ما هي نظرية الانفجار العظيم؟

universe-11636_1920

نظرية الانفجار العظيم

إنّ بدايةَ العلم هي الفلسفة، وبدايةُ الفلسفة سؤال، وهذا السؤال لا بدّ أن يكون: كيف جئنا إلى هنا؟ وكيف جاء هذا المكان منذ البداية؟
مع مرور الزمن تطوّر تعريفُنا لهذا «المكان» ليصبحَ السؤال: كيف جاء هذا الكون؟
حتى هذه اللحظة لم يُقدّم العلمُ إجابةً فاصِلة، لكن توجد نظرية تجيب عن سؤالٍ قريب، وهو كيف تطوّر الكونُ منذ اللحظة الأولى له؟

لقد أظهرت الاكتشافات في علم الفلك والفيزياء أنّ كونَنا كان له بداية. لم يكن هناك شيءٌ قبل لحظة البداية تلك، أما أثناءها وبعدها فقد كان هناك كونُنا. نظريةُ الانفجار العظيم هي محاولة شرحِ ما حدث خلال لحظة البداية وبعدها.

وفقاً للنظرية المعيارية: إنّ الكون قد نشأ كـ«متفردة» منذ حوالي 13.7 مليار سنة. لكن ما هي المتفرّدة؟ ومن أين أتت؟
لم يتوصل العلماءُ بعد لإجابة، فالمتفرّدة هي منطقةٌ تتحدّى فهمنا الحالي للفيزياء. ويُعتقد أنّها موجودةٌ في مركز «الثقوب السوداء». إنّ الثقوبَ السوداء هي مناطق يكون ضغط الجاذبية فيها شديداً، ويُعتقد أنّه شديد لدرجة أنَّ المادة المتناهية تكون مغمورةً في الكثافة اللانهائية (وهو مفهومٌ رياضيّ يحيّر العقل). تُسمّى هذه المناطق ذات الكثافة اللانهائية بالمتفرّدة. ويُعتقد أنّ كوننا قد بدأ صغير الحجم وحارّاً وكثيفاً بشكل لانهائيّ؛ أي مثل “المتفرّدة”. ولكن من أين أتت؟ ولماذا ظهرت؟ لا نعلم بعد.

تضخّمت المتفرّدة بعد ظهورها بشكل سريعٍ وكبيرٍ جداً، لتنتقلَ من حيّز صغير جداً وحرارة عالية جداً إلى حجم وحرارة كونِنا الحاليّ. وهي مستمرّةٌ في التوسّع حتى يومنا هذا، ونحن داخلها عبارة عن مخلوقات تعيش على كوكب فريد من نوعه، يدور حول نجم جميل تَكون من مئات الملايين من النجوم الأخرى، في مجرة تُحلّق عبر الكون المُتوسّع الذي بدأ كمتفرّدة متناهية الصغر.

كيف ظهرت نظريّة الانفجار العظيم؟

في عام 1927 اقترح فلكيّ يُدعى (جورج لومتر) فكرةً غريبة آنذاك، إذْ قال:

بدأ الكونٌ كنقطةٍ واحدة منذ زمنٍ بعيد، ثمّ امتدّ وتوسّع ليصبح على الحال التي هو عليها الآن، ومن الممكن أن يستمرّ في هذا التمدّد.

بعد عامين فقط لاحظ عالمٌ فلكيّ يُدعى (إدوين هابل) أنَّ المجرّات الأخرى تبتعد عنا، وأنَّ المجرات الأبعد تتحرك بشكلٍ أسرع من تلك الأقرب إلينا. وهذا يعني أنَّ الكون لا يزال يتوسّع كما اعتقد لومتر. إذا كانت أجزاء المادة تتحرّك مبتعدةً عن بعضها البعض، فهذا يعني أنّه في زمن ماضٍ كان كلُّ شيء قريباً.
وتبعاً للنظرية فإنّ النجوم والكواكب والمذنّبات لم تكن موجودةً في البداية. لكن من أين أتت؟
عندما بدأ الكون، كان عبارة عن جزيئاتٍ صغيرة جداً وممزوجة بالضوء والطاقة، أي لم يكن مثل ما نراه الآن. ومع توسّع كلّ شيءٍ وازدياد المساحة بَرَدَ الكون. وتجمّعت جزيئاتٌ صغيرةٌ معاً لتشكيل ذرّات. ثم تجمّعت تلك الذرّات، وعلى مدى الكثير من الوقت شكّلت النجوم والمجرّات.
أدّى تشكّل النجوم الأولى إلى تشكّل ذراتٍ أكبر ومجموعاتٍ من الذرات، وهذا ما أفضى إلى ولادة المزيد من النجوم.
في الوقت ذاته كانت المجرّات تصطدمُ وتتجمّعُ مع بعضها البعض، كما كانت النجوم تموت وتُولد، ثم تشكّلت أشياء مثل الكُوَيْكبات والمُذنّبات والكواكب والثقوب السوداء.

هل سيستمرّ الكون في التوسّع للأبد؟

أفضى اكتشافُ توسّعِ الكون إلى طرح سؤالٍ آخر: هل سيستمرّ في التوسع للأبد أم سيتوقّف وينكمش؟
وفقاً لنظريّة النسبيّة العامة: هذا يتوقّف على مقدار المادّة داخل الكون.
إنّ ذلك يتلخّص في الجاذبيّة، فالجاذبيّةُ هي قوّة التجاذب بين جسيمات المادة. ويعتمدُ مقدار قوّة الجاذبية التي يمارسها جسمٌ على آخر على حجمِ الجسمَين والمسافةِ بينهما. أي إذا كان هناك ما يكفي من المادّة في الكون، فإنّ قوّة الجاذبيّة ستؤدّي في النهاية إلى إبطاء التوسّع وانكماش الكون، أمّا إذا لم تكن هناك مادةٌ كافيةٌ لمعاكسةِ التوسّع، فسوف يتوسّعُ الكون إلى الأبد.

أين مركز الكون؟

وفقاً لنظريّة الانفجار العظيم: لا يوجد مركز للكون. فكلُّ نقطةٍ في الكون هي نفسها كلّ نقطة أخرى، دون نقطةٍ مركزيّة. يصعب تخيّل ذلك، لكنّه شرطٌ لوجود عالم متجانس ومتماثل. ومن وجهة نظرنا، يبدو أنّ كلّ شيء في الكون يتحرّك مبتعداً كما اقترحت نظريّة الانفجار العظيم.
إحدى النظريّات البديلة تقول إنّ الأرض نفسها هي مركز الكون، وهو ما يفسّر تحرّك كلّ شيءٍ آخر مبتعداً. لكنْ يرفضُ علماء الكونيّات هذه النظريّة؛ فمن غير المرجّح أن نشغل النقطة المركزيّة في الكون بأكمله.

مفاهيم خاطئة حول النظرية

هناك فهم خاطئ شائع للنظريّة، وهو أنّها تصفُ أصلَ الكون. هذا ليس صحيحاً تماماً، فالانفجار العظيم هو محاولة شرح كيفيّة تطوّر الكون إلى ما هو عليه اليوم. إنها لا تحاول أن تفسّر ما الذي بدأ خلق الكون، أو ما الذي حدث قبل الانفجار العظيم، أو حتّى ما الذي يقعُ خارج الكون.
هناك اعتقاد خاطئ آخر بأنَّ الانفجار العظيم كان نوعاً من الانفجار فعلاً. هذا ليس دقيقاً أيضاً؛ فالانفجار العظيم كان ولا يزال توسعّاً. فبدلاً من أن تتخيّل بالوناً ينفجر ويُطلق محتوياته، تخيّل توسّعَ البالون.
ومن الاعتقادات الخاطئة أيضاً تصوّر المتفردة ككرةٍ ناريّةٍ صغيرة تظهر في مكان ما في الفضاء. لكنّ الفضاء لم يكن موجوداً قبل الانفجار العظيم؛ بل إنّه قد بدأ داخل المتفرّدة. ولم يكن هناك شيء موجود قبل المتفرّدة؛ لا الفضاء ولا الزمن ولا المادة ولا الطاقة.
إذاً أين وكيف ظهرت المتفرّدة إنْ لم يكن هناك فضاء؟ الجوابُ كما ذكرنا سابقاً: نحن لا نعرف.

أسئلةٌ لا تجيب عنها النظريّة

ما الذي حدث قبل الانفجار العظيم؟
وفقاً لفهمنا الحالي: لا يمكننا أن نعرف. وقوانين العلم ذاتها تتعطّل بينما نقترب من لحظة الصفر (t = 0).
ماذا يوجد بعد حدود الكون؟
هذا سؤال آخر لا يستطيع العِلمُ معالجته، فنحن لا نستطيعُ مراقبة أو قياس أيّ شيء يقع خارج حدود الكون. ربّما الكون يتوسّع داخل بنيةٍ أخرى، لكن من المستحيل بالنسبة لنا أن نعرفَ ذلك.
ما هو شكل الكون؟
هناك العديد من النظريّات حول شكل الكون؛ إذ يعتقد البعض أنَّ الكون غير محدود وغير ملموس، بينما يعتقد آخرون أن الكون مُقيّد. ونظريّة الانفجار العظيم لا تعالج هذه المشكلة على وجه التحديد.

 

إعداد: محمد مغازي

مراجعة: بيير عماد

تدقيق لغوي: رؤى زيات

تحرير: سامح منصور

المصادر:

  1. on.natgeo.com/2hbnMbn
  2. bit.ly/2Ldy2gl
  3. bit.ly/2zxgSs5
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي