لماذا لا يحصل الآسيويون على جائزة نوبل؟

نوبل_f

منذ الصِغر ونحن نطلق على هذا الجزء البعيد في أقصى يمين الخريطة: »كوكب اليابان«.

نحن نعلم كثيرًا عن الصين واقتصادياها التي غزت العالم أجمع، ونتابع آراء بعض المحللين الذين يتوقعون بداية عصر »التنين الصيني« الذي لن يوقفه أحد. نتابع بإعجاب ممزوج بالغيرة ما توصلت إليه هذه الدولة الصغيرة، المحشورة بين اليابان والصين: كوريا، التي أبهرت العالم بصناعاتها في مجال الإلكترونيات والسيارات وغيرها. ونبدأ في صمتنا المعتاد بعقد المقارنات.

 

نتوجه إلى الجانب الآخر من الخريطة، حيث أوروبا. أوروبا حيث بدأت معظم الاكتشافات العلمية والمُخترعات وأُسُس الحضارة الحديثة. الأوربيون حصلوا على جوائز نوبل 20 ضعفا مقارنة بما حصل عليه الشرق آسيويين.

لدى الآسيويون معدل ذكاء مرتفع، إذن لماذا تتجه بنا المقارنة لهذه النتيجة المبدأية؟ إذًا السبب ليس الـ IQ (معدل الذكاء) ولكن بسبب اختلافات شخصية عِرقية، ناتجة عن الاختلاف في توزيع الجينات … سنتعرف على هذا بقدر من التفصيل.

 

البداية:

بدايةً من عصور الفلسفة القديمة حتى الفيزياء الحديثة سيطر على تاريخ العلوم شعوب أوروبا، ولن يكون مُستغربًا أن يكون معظم العلماء البارزين الذين حصلوا على نوبل فيما بعد سنة 1900 هم من الأوربيين.

الجدول التالي يوضح الجوائز التي حصل عليها كل من الأوربيين في مقابل الآسيويين حتى عام 2014:

أوروبا: 413 نوبل في العلوم، 98 نوبل آداب، 52 نوبل إقتصاد، 63  وسام فيلدز لعلماء الرياضيات الأوروبيين   ، وهو أعلى جائزة في مجال الرياضيات ويكافئ جائزة نوبل . 

شمال شرق آسيا: 26 نوبل في العلوم، 4 نوبل آداب، 0 نوبل إقتصاد، 5 أوسمة فيلدز لعلماء الرياضيات الآسيويين .  

يتضح من الجدول أن الأوربيون حصلوا على 0.6 جائزة لكل مليون، بينما حصل الآسيويون على 0.03 لكل مليون.

 

على الجانب الآخر جاء في تقارير لين وفانهانين Lynn and Vanhanen أن الآسيويين (الصينيون والكوريون واليابانيون) لديهم معدل ذكاء IQ في المتوسط قيمته 105، وهي قيمة تفوق نظيرتها لدى الأوربيين وينعكس هذا بشكل واضح في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب في المدارس الدولية، حيث يظهر التفوق الكبير للطلاب الآسيويين، ولكن ماذا بعد؟ لماذا لا يظهر من بين هؤلاء المتفوقون الآسيويون النسبة المتوقعة من العلماء والباحثين، وبالتالي الحاصلين على جوائز عالمية مثل نوبل؟

هذا ما سنحاول فهمه عن طريق ما يسمى بـ (العامل q – q index) وهو طريقة لربط معدل الذكاء IQ بالـ الفضول Curiosity وفيه يظهر الآسيويون بمستوى متدني مقارنة بالأوربيين عن طريق التحاليل الجينية.

عن طريق معرفة تكرارية بعض الجينات التي يفترض مسؤوليتها عن بعض السلوكيات مثل القدرة على الابتكار والقلق المجتمعي social anxiety والخوف من الإقصاء المجتمعي يمكن الارتكاز على دعائم قوية تفسر السلوك بعيدا عن الافتراضات الخاصة باختلاف الثقافات غير المدعومة بالأدلة والمعايير الثابتة.

