الغرض من إيذاء النفس
عندما يؤذي شخص ما نفسه عن طريق الجروح، أو الحرق، أو الوخز، أو تعريض نفسه لأيّ إصابة جسديّة، دون وجود نيّة لقتل نفسه، فإنّ هذا الشّخص يندرج تحت ما يُسَمّى إيذاء النّفس غير الانتحاريّ (NSSI-Non suicidal self injury).
لماذا تجرح النّاس أجسادها؟
يجرح النّاس أنفسهم كآليّة للمجابهة، فتبعًا لبرنامج (إيذاء النّفس وأبحاث الاستشفاء والموارد) بجامعة كورونيل (SIRRR-Self injury and recovery research and resources of cornell university) يمكن أن يفعل الشّخص هذا الأمر إذا كان مخدّرًا لكي يشعر بشيء ما، أو لكي يصرف نفسه عن مشاعر الاكتئاب أو القلق، يُمكن أن يجرح بعض النّاس أنفسهم تعبيرًا عن الأذى والألم العاطفيّ بداخلهم، ويفعل البعض ذلك تجنّبًا للتعبير عن مشاعرهم تجاه من يحبّونهم.
يمكن أن يوجد رابط بين إيذاء النّفس وما يتعرّض له المرء في طفولته من صدْمات، مثل: العنف الجسديّ، أو العنف الجنسيّ، أو التّجاهل، وربّما يرتبط ذلك بمشاكل الصحّة العقليّة، مثل: اضطراب الشّخصيّة الحَدِّيّة، أو القلق، أو الاكتئاب، أو الانتحار.
إيذاء النفس لا يرتبط بعمر أو فئة محددة
قدّرت الهيئة الأمريكيّة لطبّ الأسرة أنّ نسبة تتراوح من 1% إلى 4% من البالغين مصابون بهذا الأمر، وكذلك يصيب هذا الأمر المراهقين بنسبة تصل تقريبًا إلى 15% ويعد طلاب الجامعات هم المجموعة الأكثر تعرّضًا لهذا الأمر حيث تتراوح نسبة الطلّاب الجامعيّين الّذين يؤذون أنفسهم من 17% إلى 35%.
ولكن إيذاء النفس لا يقتصر على مجموعة معيّنة، أو جنس، أو عمر محدّد. حيثُ وضّح ذلك الدّكتور (فيجايتا سين) الحاصل على دكتوراة نيويورك للعلاج الأسريّ بأنّ هذا الأمر يتعرّض له الأطفال بعمر التّاسعة والعاشرة، والمراهقين، وطلّاب الجامعات، وحتّى البالغين من عمر الأربعين والخمسين أيضًا.
تقول إحدى الحالات (كرستين) إنّها بدأت بجرح جسدها عندما كانت في الثّالثة عشر من عمرها، بعدما وجّه لها والدُها انتقادات شديدة لها بشأن حبّ الشّباب، وتقول بإنّها تشعر بانعدام قيمتها الشّخصيّة، ورغم أنّها أقلعت عن الأمر لمدّة ستّة أشهر فإنّها ما زالت تواجه صعوبة مع الأمر.
لا يوجد نمط معيّن لإيذاء النفس
تقول حالة أخرى (بيني) التي تبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، إنّها قامت بجرح جسدها لأوّل مرّة في عمر الخامسة عشر، كطريقة للتعامل مع ألم مشاعرها النّاتج عن اغتصابها من صديق العائلة، تخبر بأنّها كانت تجرح جسدها عندما كانت تشعر بالإحباط فكانت تُخمد مشاعرها بهذه الطريقة، تقول بإنّها كانت تخبر نفسها “انظري لازلتِ على قيد الحياة، لازلتِ تشعرين وتنزفين” وقد توقّفت عن هذا الأمر منذ عام.
