسة الأساسية في دورة تكاثر الفيروس، وهي: 

(1) الارتباط بالخلية المضيفة واختراقها.
(2) إزالة الغشاء البروتيني للفيروس.
(3) تصنيع المكونات الفيروسية الجديدة بواسطة الخلية المضيفة، بتوجيه الحمض النووي للفيروس.
(4) تجميع المكونات في فيروس جديد.
(5) إطلاق الفيروس من الخلية المضيفة. [8]

يصعُب تصميم الأدوية المضادة للفيروسات الآمنة والفعالة، لأن الفيروسات تستخدم الخلايا المُضيفة للتكاثر، مما يجعل استهدافها دون الإضرار بخلايا الجسم المُضيف أمرًا صعبًا، ولكن لازالت الجهود مستمرة لتوسيع نطاق مضادات الفيروسات المتاحة. [7]

المصادر:
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
لمصدر الخامس
المصدر السادس
المصدر السابع
المصدر الثامن

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي