لماذا نُقبِل بعضنا؟

لماذا_نقبل

لماذا نقبل بعضنا

يقول شكسبير: «سأنزع عن شفتيكِ هذه البرودة أيتها الحسناء».

بعض الناس لا يقومون بالتقبيل، وبعض الحضارات أيضًا لم تقم بذلك لمدة طويلة! لا يُعد التقبيل عالميًا بين البشر، وحتى اليوم هناك بعض الحضارات التي يغيب فيها هذا السلوك! وهذا يفترض أن التقبيل ليس فطريًا أو طبيعيًا كما يبدو لنا من الوهلة الأولى.

يقترح أحد الاحتمالات أن التقبيل عبارة عن سلوك مكتسب ومُتَعَلم تطور من «قبلة الإطعام»، وهي العملية التي تطعم من خلالها الأمهات في بعض الحضارات أطفالهن؛ عن طريق نقل الطعام الممضوغ من فم الأم إلى فم الطفل. ومع ذلك هناك بعض الحضارات المعاصرة في ثقافتها لا تزال تمارس قبلة الإطعام، ولكنها بالطبع ليست قبلة بغرض اجتماعي أو جنسي.

والاحتمال الآخر هو أن التقبيل عبارة عن شكل ثقافي لسلوك الاستمالة أو الجذب، أو على الأقل في حالة التقبيل الجنسي الشهواني أو العميق، حيث تكون القبلة بمثابة تعبير أو بديل أو مكمل للاتصال الجنسي المباشر، أيًا كانت الحالة، فإن سلوك التقبيل ليس فريدًا على البشرية.

هناك مثلًا القردة، أمثال «البونوبو-Bonobo»، في كثير من الأحيان يقبلون بعضهم، والكلاب والقطط تلعق وتمس أُنوف بعضها، فضلًا عن آخرين من أنواع أخرى، وحتى القواقع والحشرات ولكن كل على طريقته. يمكن أن يكون ذلك بديلًا عن التقبيل، هذه الحيوانات يتواصلون ويجذبون بعضهم البعض، لكن حتى ذلك السلوك يضمن ويعزز الثقة والترابط.

تشير النصوص الفيدية من الهند القديمة- وهي النصوص مقدسة الأقدم للهندوسية- إلى ممارسة التقبيل، ويشيرلذلك أيضًا «الكاماسوترا-Kama Sutra»، وهو نص هندي قديم يتناول السلوك الجنسي لدى الإنسان ويعتبر على نحو واسع عمل مهم للحب في الأدب السنسكريتي، والذي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي، حيث كُرس فيه فصل كامل عن أساليب التقبيل. يقترح بعض علماء الأنثربولوجيا أن اليونانيين عرفوا التقبيل الجنسى من الهنود عندما فتح الإسكندر الأكبر الهند عام 326 قبل الميلاد، ومع ذلك فإنها لا تفوق أهمية عن الجذور الأخلاقية من النصوص الفيدية.

وعند «هوميروس»، وهو شاعرٌ ملحمي إغريقي أسطوري يُعتقد أنه مؤلف الملحمتين الإغريقيتين الإلياذة والأوديسة، الذي يعود الى القرن التاسع قبل الميلاد، حيث يقدم الملك «بريام» قبلة لا تنسى على يد «أخيل» ليلتمس عودة ابنه «كادافار»، ننقلها إليكم عبر النص التالي: «آه يا أخيل، يا غضب السماء، فكر في والدك وأشفق على حالي، أنا أكثر الناس حاجه للشفقة، قوية عزيمتي حتى لم يجابهني أحد، ثم وضعت شفتي على اليد التي ذبحت ابني».

في تاريخه الذي يرجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، يتكلم «هيرودوت» عن القبلات بين الفرس، الذين قاموا بتحية الرجال ذو المكانة المتساوية بقبله في الفم، ومن هم أقل شأنًا بقبله على الخد، بلغ ذلك عندما أكل اليونانيون البقر، والذي كان مقدسًا في مصر، الأمر الذي أغضب المصريين؛ فلم يقبلهم المصريين من الفم.

 

تحت حكم الرومان أصبح التقبيل واسع الانتشار، حيث قبّل الرومان آباءهم وأحباءهم وأفراد أسرتهم وأصدقاءهم وحكامهم أيضًا، وميزوا بين القبلات على اليد أو الخد «osculum» عن القبلات على الشفاه «basium» والتقبيل بشغف «savolium». شعراء الرومان أمثال «أوفيد» و«كتولوس» احتفوا بالقبلات أيضًا، فعلى سبيل المثال في كتولوس:

«إلى اللقاء يا فتاة، الآن كتولوس أصبح قاسٍ، إنه لا يبحث عنك ولا يسأل عليك، لكنك سوف تحزنين عندما لا يسأل أحد. ويحك أيتها الشريرة، ماذا تركت لك الحياة؟ من سينصاع لك الآن، ومن سيرى جمالك؟ من ستُحيي غيري؟ من سيقول الناس أنه أنتِ؟ من ستقبلين؟ أي شفاه سوف تلثمين؟ لكنك أنت، كتولوس، كن صامدًا لتكن قاسٍ».

القبلات الرومانية حققت الغرض منها على المستوى الاجتماعي والسياسي والجنسي، وفي عصر الأمية كانت بمثابة خاتمة للاتفاقات واستخدم تعبير «قبله الختام». إن المكانة الاجتماعية للمواطن الروماني كانت العامل في تحديد أي الأجزاء من جسد الإمبراطور سوف يقبله منها، بدءًا من الخد إلى القدم، كما أن قبلات الزوجين في عرسهما أمام جميع الحضور هي إعلان للزواج بشكل رسمي؛ الطريقة التي انتقلت إلى العصر الحديث.

تغيرت الممارسات بعد تراجع مكانة روما وانتشار المسيحية، فالمسيحيون الأوائل حيّوا بعضهم بالقبلة المقدسة «Holy kiss»، التي اعتقدوا أنها نوع من التواصل الروحي، فالكلمة اللاتينية «أنيما-anima» تعنى كلا المعنيين، أي تعني الروح وأيضًا نسمة الهواء، ومثل كلمة «animus» أخذت من جذور هندية وأوروبية.

بعد سقوط روما مالت القبلات الرومانسية للاختفاء عدة قرون، لكي تظهر مره أخرى في نهاية القرن الحادي عشر مع طيف الحب، قُبلِة «روميو» و«جوليت» كانت ترمز إلى ذلك الحب، الأمر الذي دعا إلى نقل التودد من العائلة والمجتمع للاحتفاء بالحب نفسه، حيث لم يعد مجرد أداء للواجب ولكن قوة للتحرر.

وحتى الآن فإن مصير الأحبة يذكرنا بأن الحرية الطائشة تحمل في طياتها الأخطار، فالصحة والمكانة والسمعة والتوقعات والسعادة أشياء قد تفقدها بسهولة، فالحب قد يكون خطرًا عندما تقبل الشخص الخطأ!

 

ترجمه: Ahmed Kamal

مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh
المصدر:

Why Do We Kiss? [Internet]. Psychology Today. 2016 [cited 7 April 2016]. Available from: http://sc.egyres.com/GTtKA

 

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي