ما هي الأشعة الكونية؟

هي-الأشعة-الكونية؟-e1549013980300

|

تبدأ قصة الأشعة الكونية عام 1780. في أحد الأيام كان الفيزيائي الفرنسي تشارل أوجستين دي كولوم يراقب جسمًا كرويًا مشحونًا بالكهرباء، حينها فوجئ كولوم ليرى أن الكرة فقدت شحنتها فجأة بدون سابق إنذار. في تلك الفترة أيضًا كان يُعتقد أن الهواء عازل للكهرباء وليس موصلًا، وبالتالي فتفسير الأمر بأن الشحنة الكهربية انتقلت عن طريق الهواء كان مستحيلًا، لم يتوصل أحد لتفسير لما حدث لفترة طويلة ولكن العلماء كانوا على دراية بأن هناك شيئًا غامضًا حولهم.

زال جزء صغير من الغموض حين أدرك العلماء أن الهواء بإمكانه توصيل الكهرباء إذا تم شحن أو تأيين جزيئاته، وهذا عادةً ما يحدث حين تتفاعل تلك الجزيئات مع جسيمات مشحونة أو أشعة سينية. إذن يمكننا تفسير ما حدث للكرة بأنَّ جسيماتٍ ما على شكل إشعاع أثرت على الهواء المحيط بها وعلى شحنتها الكهربية، ولكن هذا لم يكن كافيًا، ما هي تلك الجسيمات؟ ومن أين أتت؟

قامت العديد من المحاولات لفهم طبيعة ذلك الإشعاع وباءت جميعها بالفشل، حتى محاولة صد هذه الأشعة باستخدام كمية كبيرة من الرصاص فشلت كذلك.

توقفت سلسلة الإخفاق عام 1912 حين قام الفيزيائي فيكتور هيس بالتحليق بمنطاد حتى وصل إلى ارتفاع 5300 متر فوق سطح الأرض، حينها اكتشف هيس وجود ثلاثة أضعاف كمية الأشعة المؤينة الموجودة على الأرض في ذلك الارتفاع. كان هذا يعني شيئًا واحدًا، وهو أن مصدر تلك الأشعة الغامضة لا بد وأن يكون الفضاء الخارجي، ومن هنا تم اكتشاف الأشعة الكونية.
والآن مازال لدينا سؤالان، ما الأشعة الكونية؟ وما مصدرها؟

الأشعة الكونية عبارة عن شظايا أو ذرات تهطل على كوكبنا من خارج النظام الشمسي بسرعة تقرب من سرعة الضوء، تتكون الأشعة من جسيمات سالبة كالإلكترونات أو جسيمات موجبة كالبروتونات أو أنوية ذرية وتتسبب في العديد من الآثار على كوكبنا، إلا أن ما لاحظناه أنا وأنت من آثارها في حياتنا اليومية على الأرجح لم يتعد تسببها في بعض المشاكل بالأجهزة الإلكترونية والأقمار الصناعية.

أما بالنسبة لمصدرها، في الحقيقة، نحن لا نعلم تحديدًا، على الرغم من أنه مر أكثر قرن كامل على اكتشافها إلا أن مصدرها مازال لغزًا بالنسبة إلينا. ولكن بالطبع قامت العديد من المحاولات لتتبع مصدرها. وفي عام 2013، أصدرت ناسا نتائجَ رصدٍ لاثنين من بقايا مستعرات عظمى بدرب التبانة، (IC 433) و(W44).

من ضمن مكونات الانفجارات النجمية تلك كانت فوتونات أشعة جاما، وهي على عكس الأشعة الكونية لا تتأثر بالمجال المغناطيسي. أشعة جاما التي أجريت الدراسات عليها اتضح أن طاقتها شبيهة بجسيمات دون ذرية تسمى بالبيونات (Pions)، تنتج البيونات حينما تعلق بروتونات بمجال مغناطيسي كالموجود بداخل الموجة الصدمية الحادثة في المستعر الأعظم وتتصادم ببعضها.
إذن، نستطيع هنا استنتاج أن تشابه علامات الطاقة يدل على أن البروتونات قد تتحرك بسرعة كافية بداخل المستعر الأعظم لتكوين الأشعة الكونية، ومن هنا جائت نظرية كون المستعرات العظمى هي مصادر الأشعة الكونية.
ولكن بالطبع لا يمكن أن نعد هذه النظرية أكيدة، فمثلًا ليس هناك تفسير بعد لكيف يمكن لمستعر أعظم أن ينتج كميات الأشعة تلك بهذه السرعة الفائقة.

محاولة أخرى هدفت للتعرف على مصدرها عن طريق دراسة تكوينها، ولا يمكن لهذا أن يكون صعبًا نظرًا لأنها تهطل على كوكب الأرض باستمرار، الأشعة الأولية عالية الطاقة منها تتصادم مع الجزء العلوي من الغلاف الجوي ونادرًا ما تكمل رحلتها لسطح الأرض، أما الأشعة الثانوية يتم لفظها من هذا التصادم حتى تصل لنا على الأرض. بحلول الوقت التي تصل فيه هذه الأشعة للأرض يصبح من المستحيل لنا اقتفاء أثرها لمعرفة مصدرها، هذا بسبب أن مسارها قد تغير عدة مرات خلال رحلتها حيث إنها مرت بعدة مجالات مغناطيسية كالمجال الخاص بالمجرة والنظام الشمسي والخاص بالأرض نفسها لذا لجئنا لدراسة التركيب.

حوالي 90% من أنوية الأشعة الكونية عبارة عن هيدروجين (بروتونات)، و9% عبارة عن هيليوم (جسيمات ألفا)، أما الـ1% المتبقية عبارة عن أنوية خاصة بعناصر أثقل عديدة، من هذه الـ1% يحاول العلماء البحث عن عناصر نادرة لعمل مقارنات بين الأنواع المختلفة للأشعة الكونية.

حاول العلماء أيضًا تتبع مصدرهم عن طريق النظر في الأنوية المشعة التي تتحلل بمرور الزمن، عن طريق دراسة فترة عمر النصف للأنوية وبالتالي تحديد المدة التقريبية التي ظلت فيها هذه الأنوية في الفضاء.

على كلٍّ، كونها مجهولة المصدر جعلها فقط أكثر إثارة للاهتمام، حتى أن استخدامها تعدى نطاق علم الفلك؛ ففي عام 2017 حين اكتشف فريقُ بحثٍ جزءًا فارغًا داخل أحد أهرامات الجيزة والذي تم بناؤه عام 2560 قبل الميلاد. تم اكتشاف هذا الفراغ بتقنية التصوير المقطعي باستخدام الميوونات (Muon Tomography)، وهي تقنية تستخدم ميوونات الأشعة الكونية لتكوين صور ثلاثية الأبعاد للأحجام معتمدة على اختراق الأشعة الكونية للأجسام الصلبة.
أما بالنسبة للفلك، فقد ساعدتنا على فهم الفضاء بشكل كبير، تحديدًا على فهم الخطر المحدق الذي يهددنا بسبب الفضاء. كما ترى، المجال المغناطيسي للأرض يحميها من حوالي 99.9% من الإشعاع الصادر من الفضاء.
أما بالنسبة لشخصٍ خارج مجال الأرض، فالإشعاع الفضائي يصبح خطرًا جديًّا.  قام كيريوستي، المسبار الخاص بناسا، أثناء رحلته على المريخ بتحديد أن كمية الإشعاع التي سيتعرض لها أي رائد فضاء في أقصر رحلة بين الأرض والمريخ تساوي حوالي 0,66 زيفرت، هذا يعادل الحصول على تصوير مقطعي للجسم كاملًا كل خمسة أو ستة أيام. جرعة من 1 زيفرت يصحبها زيادة تساوي 5,5% في معدل الإصابة بسرطان مميت، أنا وأنت وأي شخص يحيا على الأرض نتعرض لجرعات يومية من الإشعاع عادة لا تتعدى 10 ميكرو زيفرت، أي 0,00001 زيفرت.

ليس لدى القمر غلاف جوي ومجاله المغناطيسي ضعيف للغاية، إن أردنا بناء مستعمرات هناك في يوم من الأيام فسنحتاج إلى أخذ احتياطات عديدة، أو فقط نقوم بالبناء تحت سطح الأرض. المريخ كذلك ليس لديه مجال مغناطيسي، كما أن الجسيمات القادمة من الشمس قد محت معظم الغلاف الجوي الخاص به مما أدى إلى أن الحماية التي يوفرها ضد الأشعة ضئيلة للغاية. الجانب المشرق هو أن مقدار الحماية يصبح أفضل قليلًا كلما انخفضت عن مستوى سطح الأرض.

ترجمة: كريم خالد

مراجعة: آية غانم

المصدر 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي