خطوات لمحوِ الأمية الماليّة وبدء التعليم الماليّ

خطوات لمحو الأمية المالية وبداية التعليم المالي

(المال) تلك الكلمة التي تعني للكثير مِنَّا متعة الحياة بشكلٍ أو بآخر، سواء كنت شابًّا صغيرًا، أو رَبَّ أسرةٍ مسؤول عن بيت، أو كهلًا تُواجه يوميًّا قرارات مالية؛ من أبسط الأمور الخاصة بالبيع والشراء؛ حتى تكوين ثروة تتكئ عليها بعد التقاعد؛ عندما تريد التوقف عن العمل والاستمتاع بما حقَّـقـتَهُ فيما مضَى مِن عمُرِك.

ولِمَا لهذا الأمر من أهمية على حياة البشَر، ولكوْن الاقتصاد هو العِلم المُختَص بدراسة سلوكيات البشر التي تجعلهم يتخذون قراراتهم الماليَّة؛ بدأ علماء الاقتصاد بمتابعة أثر الأُمِّـيَّـة المالية على الأفراد، وما له من أسباب ونتائج، في محاولة لفهْم لماذا يصل الكثير من الناس لسن التقاعد دون الاستعداد المالي لذلك؟

والجدير بالذِّكر، أنهم وجَدُوا أن العديد من الناس لَـيْسُوا علَى دراية بالكثير من المفاهيم الاقتصادية الحياتية التي تواجههم يوميًّا، وأن الأُمِّيَّة الماليَّة هي أمر منتشر جدًّا في كل بلدان العالم(1).

لِذَا، كان لزاماً أن يسَلَط الضوء على هذا الأمر، ويـوضح تعريف التعليم المالي ومحو أميته  Financial Education And Literacy، والبعض من الأفكار التي علينا معرفتها؛ حتَّى يتسنَّى لنا مُواجَهة الحياة بشكلٍ أفضل، وتعلُّم كيفيَّة اتِّخاذ القرارات المالية بشكل سليم.

تعريف التعليم المالي

وفـقًـا لتعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) Organization for Economic Co-operation and Development) فإن التعليم المالي هو العملية التي يُحسِّن بها المستهلك والمستثمر فَهْمَهم للمنتجات الماليَّة ومفاهيمها، وهذا من خلال حصولهم على المعلومات، والتوجيه والنصائح الموضوعية؛ لتحسين مهاراتهم، وزيادة قدراتهم وثِـقَـتهم؛ لِيُصبِحُوا أكثر وعيًا بالمخاطر الماليّة، والفرص المتاحة لهم؛ لاتخاذ قرارات على أساسٍ صحيح، ولمعرفة مِن أين يُطلَب الدعم الذي يمكنهم من القيام بأعمال فعَّالة لتَحسِين أوضاعهم الماليّة. [2]

أهمية محو الأُمية الماليّة

لِمَا للتعليم المالي من أهمية؛ أصبح الجهل به أمِّيَّة حقيقيّة؛ لِمَا له من آثار سلبيّة على الفرد والمجتمع؛ ولأننا نبدأ بالاحتكاك المالي الحقيقيِّ في بدايات المرحلة الجامعيَّة، ومنه يزيد الاحتكاك بكثرة المسؤوليات؛ فهذه هي أفضل اللحظات للتعليم، أي التي تسبق قرارًا ماليًّا ما. فإن تعلُّم كيفيَّة الحصول على الأموال، وكيفيَّة إنفاقها، وكم علَيَّ أن أدَّخِر، ومتى أبدأ في تحويل ما ادخرت إلى استثمارات؛ هي أمور يجب على المرء تعَـلُّمها، لأن هذه المفاهيم والعلم بها مهارةٌ حياتية سوف تؤثِّر على حياتنا لأعوام كثيرة قادمة؛ تجعَلُنا قادرين على التفاعل مع المجتمع بما فيه صالِحنا؛ بما في ذلك مِن عمل موازنات ماليَّة سليمة، وفَهْم مَا لي من أموال عند غيري، وما علَيَّ من ديون.

إن التعليم الماليّ يُعطينا القدرة على اتخاذ قرارات ماليّة، والحكم على اختياراتنا الاستهلاكيّة؛ لذا يمكِّـنـنا التعليم المالي من كيفيَّة إدارة أموالنا، ويُزوِّدنا بالأدوات الماليَّة المناسبة؛ لتساعدنا على الحصول على حياة ماليَّة مستقرة. [2]

ويؤثر التعليم الماليُّ على سلوكيات الأفراد الماليَّة التي تنقسم إلى سلوكيات قصيرة وطويلة المدى: فالسلوكيات قصيرة المدى: لها عائد مُـنَـتظِم وسريع، سواءً كان هذا العائد على شكل ربح أو خسارة. أما السلوكيات طويلة المدى: فالعائد لها يحتاج إلى الوقت، ولا يظهر بشكلٍ مباشر ولا منتظم، لكنه يظهر فيما بعد باستمرار الحياة.

لهذا، فالتعليم الماليُّ يؤثِّر بشكلٍ ايجابِيٍّ أكثر على السلوكيات طويلة المدى؛ لأنه يُعطينا توجيهًا مُسْبقًا لِمََا نفعله، ولأبعاد ما نفعله، والنتائج المترتبة عليه؛ مما يجعلنا نمتلك تصوُّرًا عمَّا سيكون عليه العائد الخاص بنا، على عكس السلوكيات قصيرة المدى التي تُشبه الفعل ورد الفعل، فـتَـعلِيمنا فيها يكون أسرع بشكل تلقائي من خلال التجربة الظاهرة، وتعليمنا هذا يُـثمِر بشكلٍ أفضل إذا سُبِق بتوجيه ماليٍّ. [3]

وسنستعرض بشكل مبسط أهم الأنشطة الماليَّة التي نـتـجت عن العديد من الأبحاث لمعرفة أهم ما يحتاجه الفرد المسؤول من مهارات ومعرفة؛ لكي يطور من سلوكه المالي. والتي يمكن تصنيها إلى أربع فئات: إدارة التدفق الماليّ  Cash-flow Management، وإدارة الديون والائتمان Credit and Debt Management كأمثلة للسلوكيات قصيرة المدى، والادخار، والاستثمار  كأمثلة للسلوكيات طويلة المدى. [3]

إدارة التدفق المالي

إدارة التدفق المالي، هي: مجموعة من الأنشطة الماليَّة قصيرة المدى مِن التخطيط، والتنفيذ، والتقييم؛ فيما يخص توزيع دخل الفرد أو الأسرة؛ لتحقيق الأهداف الماليَّة الواضحة أو الخفية لهم؛ أي: هي التعامل المباشر مع ما يأتينا من دَخْلٍ لِسَدِّ احتياجاتنا الخاصة أيًّّا كانت، والتدفق المالي هو فرع من فروع الإدارة الماليَّة  (بالإنجليزيَّة: Financial Management) التي تحتوي أيضًا عمليات الادخار والاستثمار والتأمين وغيره، والأغلبية منَّا يُفكِّرون بالتدَفُّق المالي أكثر من غيره؛ بشكلٍ أوضح يهتمون بإدارة أموالهم الفعلية التي بأيديهم أوَّلًا. [4]

وفيما يلي فيديو توضيحي مع بعض المعلومات الإضافية في هذا التعريف: [5]

إدارة الديون والائتمان

بسبب تضاعُف المسؤوليات نحتاج إلى زيادة دخْلَنا بطرق أخرى، مثل: الديون، والتعاملات الائتمانيّة. واقتراض الأموال وسَدادها عمَلِيَّتان مُترابطتان، وتحتاجان إلى الكثير من الدراسة والتخطيط؛ حتى لا تصبح عِبئًا، بدلًا من كونها مساعدة. فالكميَّة التي تـقـترضها تُؤثر على قدرتك على السداد، وقدرتك على السداد تُحدد جَدارتك الائتمانيّة التي بدورها تُحدِّد ما إذا كنت شخصًا موثوقًا به؛ فيتم التعامل معه مرة أخرى أم لا.

فعلى سبيل المثال مِن أساسيات التعليم المالي بهذا الشأن: ضرورة الالتزام بالدفعات الشهريّة في وقتها، والدفع أعلى بقليل من الدفعة المُحَدَّدة شهريًّا، ضبط كمية أقساط الدَّين مع معدل دخلك، بحيث لا تكون أعلى من (25%) من دخلك الشهري. وغير هذا من النصائح الائـتـمانيّة التي تحقق لنا الفائدة المَرجُوَّة تجدونها في المصدر. [6]

وفي هذا الفيديو سنرى عما يبحث المُقْرِضُون فيما يخص تعاملاتك الائتمانيّة. [7]

الادخار

الادخار -ومعه الاستثمار الذي سنُعرِّفه لاحقًا- من أهم الأمور التي علينا معرفتها قبل بدء رحلـتـنا في البحث عن الثراء أو الاستقلال المالي، مع أنهما مفهومان منفصلان يخلط الكثير من الناس بينهما. فالادخار هو: عملية حفظ الأموال إما بحالتها الجاريّة، أو بشكلٍ آخر مثل الشيكات أو غيره؛ المهم أن تكون القدرة على استعادة هذه الأموال وتحويلها إلى حالتها النقدية سريعة، وفي الوقت المطلوب، سواءً بالبيع، أو بالسحب المباشر، كما في حسابات الادخار البنكية، كما يجب أن يكون حفظ الأموال بطريقة آمنة لا تُعرِّضها للخَسارَة في حال حدوث أي انهيارات اقتصادية مثلًا.

وتسبق عملية الادخار عملية الاستثمار؛ حيث أننا نحتاج لضمان وجود أموال سائلة فِعليَّة بِيَدِنا في حال حدوث أي أزمة طارئة، وتكون مُدخِّرًا ما يكفي لستة أشهر قادمة على الأقل كتمويل للطوارئ  Emergency Fund، كما تسبق عمليّة الادخار الشخصيّة عمليّة الاستثمار، حيث إننا نحتاج لحساب احتياجاتنا الشخصيّة الأساسيّة قبل عملية الاستثمار. [8]

خطوات لمحو الأمية المالية وبداية التعليم المالي
الادخار فطرة تبدأ في الطفولة فحافظ عليها في الكبر. shorturl.at/hrtF1

الاستثمار

هو عمليَّة استخدام المال لشراء أصل Asset أو تأسيس مكان ما بهدف الحصول على عائد من هذا المال يكون آمِنًا ومقبولًا، بغاية أن يجعلك ثَرِيًّا حتى لو كان ذلك بعد العديد من السنوات، مثل: الاستثمار في الأسهم والعقارات. [8]

بعدما تقوم بعملية الادخار للأوقات الطارئة، يأتي وقت الاستثمار لحياتك القادمة، إذْ مِن المهم أن تستثمر في أكثر من عمل، وألا تضع البيض كله في سَلة واحدة كما يُقال. فالتنوع في الاستثمارات، ومعرفة أيُّها يُدِرُّ العائد الأكبر يحتاج إلى المتابعة، والتعلُّم المستمر في هذا المجال. عليك أيضًا أن تضع لنفسك أهدافًا للاستثمار تـتعدَّى مرحلة التقاعُد، كتعليم أطفالك في المكان المناسب، أو شراء منزل أو غيره من أمنياتك الخاصة. [9]

اختيار الطريق الذي ستستـثمر فيه يحتاج للكثير من العمل والجهد؛ حتى يأتي يوم تعمل الأموال لك ولا تعمل لها، ويكون وقتك لك وليس للعمل لَدَى الآخرين.

خطوات لمحو الأمية المالية وبداية التعليم المالي
المال بذرة إذا وُضِعت بالأرض المناسبة كان العائد عظيمًا. shorturl.at/oqF02

ملخص

كل ما هو مهم نسعى للحفاظ عليه، وللحفاظ على أمرٍ ما يجب تعلُّم كيفيَّة التعامل معه؛ ومن هنا تأتي أهمية التعليم المالي، أو محو الأمية المالية. فكل ما يَمسُّ تعاملاتك الماديّة عليك معرفة ولو القليل عنه؛ وقد ذكَرْنَا أهمية التعليم الماليّ، وبعض المفاهيم الشائعة، -وبعض وليس كل- فهناك الكثير والكثير مما يحتاج الوقوف عنده، تجدون بعضها في المصادر المذكورة للاطلاع، وعليكم البحث أيضًا في المجالات الماليّة الأخرى: كالمحاسبة، والتسويق، وغيرهم. وسيكون لنا مقالات تفصيلية أكثر في الأيام القادمة.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي