خلَق الانفجار العظيم كمّيات متساوية من المادة والمادة المضادة في بدايات نشأة الكون، لكن ما نراه تقريبًا من أصغر انواع الحياة على سطح الارض إلى أكبرها مكوّنة تمامًا من المادة. وبالمقارنة لا نستطيع إيجاد كمّيات كبيرة من المادة, ولا بد أنّه قد حدث شيء ما ليغيّر من هذا الاتزّان، وإلّا لماذا يوجد عدم تناسق في وجود المادة والمادة المضادة؟
المادة المضادة تحمل نفس الكتلة كما يوجد في نظيرتها (المادة), ولكن الصفات الخاصة بها مثل الشحنة الكهربية فهي تكون مضادة لما يوجد في المادة.
مثل البوزيترون الموجب الشحنة فهو مضاد للإلكترون سالب الشحنة. دائمًا ما تتكون المادة ونظيرتها كزوج ومقترنين ببعضهما ولكن إذا ما اصطدما ببعضهما فيلاشي كلّ منهما مخلّفين طاقة نقية نتيجة للاصطدام، وكان الكون مليء بتلك الأزواج من المادة ونظيرتها وذلك بعد الانفجار العظيم.
إذا ما تكوّنت المادة ونظيرتها ودمّرت إحداها الأخرى, فلابدّ أن الكون حاليًا لا يحتوي على شيء، ومع ذلك فإن جزء صغير من المادة استطاع النجاة ( جزء في المليون ) وهذا هو ما نراه اليوم.
وفي العقود السابقة توصّل العلماء بعد العديد من التجارب على تلك الجسيمات إلى أنّ القوانين الفيزيائية لا تُطبّق على الأجسام.
ويرجّح العلماء سبب زيادة المادة عن نظيرتها هو أنّه بعد الانفجار العظيم, وأثناء عمليّة تحوّل الأجسام إلى مادة ومادة مضادة, أنّه قد تدخلت بعض الأشياء الناتجة عن الانفجار وعملت على زيادة تحوّل الأجسام إلى مادة أكثر من تحوّلها إلى مادة مضادة.
لنعرف أكثر عن ماهيّة المادة المضادة وبداية اكتشافها:
في عام 1928 قام الفيزيائي البريطاني ( بول ديراك – Paul Dirac ) بكتابة معادلة مكوّنة من الفيزياء الكمّية والنسبية الخاصة لوصف سلوك إلكترون ما يتحرك حركة نسبية – حاز على جائزة نوبل بسبب كتابته لتلك المعادلة – لكن تلك المعادلة قد أظهرت مشكلة ما مثل معادلة (4=(X2 قد يكون لها حلّان وبالمثل في معادلة ديراك فهي تظهر أن للإلكترون إما طاقة سلبية أو طاقة إيجابيّة, وكان وقتها في الفيزياء الكلاسيكيّة أن طاقة أي جسم يجب أن تكون موجبة.
وفسّر ديراك ذلك بأنّ لكل جُسيم موجود في الكون يوجد له نظير, يحمل نفس الكتلة ولكن يختلف في الشحنة، لذلك لكل إلكترون موجود يوجد ايضًا إلكترون مضاد له نفس الخصائص ولكن يختلف في الشحنة.
وبعد هذا الاكتشاف بفترة, كان الفيزيائي (كارل أندرسون) يدرس سلوك الجُسيمات, وقد لاحظ جُسيم له شحنة موجبة وله نفس وزن الإلكترون وبعد دراسته لمدة عام كامل, قد تأكّد أن هذا هو الإلكترون المضاد وقد أطلق عليه (البوزيترون) .
وفي 4 يناير 1996 قام علماء في جامعة (نوربرج) ولأول مرة بتكوين المادة المضادة من عناصرها الأساسيّة،وتم تكوين 9 من تلك الذرّات عن طريق تصادم البروتونات المضادة مع ذرات عنصر الزينون لمدة 3 أسابيع متواصلة، كل واحدة من تلك الذرات استمر وجودها إلى 10 ملايين جزء من الثانية حتى تلاشت من الوجود لاصطدامها بالمادة. واستمرت المحاولات في تكوين المادة المضادة دون وسيلة لتخزين تلك الذرات حتى عام 2010.
ذرّات الهيدروجين والهيدروجين المضاد
في عام 2010 قام علماء في (سيرن) بتخزين المادة المضادّة، حيث قاموا بتخزين ذرات من الهيدروجين المضاد مكوّنة من بروتون مضاد واحد يدور حوله بوزيترون، وبالرغم من أن الكمية التي تم تخزينها صغيرة جدّاً لكنها قربّت ميعاد اليوم الذي يستطيع فيه العلماء دراسة تلك النظائر تفصيلياً.
وقال العلماء بأن القدرة على تخزين تلك الذرات أصعب من تكوينها حيث أنّهم قاموا بتكوين آلاف الذرات من الهيدروجين المضاد ولم يستطيعوا سوى تخزين ذرّة واحدة فقط حيث أنَ تلك الذرات تكون ساخنة وسريعة جدًّا بسرعة تقارب سرعة الضوء وقد قام العلماء بهذا الأمر عن طريق مجال مغناطيسي مُصمَم خصيصًا لذلك الأمر.
ولكن هل للمادة المضادة فوائد؟
عند تصادم المادة ونظيرتها فإن ذلك يؤدي لتلاشي كلاهما مع إنتاج كميّة كبيرة من الطاقة, وقد جعل ذلك الأمر العلماء يأملون بأنّهم يستطيعون استخدام نظائر المادة كوقود لمركبات الفضاء.
ولكن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه العلماء في ذلك الأمر, حيث أنّ إنتاج عدّة مليجرامات من المادة المضادة يكلّف 100 مليار دولار, ولكن ليقوموا بالأبحاث في ذلك الأمر فهم يحتاجون إلى المزيد منها, بالإضافة إلى أن الطاقة التي نحتاجها من إنتاج تلك الكمية أكبر بكثير من التي قد نحصل عليها منها.
وفي عام 2012 صرّحت ناسا في مؤتمر لها بأنّ الأمر ممكن لاستخدام نظائر المادة كوقود للسفن وسيتم ذلك خلال 40- 60 عام.
وأيضًا تستخدم نظائر المادة في الطب, مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني, والذي يقوم باستخدام البوزيترونات في تصوير أجزاء الجسم تصويرًا مقطعيًا للكشف عن الأمراض المحتملة مثل الورم السرطاني وغيره، نتيجة لاصطدام المادة بنظيرتها, ينتج عنه أشعة جاما والتي تستخدم في بناء الصور المقطعيّة.
تصوير مقطعي بالإصدار البوزيتروني
وأيضًا توصّل العلماء إلى إمكانية استخدام البروتونات المضادة كمساعد في مواجهة مرض السرطان والذي قد يكون فعّال جدًا في علاج هذا المرض.
الأمر يبدو وكأنّه معقّد ولكن نحن ما زلنا حتى الآن لا نستطيع أن نعرف إلى أي مدى يمكننا استخدام نظائر المادة وكيفية الاستفادة منها, ولكن مع التطوّر المستمرّ للعلم قد نستطيع دراسة تلك النظائر بشكل أكبر يسمح لنا باستغلالها.
اعداد: Gehad Adel
مراجعة: Ghada Fathy
تصميم:
المصادر:
#الباحثون_المصريون