ربما قد سمعنا عن الاقتصاد التعاوني أو التشاركي،وسمعنا أيضاً آراء البعض المناصر لهذه الفكرة، والبعض الآخر الرافض لها، ولكن لنستعرض معاً مفهوم مصطلح الاقتصاد التعاوني أولًا، فالاقتصاد التشاركي-التعاوني- يعني أن المستهلكين سوف يقدرون على الحصول على ما يحتاجونه من بعضهم البعض بدلًا من الذهاب إلى المنظمات الكبيرة. وهذا يشمل السلع مثل لعب الأطفال وفساتين الزفاف وأيضاً الخدمات مثل عمل تصميم المواقع الإلكترونية أو تشارك الركوب، فهو نظام اقتصادي واجتماعي يتمحور حول تقاسم الموارد البشرية والمادية. ويشمل تشارك الإبداع والإنتاج والتوزيع والتجارة واستهلاك السلع والخدمات من قبل مختلف الناس والمنظمات (الشركات). هذه الأنظمة تأخذ أشكالًا مختلفة، حيث تستفيد من تكنولوجيا المعلومات لتمكين الأفراد والشركات والمؤسسات غير الربحية والحكومة من المعلومات، التي تمكن من توزيع وتبادل وإعادة استخدام الطاقة الفائضة من السلع والخدمات. وثمة فرضية شائعة هو أنه عندما يتم تقاسم المعلومات حول هذه السلع والخدمات، فإن قيمة تلك السلع قد تزيد بالنسبة لرجال الأعمال والأفراد والمجتمع.
وفي هذا الصدد، هناك من يتساءل عن السبب الذي قد يحدو بالمشاركين في مثل هذا النشاط الاقتصادي للقيام بما قد يعكر صفو أعمالهم؟ فهم يديرون عملًا خاصاً بهم، وبوسعهم اختيار الوقت الذي يريدون العمل فيه، بل ويحصلون على عائد مالي مقابل استغلال شيء ما طالما كان لديهم، شيء كان من قبل أشبه بـ” كمٍ مهمل”؛ لا يدر عليهم أي أرباح.
ولكن من ناحية أخرى، ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما قرر سائقو السيارات العاملون لحساب شركة “آبر” مثلًا إنشاء نقابة ما، أو تشكيل تكتل بمقدوره إبرام صفقة أفضل للسائقين، وأكثر صعوبة بالنسبة للشركة بطبيعة الحال؟
بشكل ما، يمكن القول إن حدوث خطوة مثل هذه هو أمر متوقع تقريباً. وهكذا فإذا وضعنا في الحسبان القيم السوقية الهائلة التي يتم تقديرها للشركات العاملة في هذا المضمار، والثروات التي تتحقق للأشخاص الذين يديرون ذلك المجال، فسنجد أنه ليس من العسير تصور حدوث سيناريو تتغير فيه الصورة السائدة حاليا في هذا الصدد.
فشركة “آبر” والشركات الأخرى المماثلة تستغل في الوقت الراهن فرصة هائلة، وهو ما يبدو أمرا جديراً بالاستحسان، غير أن هذا الوضع يمكن أن يتغير.
وبطبيعة الحال، ليس الأمر بهذه البساطة. فإذا ما وحد سائقو “آبر” جهودهم للمطالبة بالحصول على عائد أعلى، أليس بمقدور الشركة الاعتماد على السائقين الذين قرروا عدم الانضمام إلى مطالبة من هذا النوع؟ وهم سائقون يتبنون فكرة أنهم أصحاب مشروعات قائمة بذاتها، وليسوا مجرد جزء من نظام إليكتروني هائل في إطار قاعدة بيانات تضم السائقين الذين تستعين بهم الشركة لتقديم خدمات التوصيل للعملاء.
وبالنظر في الأرقام الآتية من مجلة “فوربس”: فإن الإيراد –العائد- الذي سيستفيد به الناس من خلال الاقتصاد التعاوني سيتجاوز 3.5 مليار دولار في هذا العام، مصاحباً بنمو يزيد على 25٪. وبناء على هذا المعدل، فإن سياسة تشارك نظير لنظيره تتحرك ليصبح قوة اقتصادية هائلة. حيث تبين من خلال البحث أن الشركات بحاجة إلى تبني الابتكارات الأساسية للاقتصاد التعاوني إذا كانت تريد الازدهار في عصر كبرى الشركات مثل “كيك ستارتر” و”آبر” و”تاسك رابيت”- وهي الشركة الوحيدة بحق من بين العديد من الشركات الناشئة التي تتولى مهمة الربط بين من يريد إنجاز مهمة ما، ومن يمكن له القيام بمثل هذه المهمة نيابة عنه نظير أجر. (مثل من يريد العثور على من يتسوق نيابة عنه، أو من يعد له بحثا دراسيا، أو من ينظف له المرأب الخاص بسيارته)- حيث أن إتباع سياسة النظير لنظيره تضع الشركات في موضع قوة في الاقتصاد.
وعند دراسة سلوك المستهلك لمعرفة ما يريدون من الاقتصاد التعاوني، اتضح أن معظم الناس تستعد للتحول إلى التشارك تحت شروط معينة. وأن غالبية المستهلكين ستنظر إلى التشارك بدلًا من الشراء إذا وفر لهم 25٪ عن الذي كانوا يدفعونه عند الشراء. حوالي ثلث المستهلكين سيتجهون إلى التشارك بدلًا من الشراء إذا كان ذلك يوفر لهم الراحة، سواء كان ذلك في شكل تسليم، أو خدمات إضافية.
ولا يتطلب هذا النوع من الاقتصاد، الذي يُعرف في بعض الأحيان بأنه “اقتصاد ذو بنية تحتية مكشوفة”، سوى أشخاص راغبين في الانخراط في علاقة تبادلية مع شركة ما، وذلك بهدف تقديم خدمات لمستهلكين توفرهم هذه الشركة.
إن مصطلح “الاقتصاد التعاوني أو التشاركي” متوسع بشكل مبالغ جداً ليشمل غالباً كل شيء يمكن أن يخطر ببالك، مما يسبب الكثير من الارتباك. فعلى سبيل المثال من الأمور التي تندرج تحت كلمة اقتصاد تعاوني هي ما كنا نسميه “استئجار” والآن يبدو كأي من الأعمال التي تهدف إلى إدخال المستهلكين واعتبارهم جزء من ” الاقتصاد التشاركي”. ولكن بمرور الوقت ستصبح بسيطة ومعتادة وستدل على نضوج السوق.
ولهذا السبب، فربما تنبع ثورة جديدة متوقعة في هذا المضمار من الداخل. وعلينا أن نوضح هنا أن تشكيل النقابات، على سبيل المثال، مثّل الحل الذي قُدم خلال القرن العشرين باعتباره السبيل الأمثل لمعالجة مشكلة التوزيع غير المتناسب للأرباح بين أرباب العمل والعاملين لديهم.
لكن في الوقت الراهن، فإن شركة مثل “آبر” تعتمد على آلاف وآلاف من السائقين، الذين يعمل كل منهم على نحو مستقل، ودون أن تكون له هوية تميزه عن غيره من أقرانه.
وهنا يمكن أن نتصور قيام شاب أو شابة بتطوير تطبيق ما، يُستخدم عبر الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، من شأنه السماح للسائقين بتبادل المعلومات على نحو سلس، ما يشكل الخطوة الأولى على طريق بلورة مجموعة متجانسة من الأشخاص، ممن يتقاسمون شيئا مشتركاً.
بل ربما يظهر شاب أو شابة أكثر ذكاء، بقدر يُمكِنٌّه أو يُمكِنٌّها من التعرف على السبيل الذي يؤدي لإقامة شركة جديدة توفر الخدمات لمن يحتاجون إليها، وفي الوقت نفسه الاستفادة من الخلل في توازن القوى المتأصل في هذا القطاع الاقتصادي، وهو الخلل الذي كان سمة للموجة الأولى من الاقتصاد التعاوني.
ومثلما نشأت شركات مثل “آبر” و”آير بنب” وغيرهما من العدم تقريبا لتثبت أنها بمثابة أطراف مزعجة لهؤلاء اللاعبين الموجودين على الساحة؛ فلماذا لا يمكن أن يتجسد على أرض الواقع سيناريو آخر، ليزعج هذه المرة من كانوا مزعجين بالنسبة لغيرهم من قبل؟
إعداد: Amal Hussein
تصميم: Omar Abu Almajd
المصدر:
http://sc.egyres.com/aYJjN
http://goo.gl/ecCPWo
#الباحثون_المصريون