مدخل مبسط إلي تاريخ اللغة المصرية القديمة، المراحل اللغوية التاريخية لتطور اللغة المصرية القديمة. (الحلقة الخامسة)

رحلة-اللغة-المصرية-القديمة5

رحلة اللغة المصرية القديمة5

 ثانيا : المراحل اللغوية التاريخية لتطور اللغة المصرية القديمة:

  1. اللغة المصرية القديمة Old Egyptian :

هي مرحلة البناء في اللغة المصرية القديمة التي شهدت بداية تطور قواعد اللغة، وتاريخيا فقد استخدمت هذه المرحلة في الوثائق المصرية في الفترة ما بين (3000-2200 ق.م) وهي المرحلة التي عاصرت تاريخيا الأسرات الأولي والثانية الذي نعرفه بالعصر العتيق بالإضافة إلي عصر الدولة القديمة (الأسرات من الثالثة حتي السادسة) والأسرتان السابعة والثامنة من عصر الانتقال الأول، وقد كانت أهم النصوص التي كتبت بهذه المرحلة اللغوية هي مجموعة النصوص الدينية الهامة المعروفة باسم «نصوص الأهرام» و مجموعة النصوص التي يعرفها علماء المصريات باسم «نصوص السيرة الذاتية» التي وصلتنا عن طريق مقابر بعض أفراد الدولة القديمة.

 

  1. اللغة المصرية الوسيطة Middle Egyptian:

تعد المصرية الوسيطة هي أكمل مراحل اللغة المصرية القديمة وأكثرها توازنا وتناسقا، فهي لغة الأعمال الأدبية الرائعة التي وصلتنا من الحضارة المصرية القديمة، وقد استمرت مستخدمة لكتابة الأعمال الدينية الهامة حتي القرن الرابع الميلادي وذلك علي الرغم من وجود مراحل لغوية أخري كانت مستخدمة علي نطاق أوسع في المراحل المتأخرة من الحضارة المصرية ولكنها ظلت تستخدم كنموذج للغة الفصحي التي تكتب علي جدران المعابد، وبشكل عام فقد بدأت الخصائص اللغوية لهذا المرحلة تظهر ابتدائا من بداية عصر الانتقال الأول واستمرت كلغة رسمية ووحيدة حتي نهاية الأسرة الثامنة عشرة.

 

كانت اللغة المصرية الوسيطة هي اللغة الكلاسيكية للأدب المصري بمختلف أنواعه، ونستطيع أن نقسم المصادر الأدبية التي وصلتنا عناصر هذه اللغة من خلالها كالآتي:

أ. نصوص جنائزية: والتي كان أهمها «نصوص التوابيت» وقد بدأ استخدامها في الدولة الوسطي لتنقش على توابيت رجال صفوة المجتمع من الداخل بغرض مساعدتهم في عملية البعث والحساب.

ب. النصوص التهذيبية: وهي أدب الحكمة المصري التي كانت غالبا ما تكتب علي شكل مجموعة نصائح يخبرها أبا لأبنه متضمنة خلاصة خبرة الأب في الحياة، و في الحقيقة فأن هذه النصوص ذات أهمية عظيمة لنا لأنها تعكس المثل الأخلاقية التي كانت متوقعة من الفرد المصري القويم في ذلك العصر، و من أهم هذه النصوص «تعاليم بتاح–حتب» و «تعاليم ميري-كا-رع»، كذلك من أهم النصوص التي وصلتنا بالمصرية الوسيطة الكلاسيكية «مراثي الحكيم إيبو-ور» و التي تقدم نظرة فلسفية بليغة للأحداث الدامية التي شهدتها مصر أثناء عصر الانتقال ما بين الدولة القديمة و الدولة الوسطي.

ج. القصص: وهي عبارة عن حكايات تدور حول مغامرات بطل معين مع التركيز على قدراته الفردية في مواجهة المحن التي يتعرض لها وعلاقة ذلك مع الأوضاع الاجتماعية لمصر في الفترة المعاصرة لقصة البطل، ومن أهم النصوص التي وصلتنا لهذا اللون الأدبي «قصة الملاح الناجي من الغرق» و «قصة سنوحي».

د. أناشيد الألهة: هي عبارة عن نصوص أدبية تحتوي معاني دينية لغرض تمجيد الآلهة أو الملوك، ومن أهم الأمثلة التي وصلتنا من ذلك اللون الأدبي «أنشودة النيل» و«أنشودة الملك سنوسرت الثالث».

يجدر بالذكر أنه توجد بعض النصوص التي تنتمي لأكثر من لون أدبي ومن أهم الأمثلة على ذلك «قصة الفلاح الفصيح» التي تتضمن عناصر تهذيبية ودينية داخل إطار قصصي، كذلك إلى جانب النصوص الأدبية وصلتنا من الدولة الوسطي العديد من النصوص الإدارية مثل بردية الكاهون على سبيل المثال.

 

بداية من عصر الدولة الحديثة بدأت اللغة المصرية الوسيطة تدخلها عناصر و تطورات تصويرية جديدة ليظهر ما يسميه علماء المصريات «اللغة المصرية الوسيطة المتأخرة» والتي أصبحت اللغة الرسمية للنصوص الدينية بداية من الدولة الحديثة وحتى نهاية الحضارة المصرية القديمة، أما باقي الاستخدامات اللغوية فقد حلت محلها فيها اللغة المصرية المتأخرة و الديموطيقية ثم القبطية، و هذه اللغة لا تعد مرحلة لغوية جديدة لأنها حافظت علي نفس الأساس النحوي للغة المصرية الوسيطة الكلاسيكية و لكنها شهدت توسعات وتطورات في مجال العلامات التصويرية المستخدمة لكتابتها وخاصة في العصر اليوناني الروماني (لغويا من القرن الثالث ق.م و حتى القرن الثاني الميلادي) و التي شهدت علاماته التصويرية تطورا جذريا دفع علماء المصريات ليطلقوا علي اللغة في هذه المرحلة «المصري البطلمي».

من الناحية اللغوية فقد تميزت اللغة المصرية القديمة و اللغة المصرية الوسيطة بعدة سمات ميزتهما عن المراحل اللغوية التالية و خصوصا فيما يختص ببنيتهما النحوية المركبة، فعلي سبيل المثال احتوت المرحلتان علي مجموعة كاملة من اللواحق الصرفية و التي تعبر عن الجنس و العدد، فمثلا الكلمة «نثر-ntr» و التي تعني »إله« هنا مفرد مذكر فإذا أردنا المفرد المؤنث لها تصبح «نثرت-ntr.t» عن طريق إضافة لاحقة صرفية للتأنيث هي صوت التاء، وإذا أردنا الجمع المذكر للكلمة ستصبح «نثروntr.w» بإضافة لاحقة للجمع هي صوت الواو، إما الجمع المؤنث لها فسيصبح «نثروت-ntr.wt» عن طرق إضافة اللاحقة «وت»، وهنا نري تشابه كبير مع اللغات السامية الغربية، كذلك من الخصائص اللغوية الأخرى أنها لا تحتوي أدوات للتعريف فمثلا كلمة «رمث-rmt» تعني «رجل» و تحتمل أيضا أن تكون «الرجل» و يحكم ذلك موضع الكلمة داخل الجملة.

  1. اللغة المصرية المتأخرة Late Egyptian:

هي لغة السجلات المصرية ما بين (1300-700 ق.م) وقد عاصرت هذه المرحلة اللغوية تاريخيا النصف الثاني من الأسرة الثامنة عشرة و استمرت حتي الأسرة الخامسة و العشرون، لهذا فأن الأعمال الأدبية التي وصلتنا من مصر القديمة في خلال عصر الرعامسة (الأسرات 19 و 20) كانت جميعها مكتوبة بهذه المرحلة اللغوية و التي كان من أهمها «قصة الأخوين»  و«قصة ون-أمون» و بعض نماذج الأدب التهذيبي مثل «تعاليم الحكيم آني» و «تعاليم الحكيم أمون-إم-أوبت» كذلك شهدت هذه المرحلة ظهور ألوان أدبية جديدة مثل قصص الميثولوجيا التي تتعلق بالآلهة وقصائد الحب، و بما أن هذه المرحلة اللغوية كانت هي اللغة الرسمية للإدارة الحكومية في عهد الرعامسة فأن جميع الوثائق الأرشيفية التي وصلتنا من هذه الفترة كانت مكتوبة بواسطتها هذا إلي جانب بعض النصوص المدرسية.

لم تكن المصرية المتأخرة لغة متجانسة متكاملة الأركان بالطبع فهي ليست لغة منفصلة عن المصرية القديمة وإنما تطورت لتوافق المتطلبات الجديدة لعصر الإمبراطورية المصرية الذي جعل مصر تحتك بالعديد من الحضارات الخارجية و لغاتها التي أثرت وتأثرت باللغة المصرية بطبيعة الحال، و قد أظهرت الوثائق المبكرة التي وصلتنا من هذه المرحلة اللغوية تأثيرا كبيرا باللغة المصرية الوسيطة خاصة فيما يختص بالوثائق التي تميل إلي الرسمية مثل الكتابات التاريخية و الأعمال الأدبية، حيث نجد أن الكتابات قد تبنت بنية الجملة المميزة للمصرية المتأخرة و لكنها احتفظت بكثير من الخصائص والأشكال النحوية المميزة للمصرية الوسيطة كما حافظت علي الشكل الهجائي للمفردات الوسيطة، ومن أهم الوثائق التي وصلتنا والتي تحمل ظاهرة الازدواج بين المصرية الوسيطة والمتأخرة اللوحات الحدودية لمدينة تل العمارنة من عهد أخناتون وقصة الأمير الملعون التي ترجع إلي الأسرة الثامنة عشرة، و قد انتهي هذا التأثير أو قل كثيرا بنهاية القرن الثاني عشر ق.م لتصبح القواعد النحوية والشكل الهجائي للغة المصرية المتأخرة هي المسيطرة علي الكتابات المصرية حتي القرن السابع ق.م، و أصبحت اللغة الوسيطة اشبه بلغة مقدسة قاصرة علي الكتابات الدينية الهامة التي تنقش علي الصروح العظيمة في المعابد وما شابه.

  1. الديموطيقية-Demotic :

هي لغة الأدب والإدارة المصرية أثناء العصر المتأخر من بعد القرن السابع ق.م وحتي القرن الخامس الميلادي، كما كانت لغة المعاملات اليومية والكتابات الشعبية مثل العقود ووثائق الزواج والبيع والشراء، وعلي النقيض من المراحل اللغوية السابقة التي كانت تكتب بالخط الهيروغليفي والخط الهيراطيقي بدون اقتصار علي خط معين فإن الديموطيقية كانت مرحلة لغوية وخط في آن واحد فهي كانت مرحلة لغوية متطورة عن المصرية المتأخرة كتبت برموز خطية مبسطة جدا تحدثت عنها بشيء من التفصيل فيما سبق.

من أهم الأعمال التي وصلتنا بالديموطيقية «قصة الأمير سيتنيخع-إم-واست» و«قصة با-دي-باستت» و «تعاليم عنخ-شاشنق» و«بردية إنسنجر» بالإضافة إلى العديد من الشقافات التي تسجل الكثير من معاملات الحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية لعامة الشعب.

 

إعداد: محمد جمال

مراجعة وتصميم: عبدالله طه

المصدر:

  1. Hart-Davis, Adam. History: The Definitive Visual Guide. New York: D.K Publishing, 2012. Digital.

  2. Green, Jen. “EARLY CIVILIZATIONS: The Story of Writing” in Smithsonian Timelines of History: The Ultimate Visual Guide to The Events that Shaped The World. London: D.K Publishing, 2011. Digital.

  3. Loprieno, Antonio. Ancient Egyptian: A linguistic Introduction. Cambridge University Press, 1995. Print.

  4. Trombley, Frank (R.). Hellenic Religion and Christianization c. 370-529: Volume.II paperback. Leiden: Brill Publishing, 2014. Print.

  5. Junge, Friedrich &Behlmer, Heike. “Language”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  6. Orlandi, Tito. “GRAMMAR: Coptic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  7. Wente, Edward (F.). “SCRIPTS: Hieratic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  8. Johnson, Janet (H.). “SCRIPTS: Demotic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  9. Callahan, Allen Dwight. “SCRIPTS: Coptic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  10. “Egyptian language.” Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2014.

  11. Ishaq, Emile Maher. “Coptic Language, spoken” in The Coptic Encyclopedia, Edited By Aziz SuryalAtiya. Volume. II.New York: Macmillan Publishing Company, 1991. Print

  12. أديب، سمير. موسوعة الحضارة المصرية القديمة. القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، 2000م.

  13. نور الدين، عبد الحليم. اللغة المصرية القديمة. القاهرة: الطبعة التاسعة، 2011م.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي