لماذا لم يمت فرويد بعد؟

لماذا_لم_يمت_فرويد_بعد؟

لماذا لم يمت فرويد بعد؟

مازالت مدرسة التحليل النفسي تجتذب المزيد من المؤيدين، رغم النقد القاسي الذي تتلقاه وصعود مدرسة علم الأدوية النفسي وغيرها من البدائل

أثارت انتباهي لمرة أخرى مقاربة مثيرة للسخرية حول استمرارية فرويد المثيرة للإعجاب. فنظرية التحليل النفسي (وطريقتها في العلاج كذلك) التي اخترعها فرويد منذ أكثر من قرن ماض، قد حوربت بشدة منذ ظهورها للنور. حتى أن الفيلسوف كارل بوبر (Karl Popper) اعتبرها مثال نموذجي للعلم الزائف (Pseudo-science)، رأي أيده الكثير من العلماء المعاصرين.
ويُعد العالم فريدريك كروز (Frederick Crews) من أقوى من انتقدوا فرويد، دون أدنى قدر من الهوادة. فلعقود طويلة، هاجم شخص فرويد كما هاجم أفكاره، متهمًا إياه بأنه متعجرف مدمن للكوكايين في The New York Review of Books .
وفي الشهر السابق، وفي نفس العدد ، جدد كروز هجومه على فرويد أثناء مراجعته لسيرة ذاتية عنه ألفتها إليزابيث رودينسكو (Elisabeth Roundinesco). فقد زعم كروز أن رودينسكو، إحدى مؤيدات فرويد، كشفت دون قصد كيف قام بطلها بالـ “تنازل عن كل القيم لحساب نشر بنات أفكاره دون مراعاة لنفعها الاجتماعي أو الطبي”.
كما قللت رودينسكو من أثر الكوكايين في حياة فرويد، كما يؤكد كروز، وكذلك من أدلة رفض، بل واستهجان، مرضى فرويد الأوائل لتفسيراته الجنسية لمشاكلهم. فقد قام فرويد “بإقناع الملايين أنه في نفس منزلة كوبرنيكس وداروين (Copernicus and Darwin)”. كما يؤكد كروز أن فرويد ما وصل لتلك المرتبة إلا عبر “الفخر الزائف، التحامل على الغير، تسول السؤال ، تشويه المنافسين، وسوء عرض النتائج الطبية”.
إذا فأين “المقاربة المثيرة للسخرية” التي تحدثت عنها مسبقًا؟ قرأت مراجعة كروز أثناء تسجيل مقابلة مع إلين ساكس (Elyn Saks) في الصيف الماضي، أستاذة في القانون والطب النفسي بجامعة جنوب كاليفورنيا. وتعود أهمية شخص ساكس في مذكراتها، الأكثر مبيعًا في 2007، “The Center Cannot Hold: My journey Through Madness” ، حول صراعها مع الشيزوفرانيا.
دخلت ساكس المستشفى عدة مرات لفترات بلغ مجموعها مئات الأيام. حتى أن الأطباء وصفوا حالتها بالجسامة، ما يعني أنها في الأغلب لن تكون أبدًا مستقلة بشكل كامل، وفي أفضل الأحوال لن تعمل إلا في صغائر المهن.
إلا أنها تمكنت من تجاوز مرضها بمساعدة الأدوية و(بالضبط كما تفترض في عقلك) التحليل النفسي. فقد خضعت ساكس للعلاج عن طريق التحليل النفسي منذ أن أُصيبت بانحلال ذهاني (Psychotic breakdown) بجامعة أوكسفورد في أواخر السبعينات، كما تخطط لأن تستكمل العلاج لبقية حياتها.
لم ترى ساكس، الحاصلة على درجة الدكتوراة من المركز الجديد للتحليل النفسي (New Center for Psychoanalysis)، أي تناقض بين التحليل النفسي والمقاربات الفسيولوجية للعقل وأمراضه. فهما يمثلان مستويين من “الحوار”، كما شرحت لي. “حوار على مستوى الجزئيات والناقلات العصبية وخلايا المخ وهلم جرًا، وأخر على مستوى الشخصية، الأهداف، والمعاني”.
لم تغفل ساكس عن الانتقادات الموجهة لمدرسة التحليل النفسي. ومع ذلك فهي تجدها “أكثر غنىً وعمقًا” من النظريات والطرق العلاجية البديلة، كالطريقة المعرفية السلوكية في العلاج. وتصف فرويد بأنه كان “كاتبًا مذهلًا. فدراسات الأحوال خاصته كانت مثل الروايات”.
وَلَّدَت أفكار فرويد، كما تشير ساكس، العديد من مدارس التحليل النفسي المنافسة، فقد كانت طريقة التحليل الأولى التي مارستها ساكس تعود للعالمة ميلانين كلاين (Melanine Klein). إلا أن فرويد يظل “المعلم الأول”.
تشير ساكس في مذكراتها إلى أنها كانت دومًا “مبهورة بفرويد وتعاليمه”. فمدرسة التحليل النفسي “تسأل أسئلة جوهرية: لِمَ يفعل الناس ما يفعلونه؟ متى يصبح المرء مسؤولًا عن أفعاله؟ هل المحفزات التي لا نعي بها متصلة بالمسؤولية؟”.

 

إن مقاربة ساكس لمدرسة التحليل النفسي جزء من اتجاه أكبر. ففي كتاب لعام 2015، In the Mind Fields: Exploring the New Science of Neuropsychoanalysis[5]، تسجل الصحفية كيْسي شوارتز (Casey Schwartz) المحاولات الراهنة للعثور على أرضية مشتركة بين علم الأعصاب والتحليل النفسي.

وفي مقالتي بعام 1996 في Scientific American، “لماذا لم يمت فرويد؟”، قدمت أسبابًا إيجابية وسلبية تفسر استمرارية مدرسة التحليل النفسي. أمام الأسباب الإيجابية فهي التي أشارت إليها ساكس: كتابات فرويد ودراسات الأحوال بجوانبها المعقدة والعميقة.

أما السبب السلبي، وهو الأكثر أهمية، فهو عدم قدرة العلم على تقديم نظرية/تطبيق علاجي قوي بشكل كافي لتنحية مدرسة التحليل النفسي عن عرشها إلى الأبد. وقد كتبت قائلًا “لا يستطيع أنصار فرويد الإشارة إلى أي دليل مبهم تقوم عليه مدرسة التحليل النفسي”، إلا “أنهم لا يستطيعون أيضًا اقتراح طرق علاجية أكثر حداثة”.

هذا هو موقفي من مدرسة التحليل النفسي. هناك من يشبه تلك المدرسة بعلم فراسة الدماغ (Phrenology)، علم القرن التاسع عشر الزائف، والذي ربط بين الشكل وهيئة الجمجمة. ولكن إذا كانت مدرسة التحليل النفسي قريبة من علم فراسة الدماغ، فكذلك البدائل العلاجية المتاحة، والتي تتراوح من علم الأدوية النفسي[6] والطريقة المعرفية السلوكية في العلاج[7] إلى العلاج بالصعقات الكهربائية[8] والبوذية[9]. فكما كتبت منذ فترة قريبة[10]، تُعد وصفات الأدوية النفسية في تصاعد مستمر، إلا أن صحة الأمريكيين النفسية في تدهور مستمر، وفقًا لعدة مقاييس كمدفوعات العجز.

في كتاب ماثيو كرتز (Matthew Kurtz)، أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة وسليان (Wesleyan University) عام 2016، Schizophrenia and Its Treatment: Where Is the Progress?[11، يسجل أن الشيزوفرانيا لازالت عصية على الفهم ومقاومة للعلاج. “فقد ظل ذلك المرض يصيب الناس، متمردًا على التغيير عبر المائة سنة السابقات”.

إلا أنه لحسن الحظ، تساعد بعض الطرق العلاجية بعض الناس في تخطي محنهم، كإلين ساكس، إلا أن قدرتنا على تفسير وعلاج الأمراض العقلية تظل بدائية. وحتى يتوصل العلم لنظرية/تطبيق علاجي للعقل غير قابل للشك، ستظل مدرسة التحليل النفسي، وفرويد نفسه، أحياءٌ يرزقون.

———————————————

[1] http://sc.egyres.com/GSsAw

[2] http://sc.egyres.com/qltsT

[3] مغالطة منطقية تعني بأن طارح السؤال يفترض صحة النتيجة مسبقًا، مثال: “إذا كانت الأفعال كذا غير شرعية، لكان القانون يحرمها”، حيث انطلق من حقيقة كون القانون لا يحرم تلك الأفعال، ليستنتج بأنها أفعال شرعية.

[4] http://sc.egyres.com/z1XOz

[5] http://sc.egyres.com/PCwb1

[6] http://sc.egyres.com/mT0Rr

[7] http://sc.egyres.com/t08IN

[8] http://sc.egyres.com/L2mad

[9] http://sc.egyres.com/ZoTLE

[10] http://sc.egyres.com/mT0Rr

[11] http://sc.egyres.com/qWFge

 

المصدر:

http://sc.egyres.com/lEK06

ترجمة وتصميم: هشام كامل

تحرير: يُمنى أكرم

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي