مدخل مبسط إلي تاريخ اللغة المصرية القديمة، الخط القبطي. (الحلقة السادسة)

رحلة-اللغة-المصرية-القديمة6-4

رحلة اللغة المصرية القديمة6

5. اللغة والخط القبطي-Coptic Language&Script:

هي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة وكانت هي اللغة الرسمية لمصر منذ القرن الثالث الميلادي وحتى دخول العرب وإن لم تندثر مع دخول العربية حيث ظلت القبطية مستخدمة بين المسيحيين المصريين حتى القرن السابع عشر الميلادي ولكنها بدأت بالاضمحلال كلغة حياة يومية وإن ظلت مستخدمة في طقوس الكنيسة الأرثوذكسية المصرية حتى الآن.

انتهي حكم المصريين لمصر تماما بعد الاحتلال الفارسي الثاني لها عام 343 ق.م، واستمر هذا الاحتلال حتى دخول الإسكندر مصر عام 332 ق.م، و بعد وفاته أصبحت مصر من نصيب أحد قواده وهو بطليموس الذي كوّن أسرة حاكمة لمصر عرفت في التاريخ باسم أسرة البطالمة والتي كانت سماتها الحضارية غريبة إلي حد ما حيث تبنت العادات الحضارية المصرية بعد خلطها بالصبغة اليونانية الأجنبية، وأمام هذا التغيير في نمط الحياة والتعرض للغة الأجنبية يبدو أن المصريين قد شعروا أن وسائل كتابة لغتهم لم تكن تفي باحتياجات الحياة، كما أنهم رأوا أن الأرستقراطية اليونانية لن تستطيع أبدا قراءة لغتهم الصعبة، لذلك فقد سعوا إلي محاولة تبسيطها عن طريق كتابتها بأحرف يونانية، و أقدم الوثائق التي وصلتنا عن محاولة كتابة المصرية بالحروف الهجائية اليونانية هي بردية تعود إلي منتصف القرن الثالث ق.م تعرف حاليا باسم بردية »هايدلبرج رقم 414« و قد أطلق المتخصصون علي هذا الأسلوب الكتابي اسم »قبيل القبطية-«Proto-Coptic و كانت هذه هي المرحلة الأولي من مراحل تطور اللغة القبطية، إما المرحلة الثانية والتي يسميها المتخصصون »القبطية القديمة-«Old Coptic فقد ظهرت خلال العصر الروماني المبكر حيث تم العصور علي لوحات بطاقات مومياوات وبرديات من هذه الفترة تحمل أسماء ديموطيقية واضحة مكتوبة بحروف يونانية تتخللها العديد من الرموز الديموطيقية أكثر بكثير من السبعة رموز التي دخلت الأبجدية القبطية فيما بعد، أما مرحلة القبطية التامة فربما تكون ظهرت بوضوح ما بين القرن الثاني والثالث الميلادي حيث توجد دلائل تشير إلي وجود جزء مترجم من الأناجيل باللغة القبطية بحلول ذلك الوقت.

على الرغم أن التطور تجاه الكتابة واللغة القبطية كان سابقا للعصر المسيحي، إلا أن الخطوة الكبرى تجاه القبطية بشكلها الأكثر كمالا لم تتم إلا بعد دخول المسيحية مصر ويبدو أن المسيحية وأدبها المكتوب كانت من الدوافع التي أدت إلى تطوير المرحلة اللغوية القبطية وأسلوب كتابتها، حيث بدأت حركات الترجمة للقبطية والتأليف بواسطتها منذ حوالي بدايات القرن الثالث الميلادي وهي فترة معاصرة تقريبا لظهور القبطية بشكلها الأكمل.

تبنت القبطية 24 حرفا من الحروف الهجائية اليونانية بالإضافة إلى سبعة حروف مستقاة من الرموز الديموطيقية لتعبر عن الأصوات الموجودة في المصرية وغير موجودة في اليونانية وهم (خاي-جنجا-تي-شاي-حوري-تشيما-فاي)، وقد ظهرت حروف الحركة Vowels في القبطية لأول مرة في اللغة المصرية القديمة -بشكل كامل وواضح حيث ظهرت أيضا حروف الحركة في الهيروغليفية والديموطيقية المتأخرين ولكن علي نطاق ضيق للغاية-مما أعطانا صورة واضحة إلي حد ما للشكل الذي كانت تنطق به اللغة المصرية القديمة، و قد ظهر من خلال نطق النصوص القبطية المختلفة وجود عدة لهجات للقبطية في مصر وهم اللهجة الفيومية التي كانت منطوقة في شمال مصر الوسطي والأخميمية التي كانت منطوقة في مدينة أخميم الواقعة في محافظة سوهاج الحالية وهي اللهجة الرئيسية لجنوب مصر الوسطى، واللهجة الجنوب إخميمية (الأسيوطية) وكانت منطوقة في بعض مناطق الصعيد بين أسيوط والأقصر الحاليين، وهذه اللهجة هي اللغة التي كتبت بها وثائق نجع حمادي الشهيرة، ولكن أهم لهجتين قبطيتين علي الإطلاق هم اللهجة الصعيدية التي نشأت في طيبة وحولها وأصبحت اللهجة الرئيسية للرهبنة والطقوس الدينية للكنيسة المصرية ابتدائا من القرن الثالث الميلادي وحتى القرن الحادي عشر الميلادي، وهي أثري اللهجات القبطية نظرا لكونها كانت لغة الرهبان الذين تولوا كتابة اغلب الأدب الديني المسيحي الذي وصلنا من مصر في خلال تلك الفترة، أما اللهجة البحيرية (من اسم محافظة البحيرة) فقد كانت لهجة غرب الدلتا بما فيها الإسكندرية ووادي النطرون، وقد حلت محل اللهجة الصعيدية كاللهجة الرسمية لطقوس الكنيسة ابتدائا من الثلث الأخير للقرن الحادي عشر الميلادي و مازالت اللغة القبطية المستخدمة في طقوس الكنيسة المصرية حاليا قريبة جدا من اللهجة البحيرية وإن دخلتها تعبيرات وعناصر يونانية أكثر من اللازم للأسف.

بنيت اللغة القبطية علي أساس البنية اللغوية للغة المصرية السائدة في ذلك الوقت، والتي كانت قد فقدت أغلب إمكانياتها الأدبية وقوتها اللغوية بحلول تلك الفترة المتأخرة، ومن أجل تأهيل اللغة الجديدة بالإمكانيات الأدبية اللازمة لكتابة الأدب الديني المسيحي بها بدأت تستعير الكثير من اللغة اليونانية خاصة في مجال المفردات حيث كان رجال الدين الذين مثلوا السلطة الأولي المسؤولة عن تطوير اللغة القبطية يستعيرون مفردات يونانية كلما أرادوا التعبير عن أفكار دينية أو لاهوتية معينة، و هذا لم يكن صعبا بالنظر إلي حقيقة أن أغلب المصريين في ذلك الوقت كانوا مزدوجي اللغة فاليونانية كانت منتشرة في مصر كلغة الثقافة والعلم منذ عصر البطالمة، فكان المتعلمون من المصريين يتحدثون كلا من المصرية و اليونانية بطلاقة، أيضا تأثرت القبطية باليونانية في الأنماط القواعدية نظرا لصعوبة نقل الأفكار التجريدية الدينية والفلسفية مثل رسائل الرسول بولس أو الكتابات الغنوصية باستخدام الأنماط النحوية المستخدمة في اللغة المصرية التي لم تكن تميل بطبعها إلي التجريد.

إعداد: محمد جمال

مراجعة وتصميم: عبدالله طه

المصدر:

  1. Hart-Davis, Adam. History: The Definitive Visual Guide. New York: D.K Publishing, 2012. Digital.

  2. Green, Jen. “EARLY CIVILIZATIONS: The Story of Writing” in Smithsonian Timelines of History: The Ultimate Visual Guide to The Events that Shaped The World. London: D.K Publishing, 2011. Digital.

  3. Loprieno, Antonio. Ancient Egyptian: A linguistic Introduction. Cambridge University Press, 1995. Print.

  4. Trombley, Frank (R.). Hellenic Religion and Christianization c. 370-529: Volume.II paperback. Leiden: Brill Publishing, 2014. Print.

  5. Junge, Friedrich &Behlmer, Heike. “Language”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  6. Orlandi, Tito. “GRAMMAR: Coptic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  7. Wente, Edward (F.). “SCRIPTS: Hieratic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  8. Johnson, Janet (H.). “SCRIPTS: Demotic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  9. Callahan, Allen Dwight. “SCRIPTS: Coptic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.

  10. “Egyptian language.” Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2014.

  11. Ishaq, Emile Maher. “Coptic Language, spoken” in The Coptic Encyclopedia, Edited By Aziz SuryalAtiya. Volume. II.New York: Macmillan Publishing Company, 1991. Print

  12. أديب، سمير. موسوعة الحضارة المصرية القديمة. القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، 2000م.

  13. نور الدين، عبد الحليم. اللغة المصرية القديمة. القاهرة: الطبعة التاسعة، 2011م.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي