كل من يزور مصر للسياحة بالتأكيد رأي أبو الهول, أهرامات الجيزة و معابد الأقصر. في المرة القادمة سيضعون منارة الأسكندرية الفرعونية على قائمة أولوياتهم ولن يخشوا كونها في قاع البحر المتوسط. متحف جديد يُخطَط لتنفيذه في مدينة الأسكندرية يهدف لجلب الزوار للكنوز الغارقة التي لم يراها العامة لما يزيد عن 1400 عام.
المخطط الذي بدأ العمل عليه في 1996 لتنفيذ متحف تحت الماء في الميناء الشرقي بخليج أبو قير تم إعادة إحياءه حيث أعلن الدكتور ممدوح الدماطي وزير الأثارفي سبتمبر الماضي استعداد الدولة للمضي قدما في هذا المخطط.
يقول دكتور محمد عبد المجيد رئيس إدارة الآثار الغارقة بوزارة الآثار إن بقايا المعابد و القصور موجودة تحت 5 أمتار من الماء ولكن لا يستطيع السائحون رؤيتها، فوجود متحف مثل هذا سيجذب سائحين أكثر مما سيساعد الإقتصاد في النهوض مرة أخرى.
بدأت الفكرة منذ عشرين سنة عندما قام المسؤولون المصريون بالبدأ في دراسة كيفية حماية الآثار الثمينة الغارقة من التآكل حيث تعاني تلك القطع الأثرية من تلوث مياه الخليج و من التحطم بسبب مراسي قوارب الصيد بالإضافة لمحاولات السرقة من بعض الغواصين. وجود متحف سيساعد على حماية تلك الأثار و مراقبتها.
بعد عام 1997 ,قامت اليونسكو بالتدخل للمساعدة في تحديد مشروع محتمل للمتحف. في 2006 قام المسئولون بعمل ورشة عمل لتحديد أهداف المشروع، ولكن توقف كل شيء في 2011 بعد الثورة, وعاد المشروع للسطح مرة أخرى في 2013.
في سبتمبر الماضي أكد وزير الآثار الموافقة على بناء المتحف و يتوقع أن تبدأ دراسة الجدوى بمجرد تأمين التمويل حيث تبعا للحالة الاقتصادية الحالية لن تمول الدولة المشروع ولكن سيتم إسناد المشروع لشركات خاصة أبدت إهتمامها بما فيها بعض المؤسسات الصينية. بحسب الدكتور محمد عبد المجيد فالصينيون قادمون بقوة و لكن جزء من دراسة الجدوى سيكون حول كيفية التمويل. وبحسب تقرير لمركز الدراسات الصينية بجامعة ستيلينبوش بجنوب أفريقيا فإن الشركات الصينية قامت فعليا باستثمارات قوية في بنية مصر التحتية ومشاريع تطوير الموانئ.
في 2008, قام المعماري الفرنسي جاك روجيرى (Jack Rougerie) بعمل تصور للمتحف بموافقة وزارة الآثار المصرية فقام بتنفيذ لقطات مبهرة لتصميم يستحضر ارتباط مصر الوثيق بماضيها.
تصميم روجيرى تصور مبنى على شواطئ الميناء الشرقي مرتبط بمنشأ مغمور تحت الماءحيث يوجد أكثر من 2500 قطعة أثرية . بعض تلك القطع عبارة عن صخور عملاقة هي بقايا منارة الأسكندرية القديمة التي كانت أحد عجائب الدنيا السبع قبل غرقها الكامل في القرن الثالث عشر الميلادي.
فوق المبنى المغمور سيكون هناك أربع صروح عملاقة تشبه أشرعة الفلوكة –نوع من أنواع المراكب- النهرية التقليدية, تصميم روجير سيسمح للزوار برؤية الآثار كما كانت لقرون بما في ذلك القطع التي يعتقد أنها بقايا قصر كليوباترا السابعة مع تماثيل نصفية لابنها بطليموس الخامس عشر الملقب بقيصرون , ووالدها بطليموس الثاني عشر. ويتوقع روجير أن يستغرق التنفيذ عامين تقريبا بالإضافة للوقت المطلوب لاستكمال مسح الموقع و التخطيط.
يتخذ روجير, جول فيرن كمصدر للإلهام في الكثير من أعماله, التي تشمل مساكن تحت الماء و مختبرات بحرية ومراكز أبحاث. كما أن له بعض التصميمات المستقبلية مثل مدينة ميرينز العائمة (city of Mériens) التي تشبه سمكة شيطان البحر, و مشروع مسبار البحر (SeaOrbiter) نصفها غائص في الماء والنصف الآخر فوق سطح الماء سيسمح للباحثين برحلات لدراسة البحار بشكل متواصل. بتصاميمه التي يعتمد فيها الاختلاف و الميل للأشكال البحرية، فيحاول روجير لفت انتباهنا لجمال و هشاشة البحار ودورها الرئيسي في قصة البشرية.
يقول روجير بأن المتحف لن يساعد في إحياء السياحة بالاسكندرية فقط و لكنه سيسهل دراسات أعمق للآثار الموجودة. والتصميم النهائي سيتم تطويعه بحسب دراسات الجدوى.
إلى يومنا هذا مازال العلماء يبحثون في أسباب و توقيت غرق أكبر معالم الأسكندرية القديمة. ولكن بدراسة الرواسب في الخليج و الحفريات تحت الأسكندرية الحالية يبدو أن السبب قد يكون تدمير بطئ بسبب زلازل و الموجات البحرية الشديدة و عوامل التأكل بسبب مياه البحر. ومن الوارد جدا أن تكون مياة البحر المتوسط قد غمرت المدينة بين القرن السادس و السابع الميلادي.
الكنوز الغارقة حافظت على نفسها ما يزيد عن 14 قرن, على الرغم من تلوث المياة و على الرغم من مشروع حواجز الأمواج في 1993 الذي دمر الكثير من الآثار بالخطأ. بعض رحلات الغوص لفرانك جوديو (Frank Goddio) عالم الآثار الغارقة الفرنسي كشفت عن تماثيل لبطليموس و كليوباترا و تماسيح برأس نسر تجلس بطريقة أبو الهول و كهنة يحملون أوعية كانوبية كانت تستخدم في عملية التحنيط.
في 2001 أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية لحماية الآثار الغارقة في مياة الدول الأعضاء. سميت الإتفاقية اتفاقية اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. بحسب يولريك جورين (Ulrike Guérin) –محامية باليونسكو مسؤولة عن الاتفاقية- فإنها تتوقع مرور عامين أو ثلاثة قبل اتخاذ أي خطوات فعلية. ولكنها أضافت أن نجاح تنفيذ هذا المتحف بأبو قير سيغير خريطة البحث العلمي الأثري لجزء مهم من تاريخ مصر.
تقول جورين أن مثل هذا النوع من المتاحف سيغير نظرتنا للتراث الغارق. حيث أنه دائما من الصعب رؤية هذة الأثار بدون إخراجها و تجفيفها .من الصعب رؤية اسكندرية القديمة بالكامل لكنها ترى أن اتاحة جزء منها من خلال المتحف هو كافي.
وعلى الرغم من أنه قد يكون من المنطقي والأبسط إخراج بعض هذه الآثار من الماء ووضعها في متحف و لكن وزارة الأثار ترى أن هذا المتحف المختلف كليا سيضيف كثيرا لمجموع الـ 37 متحف الموجودين بمصر.
يخبرنا دكتور محمد عبد المجيد بأن بعض تلك الآثار كبيرة وثابتة ولن نستطيع إخراجها. كما أن مصر لديها فوق المليوني قطعة أثرية فوق الأرض, فإن أخرجنا هذه الآثار الغارقة ماذا ستضيف لنا؟!
لا يوجد بالعالم كله متحف مثل هذا المتحف على الرغم من وجود نسخة مصغرة لها نفس الفكرة في الصين في متحف باهيلانج (Baiheliang Underwater Museum) في نهر يانغسي (Yangtze River) حيث يوجد نفق خرساني به فتحات دائرية يستطيع من خلالها الزوار رؤية لمحة من السمكة الصخرية المحفورة التي كانت تستخدم لقياس منسوب النهر.
في الوقت الراهن تستمر اليونسكو في مخططات لعمل أكثر من معرض عبر الانترنت لمواقع أثرية غارقة مثل بافلوبتري باليونان (Pavlopetri) وهو مشروع تحت التنفيذ لعمل تصوير و مسح ثلاثي الأبعاد لأطلال المدينة الغارقة.
يقول دكتور محمد عبد المجيد “العالم تحت الماء غامض وعالم الآثار الغارقة أيضا غامض لذلك إذا لم ترى لن تفهم, و إن لم تفهم فلن تقدر. نحن نحاول جذب الاهتمام لما نملكه هنا و نحافظ عليه سليما قدر الإمكان و يكون متاحا للجميع لنضيف فصولا جديدة في كتب التاريخ.”
ترجمة : Mostafa Mohamed El-Ashmawy
مراجعة لغوية: Abdallah Taha
المصادر: http://sc.egyres.com/yZUN8
2 Responses