أصبحتْ السيّارات أكثر اتّصالًا بالسيّارات الأخرى، وبالبنية التحتيّة لوسائل النقل، وبالمشاة، وبمراكز البيانات. ولكن ما المعايير التي ستدعمها تقنية اتّصال السيّارة بكلّ شيء (V2X)؟ مالم تكن متحمسًا بتعصّب للسيّارات الكلاسيكية، فسوف تُلاحظ أنّ السيّارات أصبحت متّصلة ببعضها البعض وبالعالم الخارجيّ بشكلٍ متزايد.
فمع أنظمة تشغيل السيّارة التي تُدير كل شيءٍ من برامج المعلومات والترفيه للسيّارات ذاتيّة التحكُّم، أصبحتْ السيّارات أكثر ذكاءً وأقل اعتمادًا على التشغيل البشريّ. مستخدمو السيّارات في حالة تأهُّب للاستفادة من رحلات أكثر أمانًا، وصداقة للبيئة، وكفاءة، وذلك بفضل المستشعرات الوفيرة والاتّصال على متن السيّارة، بينما مصنّعو السيّارات، وشركات التكنولوجيا ومزوّدو خدمة الاتّصال قد باتوا يمتلكون سوقًا جديدًا تمامًا للمنافسة.
كلمة (V2X) والتي تشير إلى “اتّصال السيّارة أو المركبة بكلّ شيء” هي مصطلح مظلّيّ أو شامل لنظم اتّصال السيّارة، حيث تنتقل المعلومات بواسطة روابط واسعة النطاق، وسريعة الاستجابة، وعالية الدقّة من خلال المستشعرات ومصادر أخرى لتمهّد الطريق للقيادة ذاتيّة التحكم بشكلٍ كامل.
هناك العديد من المكوّنات لاتّصال السيّارة بكلّ شيء، يشمل اتّصال سيّارة بسيّارة أخرى (V2V)، وسيّارة ببنية أساسيّة (V2I)، وسيّارة بمشاة أو أشخاص (V2P) وسيّارة بشبكة الاتّصالات. في هذا النظام الايكولوجيّ متعدّد الأوجه، ستتحدّث السيّارات مع بعضها البعض، ومع البنية الأساسيّة مثل إشارات المرور ومواقف السيّارات، والمشاة حاملي الهواتف الذكيّة وكذلك مراكز البيانات من خلال الشبكات الخلويّة. حالات الاستخدام المختلفة ستحتوي على مجموعة مختلفة من المتطلَّبات، والتي يجب على أنظمة الاتّصال التعامل معها بكفاءة وفاعليّة في التكلفة.
ودعونا نسأل ما نوع تجربة النقل التي يمكن توقّعها من تقنية اتّصال السيّارة بكلّ شيء؟
للإجابة على هذا السؤال فقد حدّد مجموعة من الباحثين في مركز (هاواوي-Huawei) الألمانيّ للبحث العلميّ بميونخ رؤيتهم من خلال ورقة بحثيّة نُشرت حديثًا:
1- يقوم المستخدم بطلب سيّارة عن طريق تطبيق.
2- تتوجّه السيّارة ذاتيّة القيادة أو التي تتمّ قيادتها عن بعد للمستخدم، والذي يتّصل عبر التطبيق الخاص به بشبكة الراديو، ويقوم بضبط السيّارة على إعدادات مسبقة.
3- تبحث السيّارة عن مجموعة أو تشكيل السيّارات التي تتوافق مع تفضيلات المستخدم وتقوم بمناورة تعاونيّة للانضمام للمجموعة المُحدَّدة، وتوفير الطاقة عن طريق السماح للسيّارة بتتبّع غيرها بمسافات فاصلة قصيرة.
4- الملاحة ذات الاتّجاهين ترشد السيّارة إلى الامتداد المزدحم من الطريق.
5- يمكن للمستخدم التحكُّم بقيادة السيّارة والخروج من الطريق السريع إلى طرق ذات مناظر طبيعيّة خلّابة يتمّ اقتراحها من خلال نظام الملاحة المتّصل.
6- تقوم السيّارة بإنزال المُستخدم في الوجهة المُحدّدة.
7- تقوم السيّارة ذاتيّة القيادة بأحد الخيارين التاليين:
أ- إمَّا الذهاب لموقف سيّارات آليّ، أو
ب- الذهاب لمستخدم آخر.
وقد ذكر الباحثون: «بينما قد يبدو هذا المثال بعيدًا في المستقبل، فإنّ التكنولوجيا اللازمة لتشغيل التقنية مثل (الخرائط عالية الدقّة، والمعلومات عن حركة المرور في الوقت الفعليّ، والمستشعرات داخل السيّارة مثل الرادار والكاميرات وأجهزة الموجات فوق الصوتيّة، وغيرها) فهي إمّا متوفّرة الآن بالفعل، أو ستتوفّر في المستقبل القريب. وأمّا المكوّن الأبرز غير المتوفّر حتّى الآن هو نظام الاتّصالات عالية الدقّة، وسريعة الاستجابة.
وكأيّ مجال جديد في التكنولوجيا فهناك العديد من المعايير التنافسيّة في الحيّز الفعليّ لتقنية اتّصال السيّارة بكلّ شيء.
نظام «IEEE 802.11p»
يقوم النموذج الأصليّ لتقنية اتّصال السيّارة بكلّ شيء على نظام يسمّى بـ(IEEE 802.11p)، والذي يعتمد على شعبة الاتّصالات اللاسلكيّة (واي فاي-Wi-fi)، وهو جزء من النموذج الذي تمّ تطويره من قبل معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات (IEEE’s)، والمعروف اختصارًا باسم (IEEE’s WAVE) أو برنامج الوصول اللاسلكيّ لبيئات المركبات، ويعمل النظام في نطاق التردّد غير المرخَّص 5.9 جيجا هرتز. نموذج (IEEE 802.11p) والذي تمّ الانتهاء منه عام 2012م يدعم الاتّصالات المُخصصة قصيرة المدى (DSRC) في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتكنولوجيا الجيل الخامس من أنظمة النقل الذكي (ITS-G5) في مبادرة الأنظمة التعاونيّة الأوروبيّة للنقل الذكيّ (C-ITS).
تتجاوز تقنية اتّصال السيّارة بكلّ شيء بواسطة (802.11p) المستشعرات محدودة الرؤية مثل الكاميرات، والرادار، والليدر (تكنولوجيا استشعار عن بعد مرئيّة عن طريق الضوء أو الليزر)، حيث تُغطّي حالات استخدام كلّ من تقنية اتّصال السيّارة بسيّارة أخرى (V2V)، واتّصال السيّارة بالبنية الأساسيّة (V2I)، مثل إنذارات التصادم، وتحذيرات الحدّ الأقصى للسرعة، ومواقف السيّارات الإلكترونيّة، ومدفوعات الرسوم المروريّة.
تتضمّن الخصائص الوظيفيّة للنموذج (802.11p) نطاقًا قصير المدى (أقلّ من كيلو متر واحد)، واستجابة سريعة (حوالي 2 مللي ثانية)، ودقّة عالية. ووفقًا لوزارة النقل الأمريكيّة، فإنّه: «يعمل في ظروف النقل السريع للمركبات ويوفّر أداءً مُحصنًا ضد الظروف الجويّة القاسية مثل: (المطر، الضباب، الثلوج،… إلخ). وبشكلٍ أساسيّ فإنّ النموذج (802.11p) يُعزّز قدرة السيّارة علي رؤية البيئة المحيطة، حتَّى في الأحوال الجويّة السيئة.»
ولا يَعتمد نموذج النظام (IEEE 802.11p) على وجود تغطية وحلول الشبكات الخلويّة، وتتوفّر الآن الوحدات على متن المركبة (OBUs)، والوحدات على جانب الطريق (RSUs) لدى مُورّدي وبائعي رقائق السيليكون وأشباه الموصّلات مثل شركات: (NXP، وMarvell، وRenesas Electronics، وRedpine Signals).
تقنية «اتّصال المركبة بكلّ شيء خلويًا» (C-V2X)
يُعدّ نظام الاتّصال الخلويّ للمركبات بكلّ شيء (والمعروف اختصارًا بـC-V2X) أحدَ البدائل القادمة والمرتقبة لنظام اتّصالات المركبات اللاسلكيّ وفقًا لنموذج الشبكات المحليّة (IEEE 802.11P)، ومن أهمّ داعميه رابطة الشركات المصنّعة لسيّارات الجيل الخامس (5GAA)، بالإضافة إلى شركة «كوالكوم» لصناعة الرقائق وأشباه المُوصّلات.
وتتمثّل الميزة الرئيسيّة لتقنية (C-V2X) في احتوائها على وضعيّ تشغيل بإمكانها العمل فيما بينهما لتغطية معظم الاحتمالات الممكنة.
الوضع الأوّل: هو الوضع سريع الاستجابة في اتّصالات (C-V2X) المباشرة عبر واجهة الاتّصال الخلويّ من جهاز إلى جهاز (PC5)، والذي يعمل على النطاق اللاسلكيّ 5.9 جيجا هرتز غير المُرخَّص، وهو مُصمَّم لرسائل السلامة النشطة مثل التحذيرات الفوريّة من مخاطر الطريق، وغيرها من المواقف قصيرة المدى (اتّصال المركبة بمركبة أخرى – اتّصال المركبة بالبنية الأساسيّة – اتّصال المركبة بالمشاة)، يتوافق هذا الوضع بشكل كبير مع النموذج (IEEE 802.11P) المُتوفر حاليًا والذي يعمل على نفس النطاق اللاسلكيّ 5.9 جيجا هرتز.
والوضع الثاني: هو وضع اتّصالات الشبكة الخلويّة العاديّة ذات النطاق اللاسلكيّ المرخّص عبر واجهة الاتّصال بين الهاتف المحمول والراديو (UU)، ويمكنه التعامل مع حالات الاتّصال (اتّصال المركبة بالشبكة) مثل رسائل الإعلام ذات الاستجابة البطيئة كالتي تتعلّق بمخاطر الطريق طويلة المدى، أو الحالة المروريّة. ونظرًا لأنّه لا يستخدم الاتصال الخلويّ، يمكن للنظام (IEEE 802.11p) التوافق مع هذا الوضع فقط عن طريق إجراء اتّصالات مُخصّصة بالمحطات الأساسيّة على جانب الطريق.
وقد تمّ الانتهاء من مواصفات تقنية (C-V2X REL-14) الحالية والتي تُعدّ جزءًا من النظام العالمي (3GPP Rel-14) و(LTE Advanced Pro) في شهر مارس من عام 2017، بينما أعلنت شركة «كوالكوم» في سبتمبر من نفس العام عن تطوير أوّل مجموعة من الرقائق التي تدعم تقنية (C-V2X) لسلامة السيّارات ذاتية القيادة والتي تحمل الرقم التعريفيّ «9150»، وكان من المُتوقّع أن يتمّ طرحها تجاريًا في النصف الثاني من عام 2018، كما عرضت «كوالكوم» تصميمًا مرجعيًا لمجموعة الرقائق (C-V2X 9150) القابلة للدمج مع نظام التَموضع العالميّ ( GNSS)، ومعالج تطبيقات يعمل على حزم بيانات نظام النقل الذكيّ لاتّصال المركبة بكلّ شيء (V2X) ووحدة حماية أمان الأجهزة. إن تقنية اتّصال المركبة بكلّ شيء خلويًا (C-V2X) قد تَأخّر تدشينها لعدّة سنوات في سوق أنظمة اتّصال المركبات ذاتيّة القيادة (V2X) مقارنةً بنموذج (IEEE 802.11p, C-V2X).
ويُجرَى الآن اختبار التقنية الجديدة (C-V2X) في شركة فورد بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبأوروبا في كلّ من شركة «أودي»، ومجموعة «بي إس إيه» الفرنسيّة المصنّعة لسيّارتيّ بيجو وسيتروين، وفي الصين عن طريق شركة سايك. وفي مرحلة متقدّمة ستتضمّن التقنية استخدام خرائط طرق تنطوي على مميزات الجيل الخامس من تقنية الراديو الجديد مثل القدرة الإنتاجيّة العالية، ودعم مشغّل النطاق العريض، والدقّة العالية.
هذا التطوّر التقنيّ، إلى جانب تقديرات تشير إلى أنّ 45% من الاتّصالات الخلويّة المقدّرة بـ2.2 مليار بحلول عام 2025 ستكون في قطاع السيّارات المتّصلة، ينبغي أن تقدّم حججًا قويّة تعطي الأفضليّة لصالح تقنية (C-V2X) مقارنةً بنموذج (IEE 802.11P) كأساس لاتّصال السيّارة بكلّ شيء. ومع ذلك، فقد تمّ الإعراب عن شكوك حول أنّ تقنية (C-V2X) ستكون قادرة على الاستفادة من وجود أجهزة المودم الخلويّة القياسيّة في السيّارات بسبب متطلَّبات السلامة المختلفة والاحتياجات التقنيّة.
أيّ النموذجين سيكون الأنجح؟
يتميّز نموذج (IEEE 802.11p) بالتطوير والنشر المبكّرين ومن ثم التنصيب والتوظيف أولًا، وعلى الجانب الآخر، فإنّ تقنية (C-V2X) كما يُقال تُوفّر أداءً أفضل، وقدرة على توظيف الاتّصالات المباشرة والمدعومة من قبل الشبكة، كما توفّر مسارًا تطوُّريًا للجيل الخامس من نظم الاتّصالات.
الأمر ليس مجرّد جدل حول معايير تقنية غامضة وحسب، فالمخاطر كبيرة، ولا يزال النموذج (IEEE 802.11P) مُستعملًا ومُفضلًا في مناطق عديدة من أوروبا. هذا ما دفع الجمعيّة الدوليّة لشبكات الهاتف المحمول والمعروفة اختصارًا بـ(GSMA) في سبتمبر من عام 2017 لتوضيح موقفها في ورقة إحاطة:
«تشعر الجمعيّة الدوليّة لشبكات الهاتف المحمول بالقلق من أنّ الخطط الأوروبّيّة لتشغيل النظام الخلويّ للنقل الذكيّ (C-ITS) لا تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيّات العالية جدًّا لتقنية (C-V2X)، كما تُلاحظ الجمعيّة الدوليّة لشبكات الهاتف المحمول أنّ المفوّضيّة الأوروبّيّة ترغب في منع انتشار جزئيّ لنظامين مختلفين للاتّصالات السيّارة بسيّارة أخرى (V2V)، فهي تُفضّل بشكلٍ واضح التقنية الحالية المُسمّاة (802.11p) التي تُشكّل النموذج الراديويّ من خلال نظام النقل الذكيّ الخلويّ والمُسمّى بالجيل الخامس لأنظمة النقل الذكي (ITS-G5). كما تدرس المفوضيّة ما إذا كانت ستعلن عن قانون أوروبيّ بشأن أنظمة النقل الذكيّ الخلويّة (C-ITS) في القريب العاجل، ممّا يعني أنّه بحلول عام 2019، يجب أن تكون أيّ تقنية مستقبليّة مطروحة في السوق قادرة على التواصل مع السيّارات التي يتمّ تشغيلها بتقنية (802.11p) على مدار عمرها الافتراضيّ بالكامل، الأمر الذي سيحصر نظام (802.11p) في دور التقنية المحوريّة لاتّصالات السيّارات بكلّ شيء (V2X) بشكلٍ فعّال لعقود من الزمن.»
لقد حظيت تقنية (802.11p) باهتمامٍ بالغٍ من شركة (فولكس فاجن) واعتمدت عليها إلى حدٍ كبير بالفعل، وستبدأ في إدخالها إلى نماذج مُختارة في عام 2019.
من الممكن أن تتّحد التقنيتان (802.11p) و(C-V2X) في المستقبل وتتضافران للجمع بين نقاط القوّة في كلّ تقنية. وفي الحقيقة يتوقّع الباحثون في مركز الأبحاث الألمانيّ هواوي أيضًا دمج التقنيات القادمة مثل: التردّد العالي (60 جيجا هرتز على سبيل المثال)، والموجات الملليمتريّة عالية النطاق، والاتّصالات الضوئيّة المرئيّة للمركبات. «ليتمّ دمجها ضمن بناء شبكة وصول الجيل الخامس من تقنية اتّصال السيّارات بكلّ شيء لدعم حالات استخدام هذه التقنية.» وهذا سيسمح للصناعة بتزويد الهيئات التنظيميّة بحلولٍ ترفع الفوائد العائدة على جميع مستخدمي المركبات إلى الحدّ الأقصى.
وفيما يلي بعض متطلَّبات حالات الاستخدام التي تمّت دراستها من باحثي مركز هواوي، وتقييمهم لقدرات نماذج التقنيات المختلفة على دعمها:
ترجمة: ليلى جميل – يارا فاروق
مراجعة علمية: مريم سمير
تَدقيقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة
تحرير: هاجر عبدالعزيز
الدور | الاسم |
---|---|
ترجمة | ليلى جميل / يارا فاروق |