 

البحث والابتكار:

العالم الناجح هو شخص يهتم بكل ما هو جديد ومبتكر، يمتلك عقلية شغوفة وفضولية متأملة. هذه العقلية غير مطلوبة في الحياة الدراسية حيث الحقائق الثابتة والنظريات الجاهزة المدونة في كتب الدراسة، وهنا تصبح الذاكرة وحدها غير كافية لخلق عالم.

مؤخرا تم اكتشاف أن الأكاديميين المساهمين بأفكار إبداعية وخاصة في مجال العلوم يتمتعون بدرجة إنبساط Extraversion كبيرة، دلالة على الشغف بالابتكار.

الجين DRD4 يرمز للنوع D4 في مستقبلات الدوبامين في الجهاز العصبي المركزي (الدوبامين(dopamine- مادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه، والتوجيه وتحريك الجسم. ويؤدي الدوبامين دورًا رئيسيًا في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان.

هناك العديد من الأليلات alleles المختلفة للـ DRD4 ، ففي شرق آسيا يتواجد 2- و4-repeat لدى كل السكان تقريبا، بينما يتواجد 7- repeat   في 20-30% من الأوربيين والأفريقيين. كلما زاد عدد التكرار repeat فهذا يعني عددًا أقل من مُستقبلات الدوبامين، وبالتالي احساس أقل بالرضا، وهذا يجعل الأشخاص ذوي التكرارات الأكثرمتشوقين دائمًا للأفكار والآراء غير المألوفة مما يؤدي إلى السلوكيات الابتكارية. وجود الـ 7-  repeatتحديدًا هو المسؤول عن الابتكار وهو يتواجد بنسبة أكبر من 20% لدى الشعوب الأوروبية وفي الشرق الأوسط وأمريكا، بينما يتواجد بنسبة 0% في الصين وكوريا وتايوان، و1% في اليابان.

 

القلق Social Anxiety والخوف من الإقصاء المجتمعي Fear of Exclusion والنزعة الفردية Individualism:

حب الاستطلاع أو الفضول ليس كافيا لخلق نظرية جديدة وصياغة فكرة، فالعالم العظيم يجب أن يعزّز أفكاره الخلاقة باستقلال فكري.

الجينات المتربطة بمسألة القلق المجتمعي هي الأليلات الطويلة والقصيرة للجين ناقل السيروتونين serotonin ويسمى5HTTLPR. الأليلات الطويلة تنقل السيروتونين بكفاءة أكبر وبالتالي تعمل على تقليل الخوف والحد منه لدى حاملها، ومن المعروف أن نسبة وجود هذا الأليل الطويل في الشعوب الآسيوية هي 20% بينما تتواجد بنسبة 60% لدى الأوربيين.

الخوف من الإقصاء المجتمعي مسؤول عنه الجين OPRM1، والتنويعات A و G في هذا الجين تنظم مستقبلات Mu-opioid receptors. أظهرت دراسة مدى الشعور المزعج لحاملي أليل G عند استبعادهم من بعض ألعاب الكرة، أيضا اكتشف واي وليبرمان  Way and Lieberman  العلاقة بين الأليل G والثقافة الجماعية، وقالوا أن وجود هذا الأليل يكثر بين شعوب آسيا مقارنة بأوروبا.

تعرف النزعة الفردية على إنها التركيز على الهوية الشخصية (Hofstede, 2002) فالشخص هو ما يحدد القيم ومدى أهميتها في الحياة مما يؤدي إلى التصارع أو الاختلاف بين العلماء المتميزين (Eysenck, 1995)، وبالتالي فإن الأشخاص ذوي النزعة الفردية العالية يصنعون صداقات وعلاقات وشراكات ولكن بدون سلطات.

يتمتع الأوربيون بالنزعة الفردية العالية وهو ما يطلبه العلم بالضبط، فعندما تقرر مؤسسة ينتمي إليها شخص ما أهدافها يكون من الصعوبة تحديد القيم الخاصة.

يعرف عن الآسيويين انغلاقهم على جماعتهم بينما يعرف عن الأوروبيين فرديتهم واستقلالهم. عالم النفس الألماني Geert Hofstede (1980, 2002) أقام دراسة بين ستة شعوب آسيوية ومعظم الدول الأوربية، ووجد اختلافا في الانحراف المعياري بمقدار 1.98 بينهما في الفردية والجماعية، وهذه الدراسات تبين تفرد الأوربيين في استقلال شخصياتهم وربما نتجت روحهم الابتكارية وحب استطلاعهم نتيجة ثقافتهم الانفرادية هذه، وعلى الجانب الآخر فإن العكس في الثقافة الآسيوية تحد من الإنجازات والابتكار.

 

العامل q (q-index):

تمت بعض الحسابات للنسبة المئوية لتواجد DRD4 والذي يعبر عن البحث والابتكار مع 5HTT والذي يعبر عن الخوف من المجتمع مع OPRM1 والذي يعبر عن الخوف من الإقصاء المجتمعي – كما سبق توضيحهم – لدى بعض البلدان، كما تم إضافة عامل الانفرادية IDV. ومن خلال هذه الحسابات تم استنتاج العامل q الذي يعبر عن العقلية الفضولية والمستقلة، ووجد أن المتوسط في 19 دولة أوروبية هو 0.30، بينما وجد أنه بقيمة ناقص 1.11 في 7 دول شرق آسيوية، وهذه القيم عندما يتم مقارنتها مع عدد جوائز المحصلة لكل دولة مقابل عدد سكانها سيظهر كيف يلعب عامل الـ q دورا هامّا في الإنجازات العلمية.

 

تلخيص:

على الرغم من ارتفاع معدل الذكاءIQ  لدى الشعوب الشرق آسيوية والذي يظهر جليًا في مراحل الدراسة حيث يتفوق الآسيويون بمعدلات كبيرة على الأوربيين، ولكن يبقى الآوربيون هم المصدر الأول لكل الإنجازات العلمية والاختراعات والجوائز العالمية بقيمة نوبل، وهنا تكمن المعضلة.

بعض التحليلات الجينية قارنت بين بعض الصفات الشخصية لكل من الأوروبين والآسيويين مثل حب الاستطلاع والقدرة على الابتكار والاستقلالية الفكرية، وتم وضع كل هذه الحسابات تحت عامل يسمى q-index أظهر أن هذه الفروقات الشخصية مهمة لتكوين شخصية المبدع والعالم، وأن الذكاء وحده لا يكفي حتى مع الأعداد الكبيرة من السكان.

 

تعقيب:

هناك مقولة عربية قديمة تقول:»نزلت الحكمة على رءوس الروم وألسن العرب وقلوب الفرس وأيدي الصينيين«. أي أن الروم أو الأوربيين يتميزون بالابتكار والفلسفة والفكر، والعرب بالكلام، والفرس بالشجاعة، والصينيين أو الآسيويين بالعمل الجماعي.

وربما تكون هذه الجملة تلخيص لكل الدراسات الجينية السابقة.

 

 

 

 

إعداد: اسلام درويش

مراجعة: david yanni

تصميم: Omar Abu Almajd

المصادر :

Kenya Kura, Jan te Nijenhuis, and Edward Dutton (2015). Why do Northeast Asians win so few Nobel Prizes?. Comprehensive Psychology: Volume 4, Issue .

doi: 10.2466/04.17.CP.4.15

http://sc.egyres.com/izYEZ

http://sc.egyres.com/DkVeD

http://sc.egyres.com/eIMsO

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي