لماذا لا نزال نمتلك حمضا نوويا للميتوكوندريا ؟

Template-new_1

الميتوكوندريا ليست هي البكتيريا التي كانت موجودة في بداياتها، لنقل بداياتها التي تمتد لملياري سنة مضت. منذ استهلاكها بواسطة الاسلاف وحيدة الخلية فان الميتوكوندريا (بيت الطاقة ) فقدت معظم جيناتها المُقدرة بما يزيد على 2000 جين. ومازال هناك حفنة باقية من هذه الجينات – وبقائها معتمد على نوعية الكائن الحي نفسه.

 ولكن السؤال هنا هو لماذا؟

احد التفسيرات عرضه عالم رياضيات وعالم أحياء قاما بتحليل وتتبع فقدان الجينات في الميتوكوندريا على مدار التاريخ التطوري. حيث وجدا أن الحمض النووي للميتوكوندريا مهم جدًا للترميز الجيني داخل النواة وبالتالي فقد تطور ليقاوم البيئة المضرة داخل الميتوكوندريا.

نُشِرت هذه الدراسة في 18 فبراير في مجلة «Cell Systems».

يقول «بن ويليامز»، الباحث المشارك وباحث ما بعد الدكتوراة في معهد «وايتهايد» للأبحاث الطبية الحيوية: « ليس الأمر أن الجينات المفقودة لم تعد موجودة في حالات كثيرة، ولكن الأمر أن النواة تنتج البروتينات ومن ثم تتجه البروتينات للميتوكوندريا. ولكن لماذا يكون الأمر مزعجًا حين تمتلك الميتوكوندريا أي شيء تستطيع النواة امتلاكه بالكامل؟يشبه الأمر قولك أنك تمتلك مكتبة مركزية تحتوي على جميع كتبك، ولكنك ستحتفظ بعشرة كتب منها في سقيفة مليئة بالثغرات.»

ورغم علاقتنا طويلة المدى بالميتوكوندريا إلا أن الكيفية التي تعمل بها خلايانا وهذه العضيات المتعايشة معًا لا تزال لغزًا وموضع جدل.

نعلم أن امتلاكنا للميتوكوندريا في أجسامنا قد يكون آثرًا لواحدة من أكثر الأحداث التطورية المهمة في التاريخ، عن طريق إعطاء الطاقة لأسلافنا المشتركين من حقيقيات النواة ليذهبوا في طريق تكوين عديدات الخلايا. ونعلم أن كل واحدة من خلايانا تستطيع امتلاك العشرات وحتى المئات من الميتوكوندريا، والتي تعد أساسية في مد كل شيء بالطاقة بدايةً من عضلاتنا وصولًا حتى أدمغتنا.

ولكن الغريب في الأمر أنه في كل الكائنات عديدة الخلايا تقريبًا ظلت الميتوكوندريا مستقلة وذلك عن طريق الإبقاء على قليل من الجينات الأساسية –على الرغم من أن تخزين الجينات في النواة يعد في الحقيقة أكثر أمانًا.

ما الذي يجعل من جينات قليلة تحتفظ بها الميتوكوندريا مهمة للغاية هكذا؟ لاكتشاف ذلك قام ويليامز والباحث الرئيس «لين جونستون» -زميل بحثي بجامعة برمنغهام- بجمع كل البيانات المتوفرة حول جينات الميتوكوندريا ووضع هذه البيانات في الحاسب الآلي. وبنظام اللوغاريتمات المُطور بواسطة جونستون، قام الحاسب بإعطاء جدول للمسار الزمني لفقدان الجينات في الميتوكوندريا عبر التاريخ التطوري.

يقول جونستون: «الفرضية الكامنة وراء الأسباب المحتملة التي قد تجعل الميتوكوندريا تحتفظ بجيناتها الخاصة قد نوقشت لعقود. ويعد هذا النهج الأول المعتمد على البيانات لحل هذا السؤال. ما سهل الأمر, حقيقة أن هناك آلاف من جينوم الميتوكوندريا موجود في مجموعة متنوعة واسعة جدًا من الأنواع المتاحة؛ لذا نستطيع الآن الاستفادة من البيانات وتركها تتحدث عن نفسها.»

كشف التحليل أن الجينات التي تم الاحتفاظ بها في الميتوكوندريا مرتبطة بالبناء الهيكلي الداخلي للعضية – والتي على جانب آخر تحت خطر أن تضيع بواسطة الخلية-. والحمض النووي في هذه الجينات يستخدم نمطًا قديمًا جدًا يسمح للحمض النووي للميتوكوندريا للترابط بقوة معًا ومقاومة التفكك.

يعتقد ويليامز وجونستون أن هذا التصميم -والذي لا يشبه عادةً الموجود في حمضنا النووي- هو المرجح لأن يحفظ جينات الميتوكوندريا من التفكك أثناء عملية إنتاج الطاقة من العضية.

يقول ويليامز: «عندما تُنتَج الطاقة من الميتوكوندريا في صورة جزيئات ATP فإن جزيئات حرة تنبعث – وهي نفسها الجزيئات الحرة التي تعد نتيجة مشتركة للإشعاع-. فالطاقة المُنتَجة بواسطة الميتوكوندريا تأتي مصحوبة بقدر معين من التدمير، قد يكون الأمر أن الميتوكوندريا قادرة على تحمل هذا الدمار. نحتاج لمتخصصين قادرين على العمل في هذه البيئة المتطرفة لأن النواة ليست بالضرورة الاختيار المناسب.»

لاحظ المشرفون أيضًا أن فقدان جينات الميتوكوندريا الذي حدث في مملكة حقيقيات النواة اتبع نفس النمط مرارًا. يعد هذا درسًا بأن التطور قد يتبع نفس المسار عدة مرات على التوالي، وأنه ليس دائمًا عبارة عن عملية عشوائية بالكامل. ففي البيئة الخلوية أصبح تطور عملية فقدان جينات الميتوكوندريا تقريبًا قابلًا للتوقع بين الكائنات المختلفة.

يقول جونستون: «إذا استطعنا تسخير البيانات حول ما قام التطور بالعمل عليه في الماضي وإنشاء توقعات حول ما سيعمل عليه في المستقبل، فإن إمكانية استكشاف علم الأحياء التخليقي والأمراض ستكون هائلة.»

يخطط الثنائي مستقبلا  باستخدام نظامهم للوغاريتمات لاستكشاف أسباب وجود البلاستيدات الخضراء، وكذلك استكشاف أين توجد الأمراض في الميتوكوندريا – والتي غالبا ما تكون مدمرة- ، مما يتواءم مع الصورة الأكبر التي نود استكشافها.

بينما لم تغلق هذه الدراسة الباب على سبب استمرار وجود الحمض النووي للميتوكوندريا فإن الباحثون يقولون أنهم بالفعل وجدوا أرضية مشتركة لكثير من الحجج بشأن هذا الجدال.

ترجمة: Basant Gamal

مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary

تصميم: Sara Hassan

المصدر: http://sc.egyres.com/R1P7B

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي