لا نستطيع التحدث عن الـ(BIM) بدون التطرق لتاريخ التصميم المعماري، فلعقودٍ طويلة كان التصميم المعماري يحتاج لأدواتٍ كثيرة ومجهودٍ عملاق لإخراج لوحات نهائية يمكن استخدامها في البناء، فبدايةً بالأقلام ذات السماكات المختلفة والمسطرة بشكل T والمثلث والمنقلة والفرجار… وغيرها الكثير من الأدوات التي كثيرًا ما قدمت للبشرية، ولكن في المقابل كانت تقيد خيال المصمم الذي إن ابتكر تصميم مختلف سيشقى في رسمه وتنفيذه. أيضا حسابيًا كان من الطبيعي استخدام طرق مبسطة للتصميم الإنشائي تعتمد على زيادة هامش الأمان وتوحيده لأغلب العناصر لتقليل الوقت والمجهود.
مع التطور التكنولوجي كان من الحتمي أن ينعكس هذا التطور على العمارة والبناء فظهرت برامج الرسم بمساعدة الحاسب أو التصميم بمساعدة الحاسب وهو ما يعرف بـ(Computer Aided Drafting / Design) ويتم الإشارة إليه بـ (CAD) ومن أشهر هذه البرامج برنامج (AutoCAD) والذي تصدره شركة (Autodesk). يعتمد هذا النوع من البرامج على الخطوط والأشكال ثنائية الأبعاد البسيطة ليشكلها المستخدم بالشكل الذي يرضيه بنفس طريقة استخدامه للقلم، ولكن وفرت هذه البرامج على المهندسين مصاريف علاج ظهورهم وأعطتهم وقتًا وإمكانياتٍ أكثر ليطلقوا خيالهم، ومع مرور الوقت أصبحت تلك البرامج لا غنى عنها وأصبحت تدرس في الكليات والجامعات، وفي نفس الفترة أصبح التصميم بمراحله المختلفة يدار بالكمبيوتر، فلرسم العناصر الإنشائية هناك البرامج الإنشائية مثل (Sap) وEtabs))، ولمعرفة الوقت والتكلفة هناك برامج مثل (primavera)، وهكذا الكثير من البرامج التي سهلت ومازالت تسهل حياة المهندس وإن كان لها عيوب قد نتطرق لها في مواضيعٍ لاحقة.
بدايات الـ (BIM)
يظن الكثيرون أن أول من ابتكر تقنية نمذجة معلومات المباني هي شركة أوتوديسك، ولكنها معلومة خاطئة حيث أن البداية كانت لشركة (Graphisoft) ببرنامجها (ArchiCAD) حيث قدمت الشركة ما أسمته (virtual Building) أو المبنى الافتراضي عام 1987، ولم يتم استخدام مصطلح (Building information Model) إلا بحلول عام 1992، وبدأ انتشاره الحقيقي بعدها بـ 10 سنوات تقريبًا مع شراء شركة (Autodesk) للبرنامج الأشهر في هذا المجال (Revit).
إذًا ما هو الـ (BIM)؟
بشكل مختصر هو محاولة لعمل نماذج لكل معلومات المبنى لجعلها في متناول يد كل المشاركين بالمشروع خلال دورة حياة المبنى.
يعتمد الأمر بالكامل على المعلومات، فتلك البرامج ذكية تتعامل مع عناصر لا خطوط، بالتالي تجد الأدوات الأساسية بداخل الـ(Revit) مثلًا عبارة عن أعمدة وكمرات وحوائط وأبواب ومواسير وكلٍ من هذه العناصر يتم تصنيفه بداخل الريفيت حسب خواص عامة في عائلته وخواص لحظية تعتمد على مكانِهِ والمستوى المرسوم فيه ومرحلة بنائه.
على الرغم من وجود برامج كثيرة تقوم بعمل محاكاة ثلاثية الأبعاد مثل (3ds Max) إلا أن هذه البرامج تتعامل مع مجسمات مجردة مثل المكعبات والكرات وفقط المستخدم هو من يشكلها لتعطي الشكل النهائي الذي يريده، لكن في برامج الـ (BIM) تشعر من اللحظة الأولى بأنك تقوم بالبناء فعليًا لكن على شاشة الكمبيوتر.
نموذج مبسط لدورة استخدام الـ (BIM)
تبدأ العملية باستخدام برنامج للنمذجة مثل (Revit, Archicad, Tekla,…) حيث يتم وضع المحاور وإحداثيات المشروع، ويبدأ عمل نموذج معماري ثم إنشائي، ثم يتم تصدير النموذج الإنشائي لبرامج التحليل الإنشائي لتحليلها، ثم تصميمها، والتأكد من قطاعات العناصر، ثم تعديل النموذج المعماري بناءً على ذلك إن لزم الأمر، يتم أيضًا تصدير النماذج لبرامج تحليل الطاقة في حالة المشاريع الكبيرة لمحاولة تقليل استهلاك الطاقة، كما يمكن عمل نموذج لشبكات الكهرباء والميكانيكا والصرف، ثم دمج الثلاث نماذج المعماري والإنشائي والشبكات بداخل برنامج مثل (NavisWorks) لمعرفة أماكن التعارض بين النماذج الثلاثة لتلافي أي مشاكل مستقبلية عند التنفيذ.
