لمن تذهب جائز ة نوبل في الكيمياء هذا العام؟
هل تعتقد أن عقل الإنسان من الممكن أن يوصله لاختراع آلة هي أدق من شعرة رأسه آلاف المرات؟ إن تخيل الأمر ذاته شبه مستحيل. حاز (جان بيير سوفاج- Jean-Pierre Sauvage)، (السير فريزر ستودارت- Sir J. Fraser (Stoddart و (بيرنارد فيرينجا- (Bernard L. Feringa على جائزة نوبل لعام 2016 لتطويرهم الماكينات الجزيئية أو ما يعرف ب ((molecular machines.
1- ولادة جديدة للماكينات الجزيئية:
في منتصف القرن العشرين، وفي محاولة من كيميائيين العصر في إنتاج سلاسل كيميائية مكونة من جزيئات حلقية الشكل؛ بحيث تكون حرة الحركة، فكما نعلم أن الجزيئات الكيميائية مرتبطة بروابط تساهمية، فيها يتم مشاركة الإلكترونات بين الذرات، كان كل طموح الكيميائيين في هذا الوقت هو استبدال تلك الروابط بأخرى ميكانيكية؛ أكثر حرية بدون جعل ذرات الجزيئات تتفاعل فيما بينها.
ولنبدأ روايتنا من عام 1983 مع أحد الباحثين الثلاث وهو جان بيبر سوفاج -فرنسي الجنسية- والذي كان يهدف هو ومجموعته البحثية في اختراع مُجَمَّع من المركبات بمقدوره تخزين طاقة الأشعة الشمسية حيث يمكن استخدامها في تسيير التفاعلات الكيميائية. وفي محاولة من جان سوفاج لتحقيق ذلك، وجد أنه توصل لشيء شبيه للغاية لتلك السلاسل الكيميائية -التي تكلمنا عنها مسبقًا، وبذلك فإن ما توصل له سوفاج غير مسار بحثه.
2- فكرة الباحث جان بيبر سوفاج:
نجح ذلك العالم في تخليق رابطة ميكانيكية بين جزيئين حلقيين بمساهمة أيون من معدن النحاس؛ كما توضح الصورة فكرة سوفاج، فإن أحد المركبين حلقي الشكل والآخر هلالي، ينجذبان لأيون النحاس والذي يقوم بدوره بربط الجزيئين معًا، وبإحضار جزيء ثالث لاستكمال الحلقة الثانية مع الجزيء الهلالي. في نهاية المطاف، يُزاح أيون النحاس الذي أدى دوره (صورة- 1).
لك أن تعلم أن سوفاج بحركته تلك، أحدث ضجة في مجال (الكيمياء الطبوغرافية- Topological chemistry)؛ فقد بدأ العلماء في استخدام مختلف أيونات المعادن لربط الجزيئات وإنتاج ما هو أكثر تعقيدًا من السلسلة الكيميائية للمركبات.
إن السلاسل الكيميائية تلك والتي تعرف ب(catenanes؛ كلمة لاتينية تعني سلاسل) هي لا تُعد فقط كإحدى تصنيفات المركبات الكيميائية. ولكنها أيضا تعتبر خطوة أولى في طريق الماكينات الجزيئية؛ وهنا سأدع السؤال التالي يتطرق لذهنك: ما الذي يجب أن تكون عليه الآلة الميكانيكية لأداء مهمة ما؟ لا بد وأن تتكون من أجزاء تتحرك بحرية لأداء المهمة، هذا السؤال يجيب عليه الاختراع السابق؛ فإن حلقتا جان سوفاج تؤدي الغرض تمامًا، فقط إن تم تزويد تلك السلسلة -حرة الحركة- بالطاقة، وذلك ما توصل له عالِمنا سوفاج عام 1994 معلنًا عن ولادة أول جنين -غير بيولوجي- للماكينات الجزيئية.
3- فريزر ستودارت:
تخليق الجنين الثاني للماكينات الجزيئية كان على يد باحث نشأ في مزرعة صغيرة في (اسكوتلاندا- (Scotland بدون كهرباء ولا تلفاز ولا حاسوب ولا أيًا من اختراعات العلم الحديثة تلك. شابٌ أشغل نفسه باكتساب مهارة غير مدرك أنها مطمح كل كيميائي في عصره، نحت الأشكال وحاول اكتشاف طرق لارتباطها ببعضها، وصار فنانًا لنحت أشكالٍ لم يسبق للعالم أن رآها؛ وهو ما فتح له الطريق في أن يصير كيميائيًا شهيرًا فيما بعد.
عالمنا الثاني الذي حاز على نوبل لعام 2016 هو فريزر ستوراد، والذي قام هو ومجموعته البحثيه وذلك عام 1991 بإنشاء حلقة كيميائة مفتوحة -فقيرة الإلكترونات- ومحور يشمل على امتداده بنيتين -غنيتين بالإلكترونات، وعند وضعهما في المحلول فإن الحلقة –الفقيرة بالإلكترونات – تنجذب للبنيتين على المحور. في الخطوة التالية، تقوم المجموعة البحثية بإغلاق الحلقة بحيث يُصعب تحريرها من المحور. سُمي ذلك ب(rotaxane، جزيء حلقي الشكل يرتبط ميكانيكيًا بمحور)، وبتسليط فريزر ستودارت للحراراة على الحلقة الكيميائية، وجعلها تتحرك بطول المحور ذهابًا وإيابًا بين المنطقتين -غنيتين بالإلكترونات- (صورة- 2). في عام 1994 استطاع العالِم أخيرًا التحكم في هذه الحركة العشوائية.
منذ ذلك الحين، بدأ ستودارت ومجموعته البحثية في استخدام مجموعات مختلفة من (rotaxans) لبناء العديد من الماكينات الجزيئية تشمل، مصعد كهربائي بارتفاع 7 نانوميتر من على السطح (2004، صورة 3)، وأيضًا عضلات صناعية عام 2005، وغيرها من الاختراعات الجزيئية.
4- بيرنارد فيرينجا وأول محرك جزيئي:
«ربما قوة الكيمياء لا تكمن فقط في فهمها، ولكن في محاولة لتخليق الجديد، والجديد مما لم يسبق للعالم رؤيته من الجزيئات والمواد…»، هذه كانت كلمات بيرنارد فيرينجا؛ الشاب الذي نشأ أيضًا في مزرعة صغيرة، موجهًا شغفه إلى الكيمياء وعلومها.
يتمثل دور عالمنا الثالث في تخليق موتور حركي يدور بشكل مستمر في نفس الاتجاه، وهذه ليست المحاولة الأولى في عصره؛ فقد سبقه الكثير في محاولات لإنتاج ذلك الموتور ولكن محاولة بيرنارد كانت أنجحهم، فالموتور الجزيئي هو صورة مطورة عن الموتور الكهربائي العادي والذي أطلق عام 1830. ومن ضمن تطبيقاته، اختراع سيارة نانومترية مع أربع محركات تدور باتجاه واحد يمثلن عجلات السيارة (صورة- 4)، وقام أيضًا بتدوير مخبار زجاجي –أكبر 10.000 مرة- من الموتور الجزيئي نفسه.
5- «إنها البداية»!
ما قام به العلماء الثلاثة خلال العقود الماضية كان بمثابة خطوات صغيرة نحو عدد لانهائي من التطبيقات القائمة على الآلات الجزيئية؛ منها في عام 2013، الآلي الصغير (molecular robot) –القائم على فكرة سلاسل الروتاكسان (rotaxanes)، والذي باستطاعته ربط الأحماض الأمينية، أيضًا فكرة إيصال الموتور الجزيئي بسلاسل مختلف البوليمرات مكونًا شبكة معقدة، وعند إمداد الموتور بالطاقة يبدأ بالحركة منتجًا حزمة –مختزنة للطاقة، وإذا ما وصل العلماء لاكتشاف طريقة لاستخراج تلك الطاقة مرة أخرى، سيمثل هذا نوعًا جديدًا من البطاريات.
قُدِّرت الجائزة بمبلغ 940.000 دولار؛ والتي ستقسم بينهم. قضا الثلاثة علماء فترة ليست بالقصيرة من حياتهم في دراستهم للماكينات الجزيئية، عبرت أكاديمية العلوم (رويال سويدش- (Royal Swidsh عن التطور الذي وصلو إليه -في كثير من التطبيقات المذكورة، والذي يعد بمثابة مفتاح نحو مستقبل مليء بالتطبيقات النانومترية.
ذكر فيرينجا: «عندما رأيت الماكينة الجزيئية تتحرك لأول مرة، لم أكن أصدق أنها بالفعل نجحت» وأضاف، «فقط عندا تبدأ بالتحكم في حركة تلك الجزيئات الصغيرة، فأنت أمام عدد لانهائي من التطبيقات؛ فكر في الآلات الصغيرة (micro-robots) التي سيحقنها الطبيب يومًا ما في وريدك باحثةً عن خلايا السرطان لتدميريها أو لإيصال مادة فعالة لدواء ما إلى المنطقة المستهدفة». وربما تتفاجأ حينما أخبرك أن فيرينجا رد قائلًا -عن ما الذي سيفعله للاحتفال بذلك النجاح المبهر؟- أنه يريد أن يعطي نصيبه من الجائزة لطلابه ومجموعته البحثية الذين ساعدوه في الوصول لهذا، فالعالم في المستقبل سيقف على أكتاف هؤلاء. إنها فقط البداية!
إعداد/ ريم محروس محمد
مراجعة علمية/ Amira Esmail
مصادر:
- “World’s Smallest Machines” Win The Nobel Prize For Chemistry. (n.d.). Retrieved from http://sc.egyres.com/X1Xer
- How molecules became machines – nobelprize.org. (n.d.). Retrieved from http://sc.egyres.com/AEim8
#الباحثون_المصريون