كما أخبر برنامج (إيذاء النّفس وأبحاث الاستشفاء والموارد) أنّ إيذاء النّفس يُمكن أن يحدث بشكل دوريّ؛ حيثُ يمكن أن يفعله الشّخص لفترة ثم يُقلع عنه، وينتكس مرّة أخرى ليُعاود فعل هذا الأمر مجدّدًا، فتخبرنا هنا إحدى الحالات “براندي” البالغة من العمر واحد وثلاثين عامًا أنّها بدأت بإيذاء نفسها من سن الحادية عشر إلى الخامسة والعشرين وذلك جرّاء تعرّضها للعنف الجسديّ والتّعنيف اللفظي على يد أخيها الأكبر، وذكرت أنّها كانت تُقلع عن فعل هذا الأمر لأعوام.
إيذاء النّفس يمكن أن يصبح إدمانًا
ولمّا كان إيذاء النّفس يتّجه إليه بعض النّاس كوسيلة للتخفيف عن أنفسهم؛ فمن الممكن أن يصبح هذا الأمر إدمانًا، فقد يشتاق الشّخص للرجوع لإيذاء النّفس أو يجد صعوبة في التّخلص من هذا الأمر. غالبًا ما يصف من يؤذون أنفسهم شعورهم بالارتياح أو بالانتشاء عند القيام بهذا الأمر أيضًا.
يقول الدّكتور (سين) أنّه عندما يجرح الشّخص جسده فإنّ الجسم بدوره يفرز الإندورفينات (endorphins) ليُحفّز الجسم للابتعاد عن مصدر الأذى، أو ليُحفّزنا في هذه الحالة من أن ننتهي عن هذا الفعل، وهذه الإندورفينات ربّما ينسب لها حالة النّشوة كالّتي تسبّبها الخمور لمن يشربها.
وتقول حالة أخرى (أريل) البالغة من العمر واحد وعشرين عامًا، الّتي بدأت في إيذاء نفسها عن طريق إحداث الجروح بجسمها في سن السابعة عشر، وفقدت أخيها، وكانت تتعرّض للتنمر، وتمّ الاعتداء عليها، أن إيذاء النّفس أصبح عادة لديها، فتقول: “أنا أسبّب الجروح لنفسي بسبب الفضول، وبسبب الملل، أنا أجرح نفسي عندما أكون سعيدة وأشك في كوني سعيدة، فأنا أفعل هذا الأمر لأيّ سبب أفكر فيه، فأنا أبرّر هذه الأسباب وأختلق الأعذار لأنّني أحب هذا الأمر.”
وجود المرض عبر التّاريخ
إيذاء النفس ليس بالأمر الجديد الّذي ظهر فجأة خلال العقود القليلة الماضية، فبحسب تقرير (الإذاعة العامّة الوطنيّة) (NPR-National public radio) فإنّ إيذاء النّفس يعود إلى اليونان القديمة كآليّة أيضًا لمجابهة المشاكل والمصاعب، ولكن يتفق الباحثون أنّ نسبة من يعانون من إيذاء النّفس لغرض غير انتحاريّ قد ازدادت في آخر عقد ونصف، ولكن يصعب تحديد المعدّلات لزيادة هذا الأمر حيث إنّ الأبحاث جديدة في هذا الشأن.
تأثير من يؤذون أنفسهم على الأطفال
يمكن أن يتأثّر الطّفل بممارسات من حوله بإيذائهم أنفسهم، حيث يقول الدّكتور (سين): “إذا كان يعرف الأطفال أشخاص بالغين أو أطفال أكبر منهم يقومون بعمل جروح في أجسامهم، أو لكْم الحائط، أو شدّ شعرهم عندما يشعرون بالغضب، أو التّجاهل، فإنّ ذلك قد يوحي لهم أنّ هذا الأمر صحيحًا أو يجعلهم ينظرون لهذا الفعل على أنّه مناسب أو هو الأمر الأمثل في مثل هذه الحالات”.
وأضاف الدّكتور (سين) أنّ (بيني) أخبرته أنّ طفلتها بدأت في إيذاء وجرح جسدها منذ عدّة أعوام من بداية عامها الثّالث عشر، وحدث ذلك رغمًا عن (بيني) الّتي كانت تحرص على أن تخفي جروحها وكذلك ندْبات تلك الجروح عن ابنتها. وقالت “بيني” أنّها قامت بتعليم طفلتها بعض التّقنيات لعلاج نفسها، وبعض الأمور من العلاج التّرفيهيّ (diversion therapy)، كما أنّها لم تقمْ بمعاقبتها ولكن قالت أنّها لم تسمح لها أن تعتقد بأنّ هذا هو الحل الأمثل، أو الوحيد لمعالجة ومجابهة المشاكل.
لم تصب الأفلام والعروض التّليفيزيونيّة في وصف هذا الأمر
ساهمت الأفلام والعروض التليفيزيونيّة في زيادة معدل إيذاء النّفس؛ حيث إنّها تصوّر الأمر على أنّه شيء عاديّ وطبيعيّ.
وقالت (أريل) إنّها نادرًا ما عبرت الأفلام أو العروض التّليفيزيونيّة الّتي شاهدتها عن حقيقة إيذاء النّفس، فتميل العروض لجعل الأمر بنزعة رومانسيّة.
وتقول (فلورا) إحدى الحالات والّتي تبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا إنّها تعترض على الصورة النّمطيّة الّتي تصوّرها الأفلام عمّن يؤذون أنفسهم وهي أنّ هناك فتاة صغيرة تقطن أحد الأحياء وتقوم بجرح نفسها ومن ثم تصرخ جاذبة الانتباه إليها؛ حيثُ إنّها تخبرنا عن مدى حرصها على إخفاء جروحها وكذلك ندْباتها ممّا يعارض هذا التّصوّر.
هنالك فارق بين الانتحار وإيذاء النّفس
تمّ تصنيف إيذاء النّفس غير الانتحاريّ (NSSI) كاضطراب منفصل ومختلف عن الانتحار، وذلك في النّسخة الخامسة من الدّليل التّشخيصيّ والإحصائيّ للاضرابات النّفسيّة (DSM-5) والسّبب خلف هذا التّصنيف بحسب (الإذاعة العامّة الوطنيّة) (NPR) للتفريق بين الانتحار وإيذاء النّفس؛ حيث إنّ لكلّ منهما علاج مختلف عن الآخر، وكذلك هناك اختلاف جوهريّ وهو أنّ إيذاء النّفس لا يكون بغرض انتحاريٍّ في هذه الحالة، وتضيف “براندي” أنّها لم تكن تنوي إطلاقًا قتل نفسها.
خيارات العلاج
يقول الدّكتور “سين” أنّه يمارس نوعين من العلاج هما
- العلاج الجدليّ أو الحواريّ السلوكيّ: وذلك كنوع من العلاج المعرفيّ السلوكيّ، والّذي ربّما يعطي المريض بعض الوسائل للتغلب على هذه المشكلة، وكذلك مجابهة الأزْمات بطرق أخرى.
- العلاج الدّيناميكيّ النّفسيّ: يساعد هذا النّوع من العلاج الشّخص على أنّ يبحث في تجاربه السّابقة، والّتي بدورها لها تأثير على سلوكه الحاليّ، كما أنّه يساعده أيضًا على معرفة أسباب قلّة التّقدير الذّاتيّ، والتّحكم بالغضب.
نصائح للإقلاع عن الأمر
- قم بزيارة طبيب أو معالج نفسيّ مختص.
- جرِّب أن تواجه الأمور بطرق مختلفة أفضل غير عمل جروح بالجسم مثل العلاج بالفن (Art therapy).
- ابنِ منظومة دعم قوية من الأصدقاء والمجتمع لمساعدتك في مجابهة الأزمات.
- ابتعد عن المواقف والأمور السلبيّة مثل العلاقات غير الصحيّة أو العلاقات المزعجة لك مع الآخرين.