عند إدخال معلومات الوقت للنموذج النهائي يمكننا تسمية النموذج بنموذج رباعي الأبعاد (4D BIM) وبإضافة التكلفة للعناصر يسمى (5D BIM).
باستخدام هذه التقنيات قد يطول وقت التصميم ولكنه يختصر كثيرًا من الوقت والتكلفة عند التنفيذ، حيث يكون عند المهندسين تخيُّلٌ كامل لكل جزءٍ من المنشأ، وتوقعٌ كامل لكل العقبات التي قد تقابلهم بالتالي تجهيز الحلول لها مسبقًا.
لا يتوقف دور الـ (BIM) بانتهاء التصميم ولكن يجب أن يتم إضافة أي تعديل يتم للمنشأ أثناء التنفيذ أو في المستقبل، ليصبح عندك نموذج مطابق للواقع وهو ما يسمى نموذج سداسي الأبعاد (6D BIM) الأمر الذي يسهل أي عمليات تطوير مستقبلية للمنشأ.
ما هو الداعي لاستخدام برامج نمذجة معلومات البناء كبديل عن برامج الرسم بمساعدة الحاسب الآلي؟
- الحصر الدقيق للمواد وذلك قبل بدء البناء، وعند عمل تعديل في التصميم يتم التحديث في الحصر تلقائيًا.
- حل مشكلة التواصل بين أطراف التصميم من مهندس معماري وإنشائي وإلكتروميكانيكل وأي مشاركٍ في عملية التصميم والتنفيذ، فهذه البرامج سهلت الإلمام بتفاصيل المشروع من قِبل الجميع، ومشاركة التعديلات المختلفة فيما بينهم، لتلافي أي تعارضٍ قد يسبب مشاكل أو أخطاء في التنفيذ.
- إيضاح التصميم بشكل جيد للعميل، فتصل إليه الصورة النهائية للمبنى ويدرك تفاصيله جيدًا، بدون أن يضطر إلى دراسة رسومات معمارية أو إنشائية قد لا يفهمها، بالتالي يستطيع إبداء رأيه والتعديل على التصميم الذي لا تقارن تكلفة التعديل عليه بتكلفة التعديل على مبنىً منفذ.
- الانسجام بين المساقط والقطاعات، وكانت هذه مشكلة أزلية، وهى عمل تعديل في أحد اللوحات ولزوم عمله في جميع اللوحات الأخرى، أما الآن المشروع كله في ملف واحد متكامل، يظهر التعديل تلقائيًا في كل الرسومات عند عمله في أي واحدة منهم.
- المباني المبتكرة كانت تعاني من مشكلة عدم وجود مرجع أو مباني سابقة يمكن القياس عليها، بالتالي يمكن حدوث مشاكل غير متوقعة نتيجة الوزن أو العوامل الطبيعية غير المحسوب حسابها، أما الآن فنمذجة معلومات البناء توفر كل أنواع المحاكاة لتدارك المشكلة قبل وقوعها.
- كثيرًا ما كان يحدث أن يتوقف العمل بسبب انتظار استلام الخامات، أو أن يتم استيراد خامات ومواد قبل وقت احتياجها فتحتاج تكلفة إضافية لتخزينها. برامج إدارة الوقت والتكلفة ساعدت على حل هذه المشاكل
- تكلفة التعديل: وكانت تقدر بخمس تكلفة المشروع، الآن التعديل كله على الحاسوب.
- مشكلة عدم الانتهاء في الوقت المحدد نتيجة اكتشاف المشاكل داخل الموقع فكان يتم مد فترة المشروع أكثر من مرة، عند التطبيق الصحيح لنمذجة معلومات البناء يتم اكتشاف المشكلات وحلها مبكرًا أثناء العمل على التصميم.
- اختلاف ما تم بناؤه عن التصميم الأصلي نتيجة العمل في الموقع، مما يضطر المهندسين لعمل لوح مختلفة As Built)) بعد انتهاء العمل، حاليًا ما تم تصميمه هو ما سيتم تنفيذه.
- وجود معلومات مطابقة للواقع يمكن استخدامها في إدارة مرافق المبني وعمل صيانه له.
إعداد: Mostafa Mohamed El-Ashmawy, Omar Selim
مراجعة علمية: Mahmoud Mohamed Ouf
مراجعة لغوية: سمراء طارق
المصادر: